Admin Admin
عدد المساهمات : 183 تاريخ الميلاد : 30/06/1997 تاريخ التسجيل : 21/12/2009 العمر : 27
| موضوع: إرميا – الإصحاح الحادى والثلاثون الخميس فبراير 04, 2010 6:23 pm | |
| إرميا – الإصحاح الحادى والثلاثون
العهد الجديد
يظن بعض الدارسين أن أغلب ما ورد فى هذا الإصحاح كتبه إرميا النبى لمملكة إسرائيل وذلك قبل السبى الأول ليهوذا سنة 597 ق . م . وأن الأشارة إلى يهوذا ( ع 3 – 4 ) ، وصهيون ( ع 17 ) وكل عشائر إسرائيل ( ع 1 ) جاءت كإضافة فيما بعد لكى ينطبق الحديث على كل شعب الله . يعتبر هذا الإصحاح تكملة للإصحاح السابق حيث يتحدث بالتفصيل عن وعود الله لشعبه الذى يخرجه من الأسر ويأتى به إلى الحرية ، أو ينطلق به من أرض الغربة القاسية إلى الله نفسه " الرب برنا " !
( 1 ) وهود لكل عشائر شعبه " في ذلك الزمان يقول الرب اكون الها لكل عشائر اسرائيل ، وهم يكونون لي شعبا " ع 1 . بقولـه " فى ذلك الزمان " يشير إلى إر 30 : 24 " فى آخر الأيام " ، أى فى المستقبل المسيانى . يبدأ بذلك كنعمة إلهية وأساس للكمال والإصلاح خلال المحبة الإلهية وأمانته فى وعوده لشعبه . هذه الوعود اإلهية هى : أ – يقيمهم شعبه : يكمل إرميا النبى حديثه السابق عن مقاصد الله التى يعلنها موضحا أنه : يكون هو إلها لكل العشائر ، وهم يكونون له شعبا ، ينسب نفسه إليهم ، وينسبهم إليه . " هوذا مسكن الله مع الناس ، وهو سيسكن معهم ، وهم يكونون له شعبا ، والله نفسه يكون معهم إلها " رؤ 21 : 3 .
ب – يهبهم نعمته وراحته مقدما لهم خروجا جديدا : " هكذا قال الرب : قد وجد نعمة في البرية الشعب الباقي عن السيف اسرائيل حين سرت لاريحه " ع 2 . الوعد المقدم هو أن يجد الشعب " نعمة " ع 2 ، هذه التى سبق فنالها آباؤهم حين اخرجهم الرب فى البرية وحررهم من عبودية فرعون وقد جاء التعبير " وجد نعمة " خمس مرات فى قصة الخروج ( خر 33 : 12 – 17 ) . جاء عمل المسيا المخلص كخروج حقيقى فيه يقدم المخلص نفسه فصحا للبشرية كى تتحرر من عبودية إبليس وتنطلق تحت قيادة روحه القدوس فى برية هذا العالم حتى تجد راحة فى حضن الآب . جـ - قصة حب أبوى أبدى ! " تراءى لي الرب من بعيد. ومحبة ابدية احببتك ، من اجل ذلك ادمت لك الرحمة " ع 3 . تطلع النبى إلى عمل الله الخلاصى فرأى الرب يعمل " من بعيد " ع 3 ، أى منذ القدم .. قصة الحب الإلهى قصة قديمة متجددة على الدوام ، ربما قال " من بعيد " لأن الإنسان ظن أنه منسى فى أرض السبى بعيدا جدا عن أرض الموعد ! تبقى مراحم الله مستمرة عبر الزمن لأن محبته أو خلاصه أبدى !
د- يجعلهم بناء إلهيا " سابنيك بعد فتبنين يا عذراء اسرائيل " ع 4 . إن كان الشعب قد صار كإمرأة زانية استحق التأديب بالسبى البابلى ، إلا أن الله فى أمانته يقيمه عذراء مقدسة ( ع 4 ) ، يبنيها بنفسه كهيكل مقدس له . هـ - يجعلها عروسا متهللة ( ع 4 ) " تتزينين بعد بدفوفك وتخرجين في رقص اللاعبين " ع 4 زينتها الفرح المستمر ، تخرج دوما لتجد النفوس المحيطة ترقص وتتهلل بالرب العامل فيها وفيهم ! بعد أن علقت قيثاراتها على الصفصاف فى بابل كى لا ترنم تسبحة جديدة فى أرض غريبة ( مز 137 : 4 ) ها هى تمسك بالدفوف بين أصابعها لتسبح الرب بأعمال الحب ، وتتزين بالفرح الروحى ، وتعيش فى تهليل لا ينقطع . ز – غرس الكروم " تغرسين بعد كروما في جبال السامرة. يغرس الغارسون ويبتكرون " ع 5 . الأرض التى سبق فخربها العدو عندما هاجمها وسباها ، محولا الحقول إلى مراعى غنم ومسكنا للوحوش ، الآن تعود لتغرس كروما . لقد عبدوا البعل إله الخصوبة فحل بهم القحط ، وصارت أراضيهم خرابا ، الآن يردهم الرب ويهب أرضهم خصوبة . ح – شركة عبادة مفرحة " لانه يكون يوم ينادي فيه النواطير في جبال افرايم : قوموا فنصعد الى صهيون الى الرب الهنا " ع 6 . لم يعد المراقبون يضربون بالبوق ليعلنوا عن مجىء العدو الذى يسبى ، وإنما ليعلنوا عن قدوم الشعب من كل موضع ليصعدوا إلى صهيون يتمتعون بالرب إلهنا ( ع 6 ) .
( 2 ) عودة إسرائيل إلى أرضه إن كان إرميا قد تنبأ عن خراب الهيكل خلال السبى فهو ليس ضد الهيكل ولا مقاوم للعبادة الجماعية ... إنه يترقب عبادة روحية متهللة تضم الشعب القادم من أقاصى المسكونة بروح الفرح والوحدة . " لانه هكذا قال الرب : رنموا ليعقوب فرحا واهتفوا براس الشعوب. سمعوا سبحوا وقولوا خلص يا رب شعبك بقية اسرائيل " ع 7 . يقدم لنا عودة من السبى مملوءة بروح النصرة ، عبر عنها يعقوب بهتافات الفرح والتسبيح ( ع 7 ) ، حاسبا نفسه " رأس الشعوب " أو أولها ، وهو تعبير يحمل روح الفخر ( عا 6 : 1 ) . " هانذا آتي بهم من ارض الشمال واجمعهم من اطراف الارض. بينهم الاعمى والاعرج الحبلى والماخض معا. جمع عظيم يرجع الى هنا " ع 8 . هذا الخروج العظيم من السبى يصحبه بناء من وسط الأنقاض والتدمير الكامل فتخرج مدينة فائقة البهاء ، هذا الخلاص أو الخروج العظيم لا يعتمد على ذراع بشرى . يأتى الله بالأعمى فيكون له عينا ، يريه الطريق ويدخل به إلى المجد ! يأتى بالأعرج كمن يحمله على الأذرع الإلهية ليمارس العمل الفائق بقوة . يأتى بالحبلى والماخض العاجزتين عن الحركة لمتار قليلة ليسرع بهما لا إلى أميال بل إلى الخروج من محبة العالم إلى السماء عينها ! " بالبكاء يأتون وبالتضرعات اقودهم ، اسيّرهم الى انهار ماء في طريق مستقيمة لا يعثرون فيها. لاني صرت لاسرائيل ابا وافرايم هو بكري " ع 9 . يدعو الله نفسه " أب إسرائيل " ليؤكد أن ما سمح به من تأديب خلال السبى إنما هو تأديب أبوى ، زأن الله يتطلع إلى شعبه بكره " الأبن البكر " . لقد دعى أفرايم ( إسرائيل ) البكر ليس لكى يقدمه على يهوذا ، وإنما ليؤكد اعتزازه به كإبن بكر ... كلاهما " إسرائيل ويهوذا " ابن واحد بكر .
يدعو الله الأمم والجزائر البعيدة ( ع 10 ) أن تشهد الحدث العجيب ( إش 42 : 10 ؛ 49 : 1 ) . " اسمعوا كلمة الرب ايها الامم واخبروا في الجزائر البعيدة وقولوا : مبدد اسرائيل يجمعه ويحرسه كراع قطيعه. لان الرب فدى يعقوب وفكه من يد الذي هو اقوى منه. فياتون ويرنمون في مرتفع صهيون ويجرون الى جود الرب على الحنطة وعلى الخمر وعلى الزيت وعلى ابناء الغنم والبقر. وتكون نفسهم كجنة ريا ولا يعودون يذوبون بعد " ع 10 – 12 . يأتون إلى صهيون " بوجوه مشرقة " وتصير نفوسهم كجنة ريا ، أى مروية حسنا ( ع 12 ) . " حينئذ تفرح العذراء بالرقص والشبان والشيوخ معا واحول نوحهم الى طرب واعزيهم وافرحهم من حزنهم. واروي نفس الكهنة من الدسم ويشبع شعبي من جودي يقول الرب " ع 13 ، 14 . + يؤكد لنا ربنا أن أحزاننا يحولها إلى فرح بثمار التوبة . يروى نفوس الكهنة من الدسم ، دسم الذبائح التى يقدمها الشعب لله حيث كان نصيبهم هو الفخذ اليمين ( لا 7 : 32 – 36 ) . وكأن العبادة تعود بقوة ويصير للكهنة أنصبة كثيرة . كما يشير الدسم إلى حالة الرخاء التى سيعبش فيها الشعب ( مز 36 : 8 ؛ 63 : 5 ، إش 55 : 2 ) .
( 3 ) نهاية حزن راحيل " هكذا قال الرب.صوت سمع في الرامة نوح بكاء مرّ. راحيل تبكي على اولادها وتأبى ان تتعزى عن اولادها لانهم ليسوا بموجودين. هكذا قال الرب: امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع ، لانه يوجد جزاء لعملك يقول الرب. فيرجعون من ارض العدو. ويوجد رجاء لآخرتك يقول الرب، فيرجع الابناء الى تخمهم " ع 15 – 17 . " رامة " تعنى حرفيا " مرتفع " وتقع فى نصيب سبط بنيامين ( يش 18 : 25 ؛ قض 4 : 5 ) على الحدود ما بين مملكتى الشمال والجنوب . قريبا منها يوجد قبر راحيل ( 1 صم 10 : 2 – 3 ) كما يوجد تقليد بأن القبر كان بالقرب من بيت لحم ( تك 35 : 19 ) . ويتضح من سفر إرميا أنها كانت المكان الذى نقل إليه المسبيين وجمعوا فيه قبل أن يؤخذوا إلى السبى إلى بابل إذ نقرأ " الكلمة التى صارت إلى أرميا من قبل الرب بعدما ارسله نبوزردان رئيس الشرط من الرامة إذ أخذه وهو مقيد بالسلاسل فى وسط كل سبى أورشليم ويهوذا الذين سبوا إلى بابل " ( إر 40 : 1 ، 2 ) . تختار النبوة راحيل بالذات لأنها فى البداية توسلت وطلبت أولادا إذ نقرأ " فلما رأت راحيل أنها لم تلد ليعقوب غارت راحيل من أختها وقالت : ليعقوب هب لى بنين وإلا فأنا أموت " ( تك 30 : 1 ) . ماتت راحيل فى نهاية أيامها فى حزن ودفنت فى طريق أفراتة التى هى بيت لحم ( تك 35 : 17 – 19 ) . ها هى راحيل التى طلبت أولادا فى البداية وماتت فى الحزن ، تظهر فى النهاية مصورة وكأنها قد قامت من الأموات وهى تبكى وصوتها يسمع فى الرامة لأنها ترى أولادها يحملون إلى بابل . تصور إرميا أن روح راحيل زوجة يعقوب ووالدة يوسف وبنيامين تبكى على أولادها ( أسباط افرايم ومنسى وبنيامين ) الذين احتلوا يقعة ضخمة من المملكة ، إذ ترى ترحليهم من أرض الموعد إلى السبى . يقتبس الروح القدس هذه الأقوال ويطبقها على حادثة قتل أطفال بيت لحم . إن ما يحدث ليس عن عجز قوة الله عن منعها ، ولا عن عدم معرفة الله لها ، وإنما سبق فأخبر عنه علانية بواسطة نبيه . لهذا يليق بنا ألا نضطرب ولا نيأس متطلعين إلى عناية الله التى لا ينطق بها ، التى يمكن للإنسان أن يراها فى أعمال الله كما فيما يسمح به من الآلام . قدم الله لراحيل تعزية ، مؤكدا عودة أبنائها ، وتقديم جزاء لها عن عملها ( ع 17 ) لحساب أطفالها الذين يردهم من السبى . " سمعا سمعت افرايم ينتحب. ادبتني فتأدبت كعجل غير مروض. توبني فأتوب لانك انت الرب الهي. لاني بعد رجوعي ندمت وبعد تعلمي صفقت على فخذي. خزيت وخجلت لاني قد حملت عار صباي. هل افرايم ابن عزيز لديّ او ولد مسرّ. لاني كلما تكلمت به اذكره بعد ذكرا. من اجل ذلك حنّت احشائي اليه. رحمة ارحمه يقول الرب " ع 18 – 20 . جاءت هذه العبارة اعترافا وتوبة من جانب أفرايم الذى يعلن عن حاجته إلى عمل الله نفسه واهب التوبة . من أقوال الآباء : + بينما يكون الإنسان فى انكسار قلب وانسحاق روح ، مع استمرار الجهاد والبكاء إذا بالنعمة الإلهية تلاشى تذكر الخطايا السابقة وتنزع وخزات الضمير عنها ، وهنا يكون واضحا أنه قد نال غاية الرضى ومكافأة العفو ، وانتزعت منه وصمات الخطايا التى أرتكبها . + لنتقى ذواتنا بالدموع ، فيسمع الرب إلهنا حينما ننوح كما سمع لأفرايم حين بكى ع 18
جاء ع 20 إجابة لصرخة التوبة تؤكد شوق الله نحو توبته ، إذ أحشاء الله تحن عليه . يدعوه " الإبن العزيز لديه " ، " الولد المسر " يذكره الرب على الدوام . " انصبي لنفسك صوى.اجعلي لنفسك انصابا. اجعلي قلبك نحو السكة الطريق التي ذهبت فيها. ارجعي يا عذراء اسرائيل ارجعي الى مدنك هذه ، حتى متى تطوفين ايتها البنت المرتدة. لان الرب قد خلق شيئا حديثا في الارض. انثى تحيط برجل " ع 21 – 22 . بعد أن تحدث عن أفرايم كإبن محبوب جدا ، عاد ليتحدث عن إسرائيل كعذراء يدعوها لتقيم لها بيتا ، وأن تضع علامات فى الطريق حتى لا تضل عنه . وكأنها تعود من ذات الطريق الذى فيه تركت وطنها ! ستجد فى عودتها ترحيبا فى بيتها ومدنها ... ستكون فى أمان كإنسان فى حضن أمه ( ع 22 ) . يرى القديس جيروم أن الشىء الجديد الذى يثير الأنتباه هو الأنثى التى تحيط برجل ، أى العذراء التى تحتضن كلمة الله المتجسد ... هذا هو الرجوع عن السبى ! هذا هو التمتع ببركة الرب ، فتصير النفس مسكنا للبر وجبلا مقدسا ! ( 4 ) إصلاح إسرائيل ويهوذا يعد الله شعبه بالرجوع من السبى ، ليمتلك أرض الموعد ، وينزع عن راحيل حزنها على بنيها المسبيين ، ويحولها من بنت مرتدة عنيدة إلى أنثى مملوءة قوة وحبا تحيط برجل جبار ، تحمل روح القوة والنصرة عوض الأنهيار والفشل . الآن يقدم لنا صورة حية عن إصلاح إسرائيل ويهوذا حيث يرجع الكل من بابل شعبا مقدسا للرب ، فيقول : " هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل. سيقولون بعد هذه الكلمة في ارض يهوذا وفي مدنها عندما ارد سبيهم. يباركك الرب يا مسكن البر يا ايها الجبل المقدس " ع 23 . هنا يدعو يهوذا " مسكن البر أو البار " ( راجع زك 8 : 3 ) ، ويعنى به مسكن الله البار ، وأيضا " الجبل المقدس أو جبل القدوس " . فيسكن الله وسط شعبه الذى يصير مسكنا له وجبلا خاصا به ( ع 23 ) . كأن سر فرح الشعب ليس تحرره من بابل بل بالحرى تمتعه ببركة سكنى الله البار والقدوس وسطه ، فيجعل منه هيكلا مقدسا وجبلا حيا .
يدعو شعبه " مسكن البار " و " جبل الله القدوس " ، باللقب الأول يعلن بركة الشعب إذ يسكن فيه البار ، محولا شعبه إلى جماعة مقدسة لا تعرف إلا العبادة الحية ، وباللقب الثانى الرسوخ كالجبل لا تهزه رياح العالم المقاومة !
" فيسكن فيه يهوذا وكل مدنه معا الفلاحون والذين يسرحون القطعان ،
لاني ارويت النفس المعيية وملأت كل نفس ذائبة " ع 24 ، 25 .
يعود الشعب إلى أرض الموعد ليمارسوا حياتهم اليومية من فلاحة الأرض ورعاية الغنم ( ع 24 ) ، لتجد النفس التى صارت فى حالة عياء راحة ، والذائبة بسبب ما حل بها من فقدان شبعا وارتواء ( 25 ) .
الله يشبع التائبين ويرويهم ، هذا منظر يملأ قلب إرميا النبى بالفرح والسعادة وسط الكارثة والظلام .
" على ذلك استيقظت ونظرت ولذّ لي نومي " ع 26
يكون الرب كمن كان نائما واستيقظ ، إذ رد شعبه إلى راحته ، ولذ له نومه لأنه لا تتكرر بعد هذه المأساة ( ع 26 ) . ويرى القديس أمبروسيوس فى تعبير " لذ لى نومى " ع 26 إشارة إلى الموت الإرادى الذى قبله السيد المسيح بسرور لأجل خلاصنا .
" ها ايام تأتي يقول الرب وازرع بيت اسرائيل وبيت يهوذا بزرع انسان وزرع حيوان " ع 27
يقوم الرب نفسه بزرعهم ، بزرع إنسان وزرع حيوان ، إذ يقدس النفس ( الإنسان ) والجسد ( الحيوان ) معا ، وينمى الإنسان بكليته ليمارس الحياة الجديدة بعد العتق من سبى الخطية .
" ويكون كما سهرت عليهم للاقتلاع والهدم والقرض والاهلاك والاذى كذلك اسهر عليهم للبناء والغرس يقول الرب " ع 28 .
هذا هو الذى سمح بالتأديب الآن يقوم بنفسه ببنائهم وغرسهم ، ساهرا عليهم ليجدد حياتهم يقيمهم شعبا جديدا بعهد جديد !
" في تلك الايام لا يقولون بعد الآباء اكلوا حصرما واسنان الابناء ضرست.
بل كل واحد يموت بذنبه كل انسان ياكل الحصرم تضرس اسنانه " ع 29 – 30 .
يقتبس المثل الوارد فى حز 18 : 2 ، فقد كان الشعور السائد بأن ما يحل بهم إنما هو ثمرة خطايا قديمة أرتكبتها اجيال سابقة ، بهذا أحسوا أن الله عاملهم بقسوة لظروف لم يكن لهم فيها يد ، ولم يرتكبوا ذنبا . وأن فى ذلك ظلما وليس عدالة ، يرفض إرميا النبى هذه الفكرة مبينا أن الله إنما يعاقب الإنسان على خطاياه ، لا على خطايا الغير .
( 5 ) العهد الجديد " حمى غضب موسى وطرح اللوحين من يديه وكسرهما فى أسفل الجبل " خر 32 : 19 . وكأن موسى قد أعلن عن كسر العهد ، وعجز الإنسان عن الحفاظ عليه ، هذا ما دفع الأنبياء فى العهد القديم إلى التطلع إلى عهد جديد بسمات جديدة قادر على تغيير قلب الإنسان والدخول إلى الحياة الداخلية لكى لا يكسر الإنسان العهد .
" ها ايام تأتي يقول الرب واقطع مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا.
ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم امسكتهم بيدهم لاخرجهم من ارض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب.
بل هذا هو العهد الذي اقطعه مع بيت اسرائيل بعد تلك الايام ،
يقول الرب : اجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم واكون لهم الها وهم يكونون لي شعبا.
ولا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد اخاه قائلين اعرفوا الرب ،
لانهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم يقول الرب.
لاني اصفح عن اثمهم ولا اذكر خطيتهم بعد " ع 31 – 34
لقد وعد بعهد جديد ، وكما يقول الحكيم بولس : " فإذ قال جديدا عتق الأول ، وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الأضمحلال " عب 8 : 13 .
فإذ شاخ القديم كان بالضرورة أن يحتل الجديد موضعه ، وقد تحقق هذا لا بواسطة أحد الأنبياء القديسين بل بالحرى بواسطة رب الأنبياء .
يرى البعض أن الله أقام مع الإنسان عهودا ، كملت بالعهد الذى أقامه السيد المسيح بدمه على الصليب .
1 – العهد مع آدم ، خلاله ينعم الإنسان بجنة عدن وكل خيراتها ، لكن آدم نقض العهد وطرد من الجنة ..
2 – العهد مع نوح الخاص بالأرض الجديدة بعد الطوفان ، ( تك 9 : 1 ) .. هنا نلاحظ أن الله هو الذى بادر بإقامة العهد ، وأن العهد قام على أساس الدم ، أى تقديم المحرقات .
3 – العهد مع إبراهيم : عهد الختان ( تك 17 : 11 ) .
4 – العهد الموسوى : ارتبط هذا العهد بالذبائح والعمل الكهنوتى وشرائع التطهير والوصايا الإلهية ( تث 28 ) .
هنا ( إر 31 : 31 ) أول إشارة إلى " العهد الجديد " فى العهد القديم وتعتبر صلب سفر إرميا كله ، تمثل أعمق نظرة فى العهد القديم كله .
( 6 ) رباط لا ينحل
" هكذا قال الرب الجاعل الشمس للاضاءة نهارا وفرائض القمر والنجوم للاضاءة ليلا الزاجر البحر حين تعجّ امواجه رب الجنود اسمه.
ان كانت هذه الفرائض تزول من امامي يقول الرب ،
فان نسل اسرائيل ايضا يكف من ان يكون امة امامي كل الايام.
هكذا قال الرب ان كانت السموات تقاس من فوق وتفحص اساسات الارض من اسفل فاني انا ايضا ارفض كل نسل اسرائيل من اجل كل ما عملوا يقول الرب " ع 35 – 37 .
كما أقام الله ناموسا طبيعيا للشمس والقمر والكواكب للإضاءة نهارا وليلا ، ووضع للبحر حدا ، هكذا يقيم الله فى عهده الجديد مع شعبه ناموسا روحيا أبديا .
يقيمهم شعبا دائما له ، يشرقون بنوره نهارا وليلا ، لا تستطيع أمواج بحر العالم أن تكتسحهم ! الله الذى خلق العالم المنظور لأجل الإنسان فأبدعه كيف لا يهتم بإقامة ناموس جديد مبدع لبنيان الإنسان نفسه ومجده ؟!
( 7 ) أورشليم الجديدة
" ها ايام تأتي يقول الرب وتبنى المدينة للرب من برج حننئيل الى باب الزاوية .
ويخرج بعد خيط القياس مقابله على اكمة جارب ويستدير الى جوعة.
ويكون كل وادي الجثث والرماد وكل الحقول الى وادي قدرون الى زاوية باب الخيل شرقا قدسا للرب.
لا تقلع ولا تهدم الى الابد " ع 38 – 40 .
إن كان الله قد سمح بسبى شعبه ، وخراب مدينته المقدسة بسبب الشر ، فإنه خلال العهد الجديد يقيم أورشليم الجديدة ، تبنى له ، وقد وضع لها حدودها .
من برج حنيئيل إلى باب الزاوية : هذا البرج فى شمال شرقى المدينة ، بينما يبدو أن باب الزاوية فى شمال غربى المدينة ، وقد بنى الملك عزيا فى القرن السابق أبراجا فيها كما فى مواضع أخرى .
+ + +
إرميا – الإصحاح الثانى والثلاثون
شراء أرض أثناء السبى
يبدأ الجزء الثانى من " سفر التعزية " بهذا الإصحاح الذى له أهميته الخاصة ، حيث يؤكد إرميا النبى إيمانه ورجاءه فى الوعد الإلهى بالعودة من السبى . وقد وقعت هذه الحادثة فى الوقت الذى كانت فيه جيوش بابل قد انسحبت مؤقتا من حصار أورشليم عند اقتراب الجيش المصرى فى صيف 588 ق . م . ، ثم عادت لتحاصرها ، أى كان هذا قبل حوالى عام من السبى الأخير لليهود إلى بابل ( 2 مل 25 : 1 ، 2 ) .
بينما كان البابليون يدقون أبواب أورشليم لنهبها بعد عدة شهور ، اشترى إرميا قطعة أرض ، وهو يعلم أنه لن يستطيع أن يستقر فيها ، لكنه أراد تأكيد أنه فى المستقبل تعود الحياة الطبيعية فى يهوذا .
( 1 ) شراء الأرض يقدم لنا تاريخ نبوة إرميا النبى هنا ، قائلا :
" الكلمة التي صارت الى ارميا من قبل الرب في السنة العاشرة لصدقيا ملك يهوذا.هي السنة الثامنة عشر لنبوخذراصر.
وكان حينئذ جيش ملك بابل يحاصر اورشليم وكان ارميا النبي محبوسا في دار السجن الذي في بيت ملك يهوذا " ع 1 – 2
حدث هذا فى السنة العاشرة لصدقيا ملك يهوذا .
" لان صدقيا ملك يهوذا حبسه قائلا :
لماذا تنبأت قائلا هكذا قال الرب.
هانذا ادفع هذه المدينة ليد ملك بابل فياخذها.
وصدقيا ملك يهوذا لا يفلت من يد الكلدانيين بل انما يدفع ليد ملك بابل ويكلمه فما لفم وعيناه تريان عينيه.
ويسير بصدقيا الى بابل ،
فيكون هناك حتى افتقده يقول الرب.
ان حاربتم الكلدانيين لا تنجحون " ع 3 – 5
الأعداد 3 – 5 عبارات اعتراضية وضعت لتفسير السبب فى احتجاز إرميا ، ومنعه من الهروب ، إذ كان الهدف الرئيسى هو محاولة القضاء على رسالته النبوية .
لا نعرف المدة التى قضاها إرميا فى السجن .
تقدم لنا العبارات السابقة سبع نبوات نطق بها النبى فى أورشليم ، أعلن النبى هذه النبوات فى مواضع كثيرة ، وقد تحققت حرفيا كما جاء فى 2 مل 25 ، 2 أى 36 :
أ – يدفع الله مدينة أورشليم ليد ملك بابل فيأخذها .
ب – لا يفلت صدقيا ملك يهوذا من يد الكلدانيين .
جـ ـ بالتأكيد يدفع صدقيا ملك يهوذا ليد ملك بابل .
د – سيتكلم صدقيا ملك يهوذا مع ملك بابل فما لفم ، وعيناه تريان عينيه .
هـ ـ يسير بصدقيا إلى بابل .
تنبأ حزقيال النبى عن صدقيا أنه لا يرى بابل ( حز 12 : 13 ) . حمل الملك إلى بابل ليلا ، لكنه لم يرها كما يقول إرميا النبى ، إذ فقأوا عينيه فى ربلة ( 2 مل 25 : 4 – 7 )
و – يكون صدقيا فى بابل فيكون هناك حتى يفتقده الرب ، أى إلى يوم موته .
ز – إن حاربوا الكلدانيين لا ينجحون .
عندما كان إرميا ذاهبا إلى عناثوث من أورشليم ليتولى عملية شراء ملكية العائرة ظنوه يتعامل مع العدو ، لذا تم القبض عليه ( 37 : 11 – 14 ) ، ووضع فى حبس محكم ، ولكن أعطى بعد ذلك قليلا من الحرية ( 37 : 21 ) .
كانت دار السجن عبارة عن سياج داخل القصر الملكى ( نحميا 3 : 25 ) .
نقرأ تفاصيل هذا الوصف المختصر هنا فى الإصحاحين 37 ، 38 ... هنا نرى عدم ترتيب فصول السفر ترتيبا تاريخيا .
" فقال ارميا : كلمة الرب صارت اليّ قائلة :
هوذا حنمئيل بن شلوم عمك يأتي اليك قائلا :
اشتر لنفسك حقلي الذي في عناثوث لان لك حق الفكاك للشراء.
فجاء اليّ حنمئيل ابن عمي حسب كلمة الرب الى دار السجن ،
وقال لي اشتر حقلي الذي في عناثوث الذي في ارض بنيامين لان لك حق الارث ولك الفكاك.اشتره لنفسك.فعرفت انها كلمة الرب.
فاشتريت من حنمئيل ابن عمي الحقل الذي في عناثوث ووزنت له الفضة سبعة عشر شاقلا من الفضة.
وكتبته في صك وختمت واشهدت شهودا ووزنت الفضة بموازين.
واخذت صك الشراء المختوم حسب الوصية والفريضة والمفتوح .
وسلّمت صك الشراء لباروخ بن نيريا بن محسيا امام حنمئيل ابن عمي وامام الشهود الذين امضوا صك الشراء امام كل اليهود الجالسين في دار السجن.
واوصيت باروخ امامهم قائلا :
هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل :
خذ هذين الصكين صك الشراء هذا المختوم والصك المفتوح هذا واجعلهما في اناء من خزف لكي يبقيا اياما كثيرة.
لانه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل سيشترون بعد بيوتا وحقولا وكروما في هذه الارض " ع 6 – 15 .
الحديث الذى يذكر حق القريب فى التملك بالشفعة هنا يبين أن العادات القديمة التى تتحكم فى ملكية الأرض كانت لا تزال سارية المفعول . ففى لاويين ( 25 : 25 ) يمكن للقريب أن يفك البيع لكى لا تخرج الملكية من العائلة .
لم تكن زيارة حنمئيل لإرميا ( ابن عمه ) مفاجئة له ، فقد سبق فأعلن الله له عنها ، وقد أرشده الرب إلى ما يصنعه . هكذا عندما انسحب الكل من إرميا تدخل الله ليرشده فى كل أمور حياته حتى التى تبدو زمنية .
دفع إرميا فى الحقل 17 شاقلا من الفضة ، حوالى سبع أوقيات من الفضة ، ويمكننا أن نستنتج من هذا بأن إرميا لم يكن فقيرا .
يوضح الكتاب المقدس أن الله ضابط الكل ويحول كل الأمور لبنيان شعبه وأولاده . ما تم فى موضوع الشراء هذا يحمل الآتى :
أ – تأكيد طاعة إرميا النبى لله الذى أعلن له عن الأمر مسبقا .
ب – تزكية إيمان إرميا الذى يعلن بهذا الحدث أن السبى قادم حتما ، لذا حفظ نسختى العقد فى إناء خزفى . لأنه حفظ النسختين وليس نسخة واحدة فى إناء خزفى لإدراك النبى أن تنفيذ شراء الحقل يتطلب عشرات السنين حتى ينتهى السبى . بهذا أعلن تأكيده أن السبى قادم حتما ، وأن العودة أيضا قادمة حتما !
جـ ـ تزكية إيمانه بأنه سيعود المسبيين يوما ما وتعود الحياة اليومية من بيع وشراء وفلاحة حقل الخ ... .
التفسير الرمزى لشراء الحقل :
أ – الحقل موضوع الشراء هى الكنيسة التى اقتناها السيد المسيح لنفسه ميراثا أبديا ، هى له يمتلكها فى كمال بهائها ومجدها بعد أنقضاء الدهر ، كما بعد السبى ، كما هو ميراثنا الذى نقتنيه بكوننا أولاد الله ، ورثة الله ، ووارثون مع المسيح ( رؤ 8 ) .
مع أنه اشترى الحقل ودفع ثمنه إلا أنه لم يضع اليد عليه ، فما زال الميراث تحت عبودية الفساد . لقد حصل فداء هذا الميراث بالدم وهو الثمن المدفوع ، أما الفداء بمعنى تحقيق الملكية ووضع اليد بالقوة فما زال مؤجلا ونحن ننتظر ونتوقع فداء المقتنى المدفوع ثمنه .
الدرج المكتوب هو سند ملكية هذا العالم ولا جدال فى هذا ، ويبقى مختوما إلى أن يقوم الوارث الشرعى ليطالب بالملكية ، ومن الواجب قبل امتلاك العالم فعلا أن ينقى ميراثه أولا خلال فتح الختوم .
ب – قدم إرميا الثمن وهو بعد فى السجن ، .. هكذا دفع مسيحنا ثمن خلاصنا ، دمه الثمين ، بعد أن نزل إلى عالمنا كواحد منا ، وهو الملك صار تحت الحكم . أحصى مع الأثمة ، وانهالت الأتهامات ضده ، أما هو فما كان يشغله إلا اقتناء كنيسته التى هى حقله المحبوب لديه .
جـ ـ كتابة العقد من نسختين إحداهما مختومة والأخرى مفتوحة إنما يشير إلى أن الخلاص قد تحقق فعلا إذ سجل مسيحنا بدمه عهده الجديد على الصليب ، مكتوبا بحبه العملى الباذل . صار صليب مسيحنا عقدا أو عهدا جديدا مفتوحا للمؤمنين الذين يدركون أنه قوة الله للخلاص ( 1 كو 3 : 18 ) ، أما لغير المؤمنين فهو مختوم ، إذ يراه اليهود عثرة واليونانيون جهالة ( 1 كو 3 : 23 ) .
بالنسبة لنا أيضا نرى فى الصليب عهدا واحدا من نسختين : النسخة المختومة هو ما نناله الآن من عربون للسماويات ، فننعم بخبرة الميراث الأبدى ونحن بعد فى هذا العالم ، أما النسخة المفتوحة فهو تمتعنا بالسماويات عينها حين نرى الرب وجها لوجه ونحيا فى الأحضان الأبوية أبديا .
د – وضع النسختين فى إناء خزفى يشير إلى أن العهد الجديد الذى به ينال المؤمنون الميراث الأبدى يودع فى أناس ( لهم الجسد كإناء خزفى ) يشهدون للعمل الخلاصى الإلهى خلال حياتهم الزمنية ، هذا ما دفع الرسول بولس أن يحث تلميذه تيموثاوس أن يحفظ الوديعة ( 1 تى 6 : 20 ، 2 تى 1 : 14 ) وأن يودعها فى أناس أمناء .
هـ ـ تم العقد أمام باروخ وكل اليهود الذين كانوا فى قاعة السجن تأكيدا أن عمل الخلاص أو العهد الجديد بالصليب يتحقق علانية حيث يرتفع السيد المسيح على جبل الجلجثة أمام اليهود وبعض رجال الدولة والأمن .
لأول مرة يذكر باروخ ( ع 12 ) ، الكاتب الذى يملى النبى كلامه عليه ثم يكتبه ، وكان رجلا تقيا ، صديقا لإرميا ومعاونا له وأمين سره ، كان مسئولا عن إعداد وثائقه ، ولعله كان كاتبا رسميا وخطاطا ( 36 : 26 ) .
( 2 ) رد فعل الشراء " ثم صليت الى الرب بعد تسليم صك الشراء لباروخ بن نيريا قائلا :
آه ايها السيد الرب ،
ها انك قد صنعت السموات والارض بقوتك العظيمة وبذراعك الممدودة.
لا يعسر عليك شيء.
صانع الاحسان لالوف ومجازي ذنب الآباء في حضن بنيهم بعدهم ،
الاله العظيم الجبار رب الجنود اسمه .
عظيم في المشورة وقادر في العمل ،
الذي عيناك مفتوحتان على كل طرق بني آدم ،
لتعطي كل واحد حسب طرقه وحسب ثمر اعماله.
الذي جعلت آيات وعجائب في ارض مصر الى هذا اليوم وفي اسرائيل وفي الناس وجعلت لنفسك اسما كهذا اليوم .
واخرجت شعبك اسرائيل من ارض مصر بآيات وعجائب وبيد شديدة وذراع ممدودة ومخافة عظيمة .
واعطيتهم هذه الارض التي حلفت لآبائهم ان تعطيهم اياها ارضا تفيض لبنا وعسلا. فأتوا وامتلكوها ولم يسمعوا لصوتك ولا ساروا في شريعتك ،
كل ما اوصيتهم ان يعملوه لم يعملوه فاوقعت بهم كل هذا الشر.
ها المتارس.
قد أتوا الى المدينة ليأخذوها ،
وقد دفعت المدينة ليد الكلدانيين الذين يحاربونها بسبب السيف والجوع والوبإ ،
وما تكلمت به فقد حدث وها انت ناظر.
وقد قلت انت لي ايها السيد الرب اشتر لنفسك الحقل بفضة واشهد شهودا وقد دفعت المدينة ليد الكلدانيين " ع 16 – 25 .
يلاحظ فى صلاة إرميا أو تسبحته الآتى :
أولا : لم ينشغل إرميا بشراء الحقل ، فقد أدرك أنه لن يعيش على الأرض حتى يتسلم الحقل ... لكن ما كان يشغله هو الله نفسه خالق السماء والأرض ، الذى يبسط يديه بالحب لمؤمنيه وهو قدير على خلاصهم .
ثانيا : صلى بحزن إلى الله الذى هدأ من روعه ليطمئن على المستقبل . كان الحصار ضد أورشليم يشهد بأن انذارات الله السابقة قد أضحت حقيقة مائلة الآن ، لذلك كان يصعب على أرميا أن يعتقد أن الله الغير متغير وكلى القدرة يمكن أن يأمره بشراء الأرض بينما كانت نهاية الحياة الطبيعية فى يهوذا قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى . ومع ذلك فقد أمر النبى أن يتصرف كما لو كان للأرض مستقبل مجيد ورائع ، وكان إيمانه وطاعته فى ظل هذه الظروف نموذجا للسلوك يحتذى به كل من المؤمنين الحقيقيين ( عب 11 : 6 ) .
ثالثا : يقول : " الإله العظيم الجبار رب الجنود اسمه "
اهتم موسى النبى أن يسأل الله عن اسمه ( خر 3 ) ، فأعلن الله له أن اسمه " يهــوه " هنا أيضا يعلن الرب عن اسمه أنه " رب الجنود " ، فالله فوق الأسماء كما يقول القديس أكليمندس الأسكندرى ، لكنه يعلن اسمه حسب احتياجنا .
رابعا : يحدثنا فى ع 23 عن ثلاثة أسباب لدمارهم :
أ – لم يطيعوا الصوت الإلهى .
ب – لم يسلكوا فى ناموسه الإلهى .
جـ ـ لم يتمموا شيئا من وصاياه الإلهية !
( 3 ) إجابة الله عليه " ثم صارت كلمة الرب الى ارميا قائلة :
هانذا الرب اله كل ذي جسد.هل يعسر عليّ أمر ما ؟!
لذلك هكذا قال الرب :
هانذا ادفع هذه المدينة ليد الكلدانيين وليد نبوخذراصر ملك بابل فياخذها.
فيأتي الكلدانيون الذين يحاربون هذه المدينة فيشعلون هذه المدينة بالنار ويحرقونها والبيوت التي بخروا على سطوحها للبعل وسكبوا سكائب لآلهة اخرى ليغيظوني.
لان بني اسرائيل وبني يهوذا انما صنعوا الشر في عينيّ منذ صباهم.
لان بني اسرائيل انما اغاظوني بعمل ايديهم يقول الرب.
لان هذه المدينة قد صارت لي لغضبي ولغيظي من اليوم الذي فيه بنوها الى هذا اليوم لأنزعها من امام وجهي .
من اجل كل شر بني اسرائيل وبني يهوذا الذي عملوه ليغيظوني به هم وملوكهم رؤساؤهم وكهنتهم وانبياؤهم ورجال يهوذا وسكان اورشليم.
وقد حولوا لي القفا لا الوجه ،
وقد علّمتهم مبكرا ومعلّما ولكنهم لم يسمعوا ليقبلوا ادبا.
بل وضعوا مكرهاتهم في البيت الذي دعي باسمي لينجسوه.
وبنوا المرتفعات للبعل التي في وادي ابن هنوم ليجيزوا بنيهم وبناتهم في النار لمولك الأمر الذي لم اوصهم به ،
ولا صعد على قلبي ليعملوا هذا الرجس ليجعلوا يهوذا يخطئ " ع 26 – 35 .
أولا : يحدثنا عن خطايا إسرائيل السبع :
أ – يمارسون الشر منذ صباهم ( ع 30 ) ..
ب – يثيرون غضب الله بعمل أيديهم ( الأصنام ) ، أى مصممون على الشر بإقامتهم آلهة وثنية .
جـ ـ يعطون الله القفا لا الوجه ( ع 33 ) ، أى لا يحملون حبا لله بل كراهية .
د – لا يصغون لتعاليم الله ، متجاهلين الوصية الإلهية .
هـ ـ يقيمون رجاسات فى بيت الله ويدنسونه ( ع 34 ) ، فيخلطون عبادة الله بالأوثان والحياة التعبدية بالرجاسات . إذ قدمت أورشليم محرقات للأوثان سمح لها أن تحترق على أيدى الكلدانيين .
و – يبنون مرتفعات للبعل ( ع 35 ) .
ز – يجيزون أبناءهم وبناتهم فى النار للإله مولك فى وادى ابن هوم ، يضحون من أجلها حتى بإبنائهم فيلقون بهم فى النار كذبائح بشرية ، متجاهلين أبسط المشاعر الإنسانية أو حتى الحيوانية !
نجد هنا تركيزا على شرورهم المستمرة طوال تاريخهم .
ثانيا : نفذ إرميا النبى الأمر الإلهى الخاص بشراء الحقل فى ظروف غير طبيعية ، بالرغم من تأكده من تسليم أورشليم فى أيدى الكلدانيين .
إذ سبح إرميا الله القدير مؤكدا أنه ليس شىء غير مستطاع لديه ، أجاب الله أنه إله كل جسد ( ع 27 ) . إله كل البشرية ، يعمل فى الكل بخطته الفائقة . يستخدم الله نفس كلمات إرميا ( 17 ) ليؤكد له أنه لا شىء يعسر على الخالق .
( 4 ) الوعد برد السبى بعد أن كشف الله عن خطاياهم التى بسببها سقطوا تحت التأديب ، أراد أن يوضح لهم أن التأديب ليس إلا مرحلة مؤقتة ، خلالها يدخل بشعبه إلى التوبة كما إلى مدرسة إلهية ، يكشف لهم عن خطاياهم ويحاججهم لأجل رجوعهم إليه ونموهم .
من الجانب الإيجابى يكشف لهم عن حبه العجيب لهم واهتمامه بهم وتقديم عهد جديد فائق :
أولا : يتحدث بروح الصراحة والأبوة أنه هو الذى دفع بهم إلى السبى كما إلى السيف والجوع والوبأ ، إذ صاروا موضع غضبه بسبب خطاياهم وعصيانهم . ها هو الآن يردهم بالحب ويدخل بهم إلى الموضع الذى طردهم منه ليعيشوا فى أمان سالمين ( ع 36 ، 37 ) .
" والآن لذلك هكذا قال الرب اله اسرائيل عن هذه المدينة التي تقولون انها قد دفعت ليد ملك بابل بالسيف والجوع والوبإ.
هانذا اجمعهم من كل الاراضي التي طردتهم اليها بغضبي وغيظي وبسخط عظيم واردهم الى هذا الموضع واسكنهم آمنين " ع 36 ، 37 .
ثانيا : جوهر العهد هو اتحاد الله بشعبه :
" ويكونون لي شعبا وانا اكون لهم الها " ع 38
ثالثا : " واعطيهم قلبا واحدا وطريقا واحدا ليخافوني كل الايام لخيرهم وخير اولادهم بعدهم " ع 39 .
ما هو هذا القلب الواحد إلا روح الوحدة ، وما هو الطريق الواحد الذى يدخل بنا إلى مخافة الرب لخيرنا وخير أولادنا إلا السيد المسيح القائل : " أنا هو الطريق " .
رابعا : " واقطع لهم عهدا ابديا اني لا ارجع عنهم لاحسن اليهم واجعل مخافتي في قلوبهم فلا يحيدون عني " ع 40 .
يبقى العهد أبديا حتى فى السماء .
خامسا : " وافرح بهم " ع 41
هذه هى قمة علاقة الحب ، فإنه ليس فقط يحبنا بل يفرح بنا ، كأب يشتهى أن يرى أبناءه ويلتقى بهم ويسكب مجده فيهم مقدما لهم ميراثا إلهيا .
سادسا : " لاحسن اليهم ،
واغرسهم في هذه الارض بالامانة بكل قلبي وبكل نفسي " ع 41
علامة العهد أن تمتد يد الله نفسه لتغرسنا فى الأرض الجديدة ، اليد الأمينة التى تعمل بغير حدود ، بل بكل قلب الله التى لا يأتمن آخر غيره على غرسنا !
سابعا : أخيرا يؤكد لهم استقرار حياتهم بعد السبى فى ظل العناية الإلهية كعربون للحياة الكنسية الغنية فى ثمارها ، والمملوءة سلاما روحيا .
" لانه هكذا قال الرب :
كما جلبت على هذا الشعب كل هذا الشر العظيم هكذا اجلب انا عليهم كل الخير الذي تكلمت به اليهم.
فتشترى الحقول في هذه الارض التي تقولون انها خربة بلا انسان وبلا حيوان وقد دفعت ليد الكلدانيين.
يشترون الحقول بفضة ويكتبون ذلك في صكوك ويختمون ويشهدون شهودا في ارض بنيامين وحوالي اورشليم وفي مدن يهوذا ومدن الجبل ومدن السهل ومدن الجنوب لاني ارد سبيهم يقول الرب " ع 41 – 44
+ +إرميا – الإصحاح الثالث والثلاثون
أورشليم ... أنشودة فرح !
إذ كان إرميا النبى فى السجن تحدث الله معه بشأن شعبه للمرة الثانية . لقد سبق فقدم لهم تحذيرات مستمرة ، وها هو يقدم تأكيدات لمواعيده الإلهية الصادقة . فإنه لا يكف عن تكرار تقديم النصائح والتحذيرات وأيضا المواعيد لأجل تشجيعهم على التوبة وبث روح الرجاء والفرح خاصة أثناء الضيق .
استطاع الأشرار أن يأسروا جسد إرميا لكنهم لم يستطيعوا أن يعيقوه عن إعلان الرسالة الإلهية ، وكما يقول الأسير بولس : " الذى فيه أحتمل المشقات حتى القيود كمذنب ، لكن كلمة الله لا تقيد " 2 تى 2 : 9 .
بينما كان إرميا النبى فى السجن لم يكن منشغلا بحاله ومتاعبه ووحدته ، إنما بشعبه الذى يسقط تحت السبى بسبب الخطية ، والدمار الذى يلحق به . لهذا فتح الله عن عينيه ليرى ما فى قلب الله من جهة شعبه . فإن الله يريد مباركته كما يخطط لأجل تحقيق ذلك ، فيجعله أشبه بمدينة سماوية ، أورشليم العليا ، مدينة مسورة لن يقدر أن يقتحمها عدو ، مملوءة صحة ، لا تعانى بعد من مرض ، طاهرة ونقية ، لا تفسدها أو تنجسها خطية ، متهللة كعرس دائم لا ينقطع .
يجعل شعبه أشبه بمرعى سماوى يشبع ويروى كل إحتياجات المؤمنين ،
وبقصر ملوكى ، يقيم فيه المسيا الملك داود ،
وبهيكل مقدس يخدم فيه رئيس الكهنة الأعظم ربنا يسوع ،
هذا هو اشتياق الله من جهة شعبه الذى يقيم معه عهدا أبديا .
فى الجزء الثانى من هذا الإصحاح يعد الله أنه يقيم :
مملكة أبدية ،
عرشا أبديا ،
نسلا لداود أبديا ،
وأيضا كهنة ولاويين ومحرقات وتقدمات أبدية ...
هذه جميعها لا يمكن أن تتحقق بطريقة حرفية ، لكنها وعود تحققت بمجىء السيد المسيح الذى أقام مملكته السماوية فينا ، والتى تعلن بأكثر كمال فى لقائنا معه فى يوم الرب العظيم ، حيث نحسب كهنة لاويين ، مقدمين تسابيح الحمد كمحرقات وتقدمات لا تنقطع .
إن كان الله يرد لمدينته حريتها ، يردها من السبى البابلى ، فإنه يجعل من اسمها أنشودة فرح ، تحمل شهادة حية لعمل الله الخلاصى المفرح ، يرى فيها أمورا عجيبة وفائقة . لقد جاءت هذه الرسالة المفرحة فى وقت كانت الحالة تزداد سوءا .
( 1 ) السماء قابلة الصلوات
" ثم صارت كلمة الرب الى ارميا ثانية وهو محبوس بعد في دار السجن قائلة.
هكذا قال الرب صانعها الرب مصورها ليثبتها يهوه اسمه.
ادعني فاجيبك واخبرك بعظائم وعوائص لم تعرفها " ع 1 – 3 .
اعلن الله عن أهمية الصلاة لا لتحقيق إرادتنا البشرية بغباوة ، بل للتعرف على خطة الله وأسراره .
مع أن الله قادر أن يتحدث معهم عن أسراره من نحوهم ، لكنه يريدهم أن يتحدثوا معه ويحاوروه ، فيدركوا أنه أب سماوى يهب أسراره لأولاده الملتصقين به .
لعل أهم ما قدمته الكلمة الإلهية لإرميا السجين هو شعور إرميا أنه فى الحضرة الإلهية ، مما حول السجن إلى لحظات لقاء مع الله وتعرف على أسراره الإلهية المفرحة .
تطالبهم الكلمة بالصلاة حتى يتمتعوا بالعظائم والعوائص ؛ ( أى الأمور البعيدة المنال ) ، أى يدركوا أعمال الله العظيمة .
( 2 ) أورشليم الحصينة " لانه هكذا قال الرب اله اسرائيل عن بيوت هذه المدينة وعن بيوت ملوك يهوذا التي هدمت للمتاريس والمجانيق ،
يأتون ليحاربوا الكلدانيين ويملأوها من جيف الناس الذين ضربتهم بغضبي وغيظي والذين سترت وجهي عن هذه المدينة لاجل كل شرهم " ع 4 – 5
يصعب تفسير هاتين الآيتين ، يرى البعض أنهما تشيران إلى خراب المنازل ودمار القصور فى أورشليم بواسطة الكلدانيين . لذا امتلأت المدينة بجثث القتلى . لقد أدار الله وجهه عنهم ، مما أربك الشعب وجعلهم فى حيرة .
الله الذى سمح بالدمار هو يسهر على حراستهم ويردهم من السبى .
( 3 ) اورشليم المتمتعة بالشفاء والسلام
" هانذا اضع عليها رفادة وعلاجا ،
واشفيهم واعلن لهم كثرة السلام والامانة.
وارد سبي يهوذا وسبي اسرائيل وابنيهم كالاول " ع 6 – 7 .
جاءت كلمة " رفادة " فى العبرية لتعنى الرباط الكتانى الذى يوضع حول الجرح حتى يتم شفاؤه .
السقوط فى الخطية يدخل بالشعب كما بالإنسان إلى حالة مرضية خطيرة ، وكما جاء فى إشعياء : " كل الرأس مريض ، وكل القلب سقيم ، ..... " إش 1 : 5 ، 6 . صارت الحاجة إلى طبيب سماوى قريد .
العلاج الذى يقدمه هو كثرة السلام والحق . يقدم نفسه لنا سر سلامنا مع الأب ، والحق الأبدى . فهو الطبيب وهو العلاج .
( 4 ) أورشليم وغفران الخطايا " واطهرهم من كل اثمهم الذي اخطأوا به اليّ ،
واغفر كل ذنوبهم التي اخطأوا بها اليّ والتي عصوا بها عليّ " ع 8 .
يقوم العهد الجديد والتحرير على أساس غفران الخطايا ( خر 36 : 25 ) والتطهير والتقديس . هذا هو الوعد الإلهى المسيانى الذى تحقق فى العهد الجديد بمجىء السيد المسيح المخلص الموعود به . [ راجع : حز 36 : 25 ، 26 ، زك 13 : 1 ، 2 ] .
( 5 ) أورشليم ... أنشودة فرح ! أورشليم التى صارت عارا وخزيا تتحول إلى مصدر فرح وتسبيح لله أمام الأمم .
إن كان إرميا يدعى النبى الباكى ، إذ كانت أحشاؤه تئن على شعبه ، لكنه المبشر بالفرح الروحى الغير منقطع ( 7 : 34 ، 16 : 9 ، 25 : 10 ) .
" فتكون لي اسم فرح ،
شهادة مفرحة لعمل الله وسط الأمم للتسبيح وللزينة لدى كل امم الارض الذين يسمعون بكل الخير الذي اصنعه معهم .
فيخافون ويرتعدون من اجل كل الخير ومن اجل كل السلام الذي اصنعه لها.
هكذا قال الرب :
سيسمع بعد في هذا الموضع ،
الذي تقولون انه خرب بلا انسان وبلا حيوان ،
في مدن يهوذا وفي شوارع اورشليم الخربة ،
بلا انسان ولا ساكن ولا بهيمة .
صوت الطرب وصوت الفرح صوت العريس وصوت العروس صوت القائلين :
احمدوا رب الجنود لان الرب صالح لان الى الابد رحمته.
صوت الذين ياتون بذبيحة الشكر الى بيت الرب ،
لاني ارد سبي الارض كالاول يقول الرب " ع 9 – 11 .
حدث هذا عندما تحقق التحرر من السبى فى أيام زربابل حيث سبح الكهنة واللاويون الرب فى الهيكل : " وغنوا بالتسبيح والحمد للرب لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته على إسرائيل ؛ وكل الشعب هتفوا هتافا عظيما بالتسبيح للرب لأجل تأسيس بيت الرب " عز 3 : 11 .
( 6 ) أورشليم مرعى الراعى الصالح إذ يتحدث عن أورشليم كأنشودة فرح ، فإنه لا يعزلها عن حقولها المحيطة بها ومراعى الغنم الخاصة بسكانها ، لذلك يصور الله كراع يهتم بقطيعه العاقل ، لا يفلت أحد قط من رعايته .
" هكذا قال رب الجنود :
سيكون بعد في هذا الموضع الخرب بلا انسان ولا بهيمة وفي كل مدنه مسكن الرعاة المربضين الغنم.
في مدن الجبل ومدن السهل ومدن الجنوب وفي ارض بنيامين وحوالي اورشليم وفي مدن يهوذا ،
تمر ايضا الغنم تحت يدي المحصي يقول الرب " ع 12 – 13 .
تلمس يد الله الراعى الأعظم الحانية الخراف وترعاها ، وتهتم بها وهى تدخل الحظيرة لكى لا تنسى واحدة منها . تمر الغنم تحت يدى المحصى فلا تضيع واحدة منهم .
يقدم السيد المسيح نفسه " الراعى الصالح " الذى يبذل نفسه عن الخراف ( يو 10 ) ، والذى يرعاها بتقديم نفسه غذاء لقطيعه العاقل ، يتمتع به الصغار لبنا روحيا ينعشهم ، وينعم به الكبار طعاما يقوتهم .
( 7 ) أورشليم وكرسى داود " ها ايام تأتي يقول الرب ،
واقيم الكلمة الصالحة التي تكلمت بها الى بيت اسرائيل والى بيت يهوذا.
في تلك الايام وفي ذلك الزمان انبت لداود غصن البر ،
فيجري عدلا وبرا في الارض.
في تلك الايام يخلص يهوذا ،
وتسكن اورشليم آمنة ، وهذا ما تتسمى به الرب برنا.
لانه هكذا قال الرب :
لا ينقطع لداود انسان يجلس على كرسي بيت اسرائيل. " ع 14 – 17 .
فى السبى البابلى حرم الشعب من إقامة ملك لهم ، أو وجود كهنة يشفعون فيهم فى الهيكل ويقدمون ذبائح وتقدمات بإسمهم ، فجاءت الوعود المسيانية تؤكد تمتعهم بملك أبدى وكهنوت وتقدمات أبدية . تحقق الوعد بديمومة ( دوام ) ملك داود فى شخص ابن داود ( 2 صم 7 : 16 ؛ 1 مل 2 : 4 ؛ مز 89 : 4 ، 29 ، 36 ؛ لو 1 : 32 ، 33 ) .
يقدم لنا إرميا ومضات رائعة عن السيد المسيح الذى يحول قلوبنا إلى أورشليمه المتهللة ، فيقدمه بكونه ينبوع المياة الحية ( 2 : 13 ) ؛ والراعى الصالح ( 23 : 4 ؛ 31 : 10 ) ، والمخلص ( 50 : 34 ) ، وداود الملك ( 30 : 9 ) كما يقدمه " الرب برنا " ( 23 : 6 ) والغصن البار ( 23 : 5 ) .
يتحقق هذا كله بالسيد المسيح ملك الملوك ، إذ قيل : " ثم بوق الملاك السابع فحدثت أصوات عظيمة فى السماء قائلة : قد صارت ممالك العالم لربنا ولمسيحه ، فسيملك إلى أبد الآبدين " رؤ 11 : 15 ؛
ويقول السيد المسيح فى نهاية الرؤيا : " أنا أصل وذرية داود ، كوكب الصبح المنير " رؤ 22 : 16 .
( 8 ) أورشليم والعمل الكهنوتى " ولا ينقطع للكهنة اللاويين انسان من امامي ،
يصعد محرقة ،
ويحرق تقدمة ،
ويهيئ ذبيحة كل الايام " ع 18 .
كان ينظر إلى أرميا الكاهن والنبى أنه نبى متحرر لا يبالى بالهيكل إذ يتنبأ عن خرابه ، ينتقد خدمة الكهنة واللاويين وتقديم الذبائح ، هنا يعلن النبى عن أعماقه ، إنه ليس ضد الهيكل ولا الخدمة الجماعية ولا الذبائح والتقدمات ، إنما ضد الفساد والأنحراف . يتنبأ عن هيكل أبدى ، وخدمة كهنوتية أبدية ، وذبائح ونقدمات لا تنقطع .
يؤكد هنا عودة العبادة فى الهيكل الذى خربه العدو . أما عن ديمومة الكهنوت فقد تحققت بمجىء السيد المسيح الكاهن الأعظم ، وواهبا لكل المؤمنين كهنوتا عاما خلال مياة المعمودية ليقدموا ذبائح الشكر ومحرقات الحب ( رو 12 : 1 ؛ 15 : 16 ؛ 1 بط 2 : 5 ، 9 ؛ رؤ 1 : 6 ) كهنوت لا ينتهى .
( 9 ) الأمانة فى العهد فى عدم إيمان اتهموا الله بنقض عهده مع إسرائيل ويهوذا ، وذلك بسبب سقوطهم تحت السبى . ها هو يؤكد لهم خطأ تفكيرهم ، موضحا أنه لأمانته فى عهده معهم سلمهم للسبى المؤقت ، حتى يجتازون تحت عصا التأديب ويعبر بهم إليه . إنه لن يتخلى عنهم !
" ثم صارت كلمة الرب الى ارميا قائلة :
هكذا قال الرب.ان نقضتم عهدي مع النهار وعهدي مع الليل حتى لا يكون نهار ولا ليل في وقتهما ،
فان عهدي ايضا مع داود عبدي ينقض ،
فلا يكون له ابن مالكا على كرسيه ،
ومع اللاويين الكهنة خادمي.
كما ان جند السموات لا يعد ورمل البحر لا يحصى هكذا اكثر نسل داود عبدي واللاويين خادميّ .
ثم صارت كلمة الرب الى ارميا قائلة :
اما ترى ما تكلم به هذا الشعب قائلا ان العشيرتين اللتين اختارهما الرب قد رفضهما.
فقد احتقروا شعبي حتى لا يكونوا بعد امة امامهم.
هكذا قال الرب :
ان كنت لم اجعل عهدي مع النهار والليل فرائض السموات والارض،
فاني ايضا ارفض نسل يعقوب وداود عبدي فلا آخذ من نسله حكاما لنسل ابراهيم واسحق ويعقوب لاني ارد سبيهم وارحمهم " ع 19 – 26 .
إذ يسقط الإنسان تحت التأديب يظن أن الله قد نسيه أو قد نقض عهده معه . هذه هى إحساسات الشعب بعد السبى إذ اتهموا الله بنقض عهده معهم ورفضه لمن سبق أن اختارهم . لم يدركوا أنهم يجتازون تحت عصا التأديب ، وأن هذا يتحقق خلال حبه ورعايته وليس تخليه عنهم بالكلية .
فرح شامل
إذ يتحدث | |
|