Admin Admin
عدد المساهمات : 183 تاريخ الميلاد : 30/06/1997 تاريخ التسجيل : 21/12/2009 العمر : 27
| موضوع: إرميا – الإصحاح السادس الخميس فبراير 04, 2010 6:06 pm | |
| إرميا – الإصحاح السادس
اقتراب التأديب
يختم الله حديثه على لسان نبيه وهو يحدثهم فى الأذن عن اقتراب موعد التأديب النارى . إذ أشاع المخادعون نبوات كاذبة ، قائلين : " سلام سلام " ع 14 . يحذرهم الله من الإستسلام لهذه الكلمات المخادعة ، مؤكدا كذبهم واقتراب موعد التأديب . إنه يقدم وصفا نبويا عن خراب أورشليم الذى تم بعد ذلك فى أيام إرميا نفسه . إنه يعلن أن العدو على الأبواب ، ويحذرهم مرة تلو الأخرى ، مؤكدا أنه لا طريق للهروب إلا التوبة فيتحدث عن :
( 1 ) العدو على الأبواب وقف إرميا النبى يضرب بوق كلمة الله ، وجرس الخطر معلنا أن العدو على الأبواب ، قائلا : " اهربوا يا بنى بنيامين من وسط أورشليم ،
واضربوا بالبوق فى تقوع ،
وعلى بيت هكاريم ارفعوا علم نار ،
لأن الشر أشرف من الشمال وكسر عظيم " ع 1 .
أ – إن كان الشعب الجاهل قد أصيب بعدم الفهم ، وظنوا أنهم عظماء وأغنياء وأصحاء ومملوئين جمالا ( 5 : 27 ، 28 ) ، هوذا الآن يفقدون سلامهم وحريتهم .
فى الإصحاح الرابع يطلب منهم أن يهربوا من القرى إلى أورشليم ليحتموا فيها ، لكن إذ اقترب الخطر جدا لم تعد أسوار أورشليم قادرة على حمايتهم ، لهذا يسألهم أن يهربوا من أورشليم ليختفوا فى كهوف الجبال .
ربما وجه الحديث إلى بنى بنيامين لأنهم كانوا أقل فسادا من الباقين ، وقد وفدوا إلى أورشليم من القرى مؤخرا ، فلم يوغلوا فى الفساد كما أوغل أهل المدينة الأصليون .
ب – إنهم يسقطون تحت تأديب نارى ، إذ يقول " ارفعوا علم نار " ، علم " كلمة الله " النارى التى تحرق الأشواك بينما تنقى الذهب والفضة من الشوائب .
جـ - يتحقق هذا التأديب النارى بخطة إلهية محكمة وليس محض صدفة كما يظن البعض ، إذ يقول : " قدسوا عليها حربا " ع 4 . وكأن هجوم البابليين على أورشليم هى " حرب مقدسة " فى عينى الرب ، لا لينتصر شعبه على أعدائهم ، بل ليسقطوا تحت التأديب لعلهم يتقدسون ، بعد أن كانوا متمسكين بالشر .
د – بقوله : " إليها تأتى الرعاة وقطعانهم ينصبون عندها خياما حواليها يرعون كل واحد فى مكانه " ع 3 .
يقصد أن أورشليم العظيمة تتحول إلى مرعى غنم ، حيث تأتى البلاد المحيطة بها والشامتة بغنمها ، فتجدها خرابا بلا بيوت ، ينصبون فيها خيامهم كما فى برية قفر ، ويرعون كل واحد غنمه فى طمأنينة وشماتة ! .
هـ - تأديب علنى ومستمر ، يتحقق فى وسط النهار ويستمر حتى الليل :
" قوموا فنصعد فى الظهيرة ،
ويل لنا لأن النهار مال ،
لأن ظلال المساء امتدت ،
قوموا فنصعد فى الليل ونهدم قصورها " ع 5 .
لقد هجم العدو بالظهيرة ، لم يحتملوا أن يهدأوا بالليل بل قاموا بهدم القصور والحصون ليصيروا فى مأمن من العودة إلى حرب جديدة فى النهار القادم .
يقول : " ويل لنا لأن النهار مال " ، إن ما حل بنا من تأديبات إنما هو لرفضنا شمس البر فمال بنا النهار لنعيش تحت ظلال الخطية وظلمتها .
( 2 ) شر أورشليم هو السبب
وراء كل هذا شر أورشليم التى إن أصرت عليه يجفوها الله ويجعل أرضها خربة غير مسكونة ( ع 8 ) ، كقول السيد المسيح : " ستأتى أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك فيك ، ولا يتركون فيك حجرا على حجر لأنك لم تعرفى زمان افتقادك " لو 19 : 41 .
يبدو كأن الله يشارك الأعداء فى استعدادهم للهجوم على أورشليم ، إذ قيل :
" لأنه هكذا قال رب الجنود .
أقطعوا أشجارا ،
أقيموا حول أورشليم مترسة هى المدينة المعاقبة .
كلها ظلم فى وسطها " ع 6 .
يصف الله شر أورشليم ، قائلا :
" كما تنبع العين مياهها هكذا تنبع هى شرها .
ظلم وخطف يسمع فيها .
أمامى دائما مرض وضرب " ع 7 .
شرها كالعين الذى يفجر الماء بلا توقف ، هكذا لا تعرف أورشليم لشرها نهاية ... إنها مصدر شر مستمر . تقدم العين ماء متجددا بغير توقف ، ويصدر عن أورشليم شرورا جديدة واختراعات فى الفساد .
" تأدبى يا أورشليم لئلا تجفوك نفسى ،
لئلا أجعلك أرضا غير مسكونة " ع 8 .
يعلق العلامة أوريجينوس قائلا :
[ عندما يريد أن يكون رحيما يقول إنه غير راض وفى غضب ...
إن فهمت هذه الكلمات ، فإنها صوت الله الرؤوف عندما يغضب ، والغيور عندما يجلب آلاما وضربات ، فإنه " يجلد كل إبن يقبله " عب 12 : 6 ] .
( 3 ) أذنهم غلفاء " هكذا قال رب الجنود :
تعليلا يعللون كجفنة بقية إسرائيل .
رد يدك كقاطف إلى السلال " ع 9 .
إن كان شعبه يشبه كرمة ، فإن العدو إذ قطف عنبها عاد إليها مرة ومرات لكى يعللها تعليلا ، أى يفتش فيها لعله يجد ما قد تبقى ، حتى يتركها عقيمة تماما ! لا يترك فيها بقية ما !
لقد اتسخت آذان الكل بالخطية فصارت غلفاء ، ليس من يقدر أن يسمع صوت الرب أو يستجيب لوصيته .
" ها إن أذنهم غلفاء فلا يقدرون أن يصغوا .
ها إن كلمة الرب صارت لهم عارا .
لا يسرون بها " ع 10 .
يوبخ العلامة أوريجينوس اليهودى الحرفى الذى يرفض التفسير الرمزى للكتاب المقدس قائلا :
[ خطأ عظيم موجه إليكم .
يقدم إليكم اتهامكم : أنتم غلف فى آذانكم ،
ولماذا عندما تسمعون هذا لا تستخدمون الموسى لأذانكم وتقطعونها ؟ ...
أقطعوا آذانكم ، اقطعوا الأعضاء التى خلقها الله لأستخدام الحواس ولزينة الإنسانية ، فإنكم بهذا تفهمون الكتاب المقدس ] .
" وتتحول بيوتهم إلى آخرين ،
الحقول والنساء معا ،
لأنى أمد يدى على سكان الأرض يقول الرب " ع 12 .
ما هو هذا البيت الذى يبنيه ولا يسكن فيه إلا الأستقرار الذى يطلبه للنفس لكنها لا تجد راحة مادامت خارج مسيحها ؟!
وماهى المرأة التى يخطبها فيأخذها آخر إلا الحرمان من المعينة أو الشعور بالوحدة والعزلة ، ليس من يقدر أن يسنده ويشاركه آلامه ومشاعره ؟!
أما كيف نهرب من هذه المرارة ؟ يقول الرب :
" لأنى أمد يدى على سكان الأرض " ع 12 .
لنصر سكان السماء فلا تمتد يد الرب علينا بل إلينا ولحسابنا
إن كان الله يقدم الشفاء من الجراحات بأدوية التوبة ، فإن الأنبياء الكذبة يتظاهرون كأطباء يعالجون الجراحات بالكلمات الكاذبة الناعمة ، قائلين : " سلام سلام " ع 14 . مع أن الواقع : " لا سلام " ع 14 .
يخطئون تشخيص المرض ليخدعوا المرضى ، فعوض الشفاء يصير الجرح خطيرا ، يؤدى إلى الموت والهلاك الأبدى .
( 4 ) تركهم طريق الآباء " هكذا قال الرب :
قفوا على الطرق وانظروا وأسألوا عن السبل القديمة ،
أين هو الطريق الصالح ،
وسيروا فيه ،
فتجدوا راحة لنفوسكم " ع 16 .
يؤكد ضرورة العودة إلى طريق الآباء ، مقارنين حياتنا بحياتهم لئلا نكون قد انحرفنا عن الطريق الملوكى ، وكما جاء فى سفر النشيد إذ تسأل النفس مسيحها :
" إخبرنى يا من تحبه نفسى أين ترعى ؟ أين تربض عند الظهيرة ؟ " نش 1 : 8 .
فيجيبها : " أخرجى على آثار الغنم وأرعى جداءك عند مساكن الرعاة " .
يقول لهم الرب :
أ – قفوا على الطريق ... أى كرسوا وقتا للتأمل ومراجعة النفس لئلا تكونوا قد انحرفتم عن الطريق الملوكى .
ب - أنظروا ... أى تمتعوا بالبصيرة الداخلية أو استنارة الروح .
ج – أسألوا ... أى لا تعتمدوا على فكركم الذاتى ، بل أطلبوا مشورة الآباء لتدركوا " الطريق الصالح " الذى سارت فيه الكنيسة الأولى ، طريق السيد المسيح الذى يدخل بالكنيسة إلى حضن أبيه .
د - سيروا فيه ... لا تكفى مراجعة النفس ولا استنارة القلب ولا طلب المشورة الروحية ، إنما يلزم أن يتحول ذلك كله إلى حركة حب ، سير مستمر بلا توقف تحت قيادة الروح القدس .
يقول السيد المسيح : " أنا هو الطريق " يو 14 : 6 .
إنه ذاك الذى كتب عنه القديس يوحنا أنه " يحمل خطايا العالم " يو 1 : 29 .
إنه هو أيضا الذى يطهر نفوسنا كما أخبرنا إرميا : " قفوا على الطرق وانظروا وأسألوا ... عن الطريق الصالح ( البار ) وسيروا فتجدوا تطهيرا لنفوسكم " .
( 5 ) تقدماتهم بلا طاعة إذ لم يصغوا إلى صوته الإلهى ، ولا قبلوا خبرة آبائهم فى معاملات الله معهم استدعى الله الشعوب الوثنية وكل أمم الأرض لتشهد عليهم :
" لذلك أسمعوا يا أيها الشعوب ،
وأعرفى أيتها الجماعة ما هو بينهم .
اسمعى أيتها الأرض :
هأ نذا جالب شرا على هذا الشعب ثمر أفكارهم ،
لأنهم لم يصغوا لكلامى وشريعتى رفضوها " ع 18 ، 19 .
هكذا يستدعى الله الأمم الوثنية لتشهد كيف استحق شعبه المتمرد التأديب النارى كثمر طبيعى لأفكارهم وعصيانهم وكسرهم العهد معه . ربما استدعاء الأمم هنا يشير إلى أن شعبه قد اندفع إلى الشر حتى تبرر الوثنيون متى قورنوا بهم !
" لم يصغوا لكلامى وشريعتى رفضوها .
لماذا يأتى لى اللبان من شبا ؟
وقصب الذريرة من أرض بعيدة ؟!
محرقاتكم غير مقبولة ،
وذبائحكم لا تلذ لى " ع 19 ، 20 .
الله لا يريد اللبان وقصب الذريرة ولا المحرقات والذبائح ، إنما يطلب الطاعة النابعة عن الحب . يبذلون كل الجهد فيأتون باللبان من شبا وقصب الذريرة من أرض بعيدة بينما يتجاهلون نقاوة قلوبهم وقدسية حياتهم الداخلية .
إذ انشغل شعبه بالمظاهر الخارجية من تقديم لبان وقصب ذريرة وذبائح دون نقاوة القلب واستقامة السلوك ، أى لم تعبر الحياة التعبدية الظاهرة عن صدق ما بالداخل لهذا يقول الرب لهم : " هأنذا جاعل لهذا الشعب معثرات ، فيعثر بها الآباء والأبناء معا ، الجار وصاحبه يبيدان " ع 21 .
ما هى هذه العثرات التى يقدمها الله إلا من عمل أيديهم " وثمر أفكارهم " ع 19 ؟!
( 6 ) إصرارهم على الشر يكشف الله عن حبه الشديد لهم مع مرارة نفسه لأجلهم ، إذ يدعوهم " ابنتى – شعبى " قائلا :
" يا إبنة شعبى تنطقى بمسح وتمرغى فى الرماد ،
نوح وحيد أصنعى لنفسك مناحة مرة ،
لأن المخرب يأتى علينا بغتة " ع 26 .
ما أصعب على اإنسان أن يجد ابنته قد فقدت وحيدها ، هكذا يرى الله شعبه الإبنة المحبوبة لديه قد فقدت وحيدها فجأة الذى هو حياتها ، فصارت ثكلى تنوح بلا انقطاع .
حقا يحزن مسيحنا على المؤمن الذى بسبب الخطية يفقد خلاص نفسه ، وحيدته التى قال عنها السيد المسيح :
" ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟! مت 16 : 26 .
يختتم الإصحاح بتقييم لشخص النبى إرميا وأمانته فى تقديم الرسالة الإلهية ، مع إصرار الشعب على العصيان ، فصاروا رصاصا يفنى بالنار وفضة مرفوضة . لقد رفضوا كلمة الله الفضة الممحصة بالنار وقبلوا خداعات الأنبياء الكذبة ، الفضة المغشوشة ، فصاروا هم أنفسهم فضة مرفوضة .
فى قوله : " احترق المنفاخ من النار ، فنى الرصاص " ع 29 . يشبه إرميا بمن يمتحن المعادن بالنار ، والتأديب بالمنفاخ الذى يلهب النار ، والشعب بالرصاص . فقد بذل النبى كل الجهد مستخدما كلمات الله للتأديب بطريقة نارية ، فأشتدت النار جدا حتى أحترق المنفاخ ، لكن للأسف لم يكن الشعب ذهبا أو فضة حقيقية بل كان رصاصا يفنى !
+ + + إرميا – الإصحاح السابع
تقديس البيت الداخلى
إذ جاء الشعب مع القيادات الدينية إلى بيت الرب بأجسادهم دون قلوبهم ، يترنمون بتسابيح للرب بينما انحرفت حياتهم لحساب النجاسات الوثنية ، بدأ الرب يعلن لهم عن الحاجة إلى تقديس القلب الداخلى بكونه هيكل الرب ، الذى لأجله أقيم هيكل أورشليم . لذا كشف الرب عن شكلياتهم فى العبادة والتى تتلخص فى الآتى :
( 1 ) تسابيح بلا عمل " الكلمة التي صارت الى ارميا من قبل الرب قائلا :
قف في باب بيت الرب وناد هناك بهذه الكلمة وقل :
اسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الداخلين في هذه الابواب لتسجدوا للرب.
هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل ،
اصلحوا طرقكم واعمالكم فاسكنكم في هذا الموضع " ع 1 ، 2 .
كان القديس إرميا فى موقف لا يحسد عليه ، فقد جاءته الدعوة من قبل الرب أن يقف فى باب بيت الرب ليحدث الجماهير التى جاءت لتمارس طقوس العبادة دون روحها ، والتى لا تريد أن تسمع كلمة توبيخ أو نقد . كان من بين هذه الجماهير دون شك كهنة عناثوث الذين يحمل أغلبهم ذكريات الطفولة والصبوة مع إرميا ، وهم يدركون جرأته وإمكانية إثارة الشعب ضدهم لمخالفتهم الشريعة .
كانت الجماهير متهللة لحركة إصلاح الهيكل الذى لم تمتد إليه يد منذ أكثر من 250 عاما . فى وسط هذه البهجة الجماهيرية وقف إرميا ، يكاد يكون وحده ، يهاجم الإصلاح الخارجى غير المتكىء على تغيير القلب والسلوك الروحى الحى . كان إرميا فى نظرهم الرجل الناقد اللاذع ، الذى يحول البهجة إلى غم ، وعوض مدح القائمين بالعمل يهاجم الكل .
بدأ الإصلاح الداخلى بالدعوة إلى تحويل التسبيح من كلمات منطوق بها إلى حياة معاشة وسلوك ... حياة مفرحة متهللة فى الداخل مع استعذاب للوصية الإلهية .
يقول : " لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين :
هيكل الرب ،
هيكل الرب ،
هيكل الرب هو " ع 4 .
لعل هذه العبارة كانت قرارا يتغنى به كل القادمين إلى العيد ، حاسبين أن دخولهم الهيكل سند لهم دون حاجة إلى التوبة والسلوك الروحى المقدس .
إن لم يهتموا بإصلاح الهيكل الداخلى تتحول التسابيح والترانيم حتى فى بيت الرب إلى " كلام كذب " ، لأنهم ينطقون بغير ما يعيشون .
اعتمد الكهنة والأنبياء على قول سليمان " إنما قد بنيت لك بيت سكن مكانا لسكناك إلى الأبد " ( 1 مل 8 : 13 ) ونبوة إشعياء النبى أن صهيون لا تسقط أبدا ( إش 33 : 20 ) كانوا مقتنعين أن إرميا النبى مخدوع تماما ، وكانوا يحرضون الشعب ضده .
هنا يحذرهم النبى :
" لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين ،
هيكل الرب هيكل الرب هيكل الرب هو.
لانكم ان اصلحتم اصلاحا طرقكم واعمالكم ،
ان اجريتم عدلا بين الانسان وصاحبه ،
ان لم تظلموا الغريب واليتيم والارملة ،
ولم تسفكوا دما زكيا في هذا الموضع ،
ولم تسيروا وراء آلهة اخرى لاذائكم ،
فاني اسكنكم في هذا الموضع " ع 4 – 7
إن تمسكوا بوجود البيت دون الأهتمام بتقديس حياتهم يفقد البيت مفهومه ، بل ويتحول من بيت تسبيح إلى " مغارة لصوص " ع 11 ، وهو ذات التعبير الذى استخدمه السيد المسيح حين طرد باعة الحمام والصيارفة من الهيكل ( متى 21 : 13 ) .
( 2 ) عبادة بلا قداسة أوضح النبى أنه لكى ينعم الشعب ببركات بيت الرب يلزمهم أن يصلحوا الطريق الذى يسلكونه ، مجرين العدل بين الإنسان وصاحبه ( ع 5 ) ، وأن يقدموا عمل المحبة خاصة للغريب واليتيم والأرملة ( ع 7 ) ، وألا يسفكوا دم الأبرياء ( ع 6 ) ، وأخيرا ألا يعرجوا بين الفريقين ، قائلا :
" أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذبا وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة اخرى لم تعرفوها ثم تأتون وتقفون امامي في هذا البيت الذي دعي باسمي عليه وتقولون قد انقذنا ؟! ع 8 – 10 .
هيكل الرب هو القصر الملوكى ، مركز ملكوت الله الذى هو ملجأ للأرامل والأيتام والغرباء ، سخى بالنسبة لكل نفس محتاجة ومرزولة . فإن مارس الشعب العنف والقسوة يحسبون خارج الهيكل حتى إن دخلوه بأجسادهم وقدموا عطايا وتقدمات وذبائح !
( 3 ) عدم الأعتبار بشيلوه بعد أن أوضح لهم إفسادهم لبيت الرب ، مقدما الدلائل التالية :
أ – يسبحون الله بأفواههم 4
ب – حولوا بيته من جماعة مملوءة حبا ورحمة وقداسة إلى جماعة قاسية ظالمة 6
جـ - يظنون أنهم قادرون على خداع الله ، إذ حولوا بيته إلى مغارة لصوص ..
" هل صار هذا البيت الذي دعي باسمي عليه مغارة لصوص في اعينكم.هانذا ايضا قد رأيت يقول الرب " ع 11
عاد ليؤكد لهم أنه وإن كان طويل الأناة لكنه لابد أن يعاقب ، مقدما بذلك ما حدث مع " شيلوه " مثلا .
" لكن اذهبوا الى موضعي الذي في شيلو الذي أسكنت فيه اسمي اولا وانظروا ما صنعت به من اجل شر شعبي اسرائيل " ع 12 .
إنه ليس تهديدا مجردا ، فما حدث مع شيلوه مركز العبادة وموضع الفرح الذى تحول إلى خراب ، سيحدث أيضا مع الهيكل .
شيلوه تقع بحوالى 17 ميلا شمال أورشليم . اختارها الرب مقرا للتابوت وخيمة الإجتماع لمدة حوالى 300عاما ، وفيها قسم يشوع البلاد على الأسباط ( يش 18 : 8 – 10 ) ، وفى عهد القضاة كان الشعب يجتمع سنويا فى شيلوه للعيد .
قرر أولاد عالى الكاهن أخذ التابوت معهم من شيلوه كما هو واضح من ( 1 صم 21 : 1 ) . نقل التابوت إلى أورشليم بعدما أخذه الفلسطينيون فى الحرب ثم أعادوه إلى قرية بعاريم . وكانت شيلوه خربة فى أيام إرميا . ( راجع إرميا 26 : 6 ) .
( 4 ) طلب صلوات الغير بدون توبة كانت الشفاعة عن الشعب جزءا حيا من عمل الأنبياء والكهنة ، فصموئيل النبى يقول :
" وأما أنا فحاشا لى أن أخطىء إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم " 1 صم 12 : 23 .
وفى المصفاة إذ هاج الفلسطينيون عليهم قالوا لصموئيل : " لا تكف عن الصراخ من أجلنا إلى الرب إلهنا فيخلصنا من يد الفلسطينيين " 1 صم 7 : 8 .
وأيضا موسى كان يتشفع فى شعبه حتى قال الرب له : " أتركنى ليحمى غضبى عليهم وأفنيهم ، فأصيرك شعبا عظيما " خر 32 : 10 .
صلوات القديسين تسند النفس المجاهدة الراغبة فى التوبة ، أما إذا أصرت على عنادها فلا نفع لها ، إذ يقول الرب لإرميا النبى : " وأنت لا تصل لأجل هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة ولا تلح على لأنى لا أسمعك " إر 7 : 16 ، 11 : 14 .
الله الذى قال :
" أحامى عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسى ومن أجل داود عبدى " 2 مل 19 : 34 فى أيام حزقيا الملك البار ، لم ينطق بهذا فى أيام الشر المتكاثر حين أسلم المدينة لنبوخذ نصر .
تظهر شكلية العبادة فى الأعتماد على صلوات القديسين المنتقلين والمجاهدين دون رغبة فى التوبة والندامة :" وانت فلا تصل لاجل هذا الشعب ولا ترفع لاجلهم دعاء ولا صلاة ولا تلحّ عليّ لاني لا اسمعك " ع 16 ( إرميا 11 : 14 ) .
( 5 ) تقدمات وذبائح لله والأوثان يبدو أن إرميا النبى قد تأثر جدا عندما طالبه الله : " لا تصل لأجل هذا الشعب ..... " ع 16 . فتساءل : " لماذا يارب ؟ " وجاءت الإجابة صريحة وواضحة :
" أما ترى ماذا يعملون في مدن يهوذا وفي شوارع اورشليم ؟
الابناء يلتقطون حطبا ،
والآباء يوقدون النار .
والنساء يعجنّ العجين ليصنعن كعكا لملكة السموات ولسكب سكائب لآلهة اخرى لكي يغيظوني " ع 17 ، 18 .
هذه الصورة التى أوضحها الله على فم إرميا النبى لا تزال قائمة فى عائلات كثيرة حيث يدفع الآباء والأمهات أولادهم وبناتهم إلى البعد عن حياة الشركة مع الله فى المسيح يسوع ربنا ، بل أحيانا يلزموهم بالسلوك غيراللائق تحت حجة الخوف على أولادهم من الرغبة فى التكريس الكامل لخدمة الله وعبادته فى أية صورة من الصور .
هكذا تحولت العائلات ( الكنائس الصغيرة ) عن هدفها لا للخدمة لله بل لمقاومته .
لكنهم فى الواقع كانوا يقاومون أنفسهم ، إذ يقول :
" أفاياي يغيظون يقول الرب ؟
أليس انفسهم لاجل خزي وجوههم ؟
لذلك هكذا قال السيد الرب ؟
ها غضبي وغيظي ينسكبان على هذا الموضع على الناس وعلى البهائم وعلى شجر الحقل وعلى ثمر الارض فيتقدان ولا ينطفئان " ع 20 .
كانوا يقدمون الذبائح والتقدمات وفى نفس الوقت يتجاوزون كل وصايا الله ويجرون وراء آلهة غريبة ( ع 9 ) ، وكأن الذبيحة فريضة لإرضاء الله دون طلب الله نفسه . لقد فقدت الذبيحة والمحرقة كل معنى روحى فى حياتهم ، لهذا يوبخهم قائلا :
" ضموا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحما " ع 21 .
لقد فقدت محرقاتكم وذبائحكم طبيعتها كتقدمة للرب وصارت فى نظرى لحما لا آكله ، تأخذوه من قدامى وتأكلوه أنتم فلا حاجة لى به ، أو كما سبق فقال بإشعياء النبى :
" لماذا لى كثرة ذبائحكم ... أتخمت من محرقات كباش مسمنات ، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أسر " إش 1 : 11 .
عرف إرميا النبى والكاهن أن الله أمرهم بتقديم ذبيحة الفصح فى مصر قبيل خروجهم ، كما قدم شرائع خاصة بالذبائح فى الشريعة الموسوية ، بل وأدرك اليهود خلال التقليد الشفوى منذ آدم وما بعده : إبراهيم وإسحق ويعقوب عن ضرورة تقديم ذبائح دموية ، فلماذا يقول هنا :
" لاني لم اكلم آباءكم ولا اوصيتهم يوم اخرجتهم من ارض مصر من جهة محرقة وذبيحة " ؟ ع 22
أوضح ذلك بتكملة الحديث أنهم سلكوا بروح العصيان ولم يسمعوا لأنبيائه وكانوا غير مستعدين للأستماع ، فحسبت وصية تقديم المحرقات والذبائح بلا قيمة ، إذ يقول :
" فلم يسمعوا ولم يميلوا اذنهم بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم الشرير واعطوا القفا لا الوجه.
فمن اليوم الذي خرج فيه آباؤكم من ارض مصر الى هذا اليوم ارسلت اليكم كل عبيدي الانبياء مبكرا كل يوم ومرسلا ،
فلم يسمعوا لي ،
ولم يميلوا اذنهم بل صلّبوا رقابهم.
اساءوا اكثر من آبائهم.
فتكلمهم بكل هذه الكلمات ولا يسمعون لك وتدعوهم ولا يجيبونك.
فتقول لهم هذه هي الامة التي لم تسمع لصوت الرب الهها ولم تقبل تأديبا.باد الحق وقطع عن افواههم " ع 24 – 28 .
فى عناد قلبهم وغلف آذانهم أعطوا الله القفا لا الوجه . الإنسان الروحى يتشبه بالشاروبيم المملوء أعينا ، كله وجوه ، وليس فيه قفا ، بمعنى أنه لا يقدر أن يعطى القفا لله أو لأخيه ، أى لا يحمل كراهية خفية أو ظاهرة ضد خالقه ومخلصه ولا ضد إخوته .
( 6 ) مرثاة على رفض الله بيته " جزى شعرك واطرحيه ،
وارفعى على الهضاب مرثاة ،
لأن الرب قد رفض ورذل جيل رجزه " ع 29 .
يطلب النبى من يهوذا أن تجز شعرها ، كما تفعل النساء قديما فى حالة الحزن الشديد ، فإن كان شعر المرأة هو جمالها وإكليلها ، فإنها إذ تجزه تعلن عن مرارة نفسها ، حيث حرمت من جمالها .
عوض ممارستها للتسبيح للرب كنذيرة له ، ترفع مرثاة ، لأن الرب قد رفض ورذل جيل رجزه ( ع 29 ) ، لأنهم نجسوا بيته إذ :
" وضعوا مكرهاتهم في البيت الذي دعي باسمي لينجسوه " ع 30 .
جاءت كلمة " مكرهات " حوالى 28 مرة فى العهد القديم ، غالبا ما تشير إلى عبادة التماثيل ، أو كل ما يمس العبادات الوثنية من رجاسات مثل إرتكاب الزنا كنوع من العبادة .
ومن ناحية أخرى بنوا مرتفعات توفة فى وادى هنوم ( جهنم ) جنوب أورشليم . كانت النيران فيها لا تنقطع ، حيث يلقى الناس البقايا والعوادم . فى هذه المرتفعات كانت تقدم ذبائح بشرية ( 2 مل 23 : 10 ) :
" وبنو مرتفعات توفة التي في وادي ابن هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار الذي لم آمر به ولا صعد على قلبي
لذلك ها هي ايام تأتي يقول الرب ولا يسمى بعد توفة ولا وادي ابن هنوم بل وادي القتل ويدفنون في توفة حتى لا يكون موضع " ع 31 – 32 .
( 7 ) مرثاة على رفض الله شعبه
إن كان الإنسان يرتكب الخطية من أجل لذات الجسد والبهجة الزمنية ، فإن الله فى محبته يسمح له أن يحرم من هذه الأمور ليدرك أن الخطية مرة ومحطمة للنفس والجسد . وقد عبر عن ذلك بقوله :
" وتصير جثث هذا الشعب أكلا لطيور السماء ولوحوش الارض ولا مزعج.
وابطّل من مدن يهوذا ومن شوارع اورشليم صوت الطرب وصوت الفرح
صوت العريس وصوت العروس ،
لان الارض تصير خرابا " ع 33 ، 34 .
ما هى هذه الأرض الخربة إلا جسد الإنسان الذى تحرمه الخطية من التمتع بسكنى العريس السماوى فيه والأتحاد معه ، واقتناء ملكوته الداخلى المفرح ، والشركة مع القديسين والسمائيين ؟! .
+ + +
إرميا – الإصحاح الثامن
شكلية فى حفظ الشريعة
إذ شاهد إرميا النبى الجموع المحتشدة فى أورشليم قادمة لتمارس ليتورجيات التسبيح ولمساهمة فى تكاليف إصلاح الهيكل وتقديم الذبائح ، قادمة فى تشامخ وفرح من أجل الهيكل الذى أصلحوه حديثا ، يلتمسون صلوات الأنبياء والكهنة حزن للغاية ، لأن عبادتهم حملت الشكل دون الروح .
هنا يركز على موضوع " كتاب الشريعة " الذى وجد أثناء اصلاح الهيكل وقدم للملك . تهلل الكل بوجود السفر دون الأهتمام بالأستماع العملى لما ورد فيه . ظنوا أن مجرد حفظ كتاب الشريعة فى الهيكل فيه كل الحماية ، حتى وإن احتفظوا بعبادتهم الوثنية ومارسوا رجاساتها .
( 1 ) الخلط بين كلمة الله والعبادة الوثنية تلامس إرميا بروح النبوة مع كلمات السيد المسيح : " دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات " مت 19 : 14 . بينما كان يشاهد الشعب قادما بأطفاله إلى الهيكل ليعودوا بهم إلى " أبن هوم " يقدمون بعضهم للقتل أو الحرق باسم الوثن . لقد اختاروا لأنفسهم ولولادهم المرارة عوض الفرح الحقيقى ، والموت عوض الحياة .
انحرف الكل : الملوك والرؤساء والكهنة والأنبياء الكذبة والشعب وعبدوا الآلهة التى بلا حياة واهبة الموت عوض الله الحى واهب الحياة . وها هو يقدم لهم الله سؤل قلبهم ، إذ يقول :
" في ذلك الزمان يقول الرب
يخرجون عظام ملوك يهوذا وعظام رؤسائه وعظام الكهنة وعظام الانبياء وعظام سكان اورشليم من قبورهم
ويبسطونها للشمس وللقمر ولكل جنود السموات التي احبوها والتي عبدوها والتي ساروا وراءها والتي استشاروها والتي سجدوا لها.
لا تجمع ولا تدفن بل تكون دمنة ( روثا ) على وجه الارض.
ويختار الموت على الحياة
عند كل البقية الباقية من هذه العشيرة الشريرة الباقية في كل الاماكن التي طردتهم اليها يقول رب الجنود " ع 1 – 3 .
تهلل الكل بوجود سفر الشريعة التى يعتزون بها حرفيا بغير روح ، ومع هذا عبدوا الأوثان وساروا وراءها واستشاروها وسجدوا لها . شعروا أنها مشبعة ومفرحة ومرشدة لهم تستحق كل عبادة وسجود !
ما هو ثمر ذلك ؟ أ – الذين عبدوها وهم أحياء تخرج عظامهم بعد الموت لتبسط للشمس والقمر وجند السماء التى تعبدوا لها ، فيصيرون فى عار وخزى حتى بعد موتهم .
هم اختاروا الآلهة الميتة عوض الإله الحى ، لذا يحل بهم الموت ، ويحل بهم العار حتى بعد موتهم .
ب – صارت عظام الكل ملقاة " كدمنة على وجه الأرض " ، أى كالروث أو بقايا الحيوانات ، وهذا لا يحمل فقط معنى الإهانة ، وإنما تدنيس الأرض .
أما من تتقدس عظامه فتقيم أمواتا كما حدث مع أليشع ( 2 مل 13 : 21 ) ، ويتقدس ظله ليشفى المرضى كما حدث مع بطرس الرسول ( أع 5 : 15 ) وتتقدس حتى المناديل والخرق التى على جراحاته لتخرج الشياطين كما حدث مع بولس الرسول .
جـ - إخراج الموتى من القبور وبسطها أمام الكواكب إنما يعنى توبيخا من الله الذى تركوه وهم أحياء ، كأنه يسأل عظامهم إن كانت تقدر أن تتعبد لها ؟! أما مؤمنوه فستقوم عظامهم وتشارك أجسادهم نفوسهم العبادة السماوية الملائكية .
( 2 ) حفظ الشريعة بدون التوبة بعد أن تحدث عن خطورة الأهتمام بالكتاب المقدس ( الشريعة ) لحفظه فى الهيكل دون الألتصاق بالله وحده يؤكد أيضا خطورة قبوله فى غير توبة أو الرجوع إلى الله ، إذ يقول : " وتقول لهم هكذا قال الرب :
هل يسقطون ولا يقومون ؟
او يرتد احد ولا يرجع ؟
فلماذا ارتد هذا الشعب في اورشليم ارتدادا دائما ؟!
تمسكوا بالمكر ابوا ان يرجعوا " ع 4 ، 5 .
يؤكد إرميا النبى الألتزام بالتوبة كعمل رئيسى فى تمتعنا بالشريعة ، فإننا وإن سقطنا يترقب الله قيامنا ، وإن عاد قبلنا إليه نجده ينتظرنا ليحملنا فيه .
فى رقة عجيبة يؤكد لنا النبى أن الله ينتظرنا دون أن يعاتب على الماضى ، إذ يقول :
" فلماذا ارتد هذا الشعب فى أورشليم ارتدادا دائما ؟! ع 5 . فى دهشة يعاتب : كيف احتمل هذا الشعب كسر الشريعة والتغرب عن الله مصدر حياته على الدوام ؟ ألا يليق به أن يرجع إليه ؟!
لقد فقد الشعب إتزانه ليمارس كل منهم هواه كفرس ثائر فى وسط المعركة دون ضابط له
" صغيت وسمعت.بغير المستقيم يتكلمون.ليس احد يتوب عن شره قائلا ماذا عملت.كل واحد رجع الى مسراه كفرس ثائر في الحرب " ( ع 6 ) .
بل صاروا يناقضون الطبيعة ذاتها .
أكد لهم النبى أنهم أكثر جهالة من الطيور :
" بل اللقلق في السموات يعرف ميعاده ،
واليمامة والسنونة المزقزقة حفظتا وقت مجيئهما.
اما شعبي فلم يعرف قضاء الرب.
كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا ؟!
حقا انه الى الكذب حوّلها قلم الكتبة الكاذب " ع 7 ، 8 .
تعرف الطيور والحيوانات مواعيدها بالغريزة وتحترمها ، وأما شعب الله الذى هو تاج الخليقة الأرضية كلها فلا يعى نداء خالقه ، ولا يدرك " قضاء " الرب ، أى خطته الإلهية نحو شعبه ، بهذا فقدوا روح الحكمة والمعرفة .
هنا أول إشارة للكتبة كفئة خاصة مسئولة عن تفسير الشريعة . يظهر من ( 1 أى 2 : 55 ) أن الكتبة كانوا منظمين على أساس عشائر أو أسر معينة ، وفى ( 2 أى 34 : 13 ) كان لهم دورهم الحيوى فى أيام يوشيا . على أى الأحوال كان لهم نشاطهم فى وقت مبكر عن هذا ، يقومون بكتابة السجلات الرسمية لملوك إسرائيل ويهوذا ، ويمسكون حساباتهم ، كما كان بعضهم ينسخون التوراة ، وكان لهم عملهم التعليمى .
خلال تعاليمهم الخاطئة يحولون الحق الكتابى إلى الكذب ، يهتمون بالتوراة ككتاب دون الأهتمام بالله نفسه .
استلموا الشريعة ، ووجدت بين أيديهم ، لكن طمعهم أعمى عيون قلوبهم ، فصاروا فى ظلمة الجهل التى حلت على كل الطبقات وكل الأعمار : الصغير والكبير ، الكاهن والنبى والشعب .
بجانب عبادتهم للأصنام وكسرهم للوصية يلجأون إلى خداع أنفسهم بنبوات كاذبة .
فعوض التوبة يطلبون من الأنبياء والكهنة سلاما كاذبا وخداعا ، لهذا ظهر أنبياء يتنبأون ليس حسب أمر الله إنما حسبما يرضى أهواء الناس ، وبادت الشريعة عن الكاهن والمشورة عن الشيوخ . هؤلاء يقولون " سلام سلام ولا سلام " ع 11 .
كلمات الأنبياء الكذبة أعطتهم طمأنينة خادعة إلى حين ، فحسبها الكل دواء لجراحاتهم . " ويشفون كسر بنت شعبي على عثم قائلين سلام سلام ولا سلام " ع 11 .
ومن جانب آخر نزعت عنهم روح الحياء والخجل حتى إن إرتكبوا رجاسة .
" هل خزوا لانهم عملوا رجسا ؟
بل لم يخزوا خزيا ولم يعرفوا الخجل.
لذلك يسقطون بين الساقطين في وقت معاقبتهم يعثرون قال الرب " ع 12 .
فى اختصار قبلوا كلمة الله فى حرفها بدون التوبة فصاروا فى جهالة .
( 3 ) حفظ الشريعة بدون ثمر الروح إذ قبلوا الشريعة الإلهية بدون التمتع بالتوبة صارت كلمة الله بالنسبة لهم عقيمة وبلا ثمر . صاروا أشبه بكرم بلا عنب وشجرة تين بلا ثمر ، فاستحقوا اللعنة واقتلاعهم من حقل الرب :
" نزعا انزعهم يقول الرب.
لا عنب في الجفنة ،
ولا تين في التينة ،
والورق ذبل ،
واعطيهم ما يزول عنهم " ع 13 .
ينتزعها من انتسابها له بكونها كرمته وتينته . فالنفس التى لا تلتصق بإخوتها حول خشبة الصليب كما تجتمع حبات العنب معا ، والتى ترفض أن تلتقى معهم حول غلاف الوحدة العذب كما يحدث لبذار التين الرفيع ، تفقد انتسابها للكرمة أو التينة ، ولا تحسب عضوا فى كنيسة المسيح ، ولا تتمتع بخلاصه .
يصف النبى كيف انتزع الله كرمه ، أو كيف سلم شعبه للسبى هكذا :
أ – باطلا حاول شعب يهوذا أن يحمى نفسه من العدو ، إذ يقولون :
" لماذا نحن جلوس ؟
اجتمعوا فلندخل الى المدن الحصينة ونصمت هناك.
لان الرب الهنا قد اصمتنا " ع 14 .
أدركوا أن الخطر قد حل بهم فقرروا الدخول إلى المدن الحصينة ، لا ليستعدوا للمقاومة ، بل فى خيبة يصمتون أمام هذا الحدث الرهيب الذى سمح به الرب لهم لتأديبهم ، ينتظرون لحظات الموت وهم فى رعب . تتحول مدنهم الحصينة إلى مقابر جماعية !
ب – قدم الله لهم الكأس التى ملأوها لأنفسهم ، كأس سم الخطية المر والمميت :
" وأسقانا ماء العلقم لأننا قد أخطأنا إلى الرب " ع 14 .
ولعله قصد بذلك الماء الذى يقدم للزوجة الخائنة لأمتحان أمانتها لرجلها ( عد 5 : 11 – 31 ) ، فإن ثبتت خيانتها تقتل .
جـ - فقدوا السلام الذى وعدهم به الأنبياء الكذبة : " انتظرنا السلام ولم يكن خير " ع 15 . تأكدوا أن الرجاء الذى قدم لهم كان كالسراب المخادع .
د – فقدوا تسكين الجراحات الذى قدمه الكذبة لهم كشفاء ، وحل عوض راحة الضمير رعب وخوف ،" وزمان الشفاء وإذا رعب " ع 15 .
هـ - جاء العدو بعنف شديد حتى سمعت حمحمة خيله فى أورشليم عندما دخل العدو فى دان ، وهى الحدود الشمالية للبلاد التى دخل منها العدو ( حاليا منطقة الجولان ) ، وعند صوت صهيله ارتجفت كل الأرض ( ع 15 ) ، [لأن العدو ضخم للغاية .
و – جاء عدوهم ليأكل ويلتهم مفترسا كل من يلتقى به : " فأتوا وأكلوا الأرض وملأها ، المدينة والساكنين فيها " ع 16 .
ز – ضربة لا علاج لها ، كسم الحيات التى لا ترقى . " لأنى هأنذا مرسل عليكم حيات أفاعى لا ترقى فتلدغكم يقول الرب " ع 17 .
فى القديم صنع موسى حية من النحاس حتى من لدغته الحية ونظر إلى الحية النحاسية يشفى ، أما وقد أصر الشعب على المقاومة ففى هذا التأديب أرسل حيات أفاعى لا ترقى
( 4 ) الحاجة إلى المسيح الكلمة أدرك النبى إرميا ما وصل إليه الشعب فى علاقتهم بالشريعة ، انهم يحفظونها دون توقف عن العبادة الوثنية ، فيخلطون الحق بالباطل [ 1 - 3 ] ، يقرأونها دون تقديم توبة واشتياق نحو الرجوع إلى الله [ 4 – 12 ] ، يعتزون بها دون أن يحملوا ثمر الروح [ 13 – 17 ] فامتلأ قلبه مرارة ، وبدأ يتساءل : ما هو الحل ؟ أما من دواء لهذا الشعب ؟ أما من طبيب يهتم بهم ؟
عبر عن مرارة نفسه ، قائلا :
" من مفرج عنى الحزن ؟
قلبى فى سقيم " ع 18 .
حياة الشركة عاشها أولاد الله فى العهدين القديم والجديد ، فيقول إرميا النبى وهو يرى شعبه منسحقا بسبب السبى رغم مقاومة الشعب له :
" من أجل سحق بنت شعبى انسحقت ، حزنت ، أخذتنى دهشة " ع 21 .
سمع النبى بروح الحب صوت شعبه فى أرض السبى يستغيثون وليس من مجيب :
" ألعل الرب ليس في صهيون ؟
او ملكها ليس فيها.لماذا اغاظوني بمنحوتاتهم باباطيل غريبة.
مضى الحصاد انتهى الصيف ونحن لم نخلص.
من اجل سحق بنت شعبي انسحقت.حزنت اخذتني دهشة.
أليس بلسان في جلعاد ؟
أم ليس هناك طبيب ؟
فلماذا لم تعصب بنت شعبي " ع 19 – 22 .
لم يستطع رجال العهد القديم أن يتمتعوا بالإجابة على هذه الأسئلة إلا قلة قليلة خلال الرموز والظلال ، لذا كانوا يصرخون : " مضى الحصاد ، انتهى الصيف ، ونحن لم نخلص " ع 20 .
أى رجاء لهم ؟ بعد انتهاء وقت الحصاد .
رجاؤنا نحن فى السيد المسيح القائل : أنا هو البلسان ، أنا هو الطبيب ! .
+ + +
| |
|