Admin Admin
عدد المساهمات : 183 تاريخ الميلاد : 30/06/1997 تاريخ التسجيل : 21/12/2009 العمر : 27
| موضوع: إرميا – الإصحاح التاسع والثلاثون الخميس فبراير 04, 2010 6:27 pm | |
| إرميا – الإصحاح التاسع والثلاثون
سقوط أورشليم فى السبى
يصف أحداث السبى ، كيف حوصرت أورشليم وألقى القبض على صدقيا وهو هارب ، ثم قام ملك بابل بقتل أبناء صدقيا أمام عينيه ، كما قتل كل أشراف يهوذا ، ثم فقأ عينى صدقيا وقيده بسلاسل وقاده إلى بابل .
( 1 ) سقوط المدينة كان نبوخذنصر حاضرا فى بدء الحصار ، أما فى نهايته حيث سقطت أورشليم فكان فى ربلة ( 3 ، 6 ) ، بقى الملك خارج أورشليم بينما ترك رئيس جيشه يدخل فى المعركة ضد يهوذا ، وذلك لكى يمنع أية قوة خارجية لنجدة يهوذا تقترب إلى أورشليم ، وكان كبار الأسرى يرسلون إليه للمحاكمة الفورية .
" في السنة التاسعة لصدقيا ملك يهوذا في الشهر العاشر اتى نبوخذراصر ملك بابل وكل جيشه الى اورشليم وحاصروها.
وفي السنة الحادية عشرة لصدقيا في الشهر الرابع في تاسع الشهر فتحت المدينة.
ودخل كل رؤساء ملك بابل وجلسوا في الباب الاوسط ،
نرجل شراصر وسمجرنبو وسرسخيم رئيس الخصيان ونرجل شراصر رئيس المجوس وكل بقية رؤساء ملك بابل " ع 1 – 3
استمر الحصار حوالى سنة ونصف ، بعدها انهارت كل مقاومة ، خصوصا بعد انهزام المصريين أمام بابل ، لم يكن أمام المدافعين اليهود سوى الإستسلام .
جلس رؤساء ملك بابل فى الباب الوسط ، جلس حاملوا أسماء الآلهة الوثنية فى الموضع الذى اعتاد أن يجلس فيه حلقيا الذى يحمل اسم الله ، وتحققت نبوة إرميا : " فيأتون ويضعون كل واحد كرسيه فى مدخل أبواب أورشليم " 1 : 15 .
كان إرميا النبى فى سجنه يئن داخليا مترقبا انهيار بلده بمرارة ، وقد أنكشفت أمام عينيه كل الأحداث هذه التى أعلنها فى شىء من التفصيل للملك صدقيا .
كان صدقيا والرؤساء مع القيادات الدينية والعسكرية فى ضعف شديد ، فقد أنهار الجند بسبب المجاعة ، لقد أدرك الجميع أن حماية الله قد رفعت عنهم كما حدث لشمشون الذى حل به الضعف حينما قص شعر نذره .
أقام قادة العدو مجلسا عسكريا عند الباب الرئيسى لأورشليم .
( 2 ) أسر صدقيا " فلما رآهم صدقيا ملك يهوذا وكل رجال الحرب هربوا وخرجوا ليلا من المدينة في طريق جنة الملك من الباب بين السورين وخرج هو في طريق العربة.
فسعى جيش الكلدانيين وراءهم ،
فادركوا صدقيا في عربات اريحا ،
فاخذوه واصعدوه الى نبوخذناصّر ملك بابل الى ربلة في ارض حماة ،
فكلمه بالقضاء عليه.
فقتل ملك بابل بني صدقيا في ربلة امام عينيه ،
وقتل ملك بابل كل اشراف يهوذا.
واعمى عيني صدقيا وقيده بسلاسل نحاس لياتى به الى بابل.
اما بيت الملك وبيوت الشعب فاحرقها الكلدانيون بالنار ،
ونقضوا اسوار اورشليم " ع 4 – 8 .
احتمى صدقيا الملك ورجال الحرب فى الليل ليهربوا من وجه العدو ، لكن لم يستطع أن ينجيهم . كان الأفضل لهم أن يحتموا فى النور ، بالطاعة لكلمة الله ، فما كان قد حل بهم هذا العار بل والموت .
لقد تحققت النبوة ( 32 : 4 ؛ 34 : 3 ) . أن صدقيا يرى ملك بابل ويتكلم معه فما لفم ، وأن يقتل أبناؤه وتفقأ عيناه ( 38 : 17 – 23 ) .
وأحرقت القصور بعد شهر من استلام المدينة . أما سبب تأخير حرق المنازل فهو الأنتظار حتى يقدم رؤساء يهوذا إلى الملك فى ربلة وينظر فى قضيتهم .
كان قلع العيون شكلا من أشكال العقوبة القديمة ( قضاة 16 : 21 ) ، خاصة بالنسبة للثوار العنفاء .
( 3 ) سبى الشعب " وبقية الشعب الذين بقوا في المدينة والهاربون الذين سقطوا له وبقية الشعب الذين بقوا سباهم نبوزرادان رئيس الشرط الى بابل.
ولكن بعض الشعب الفقراء الذين لم يكن لهم شيء تركهم نبوزرادان رئيس الشرط في ارض يهوذا ،
واعطاهم كروما وحقولا في ذلك اليوم " ع 9 ، 10 .
سيق الشعب إلى بلد غريب يسيرون مئات الأميال فى مذلة ، وقد سبق أن أهلكهم الجوع والوبأ بسبب الحصار . لقد فقدوا مدينتهم وهيكلهم وممتلكاتهم ... والآن يساقون كالحيوانات تحت قيادة سادة قساة ، وها هم لا يعرفون ما هو مصيرهم هناك .
أما الفقراء فقد تركوا فى يهوذا وسلمت لهم الكروم والحقول التى جفت وخربت مع طول مدة الحصار لعلهم يصلحونها .
يقول القديس جيروم :
+ يقودنى نبوخذنصر الحقيقى مربوطا بالسلاسل إلى بابل ، أى إلى بابل الفكر المرتبك
هناك يضع على نير العبودية ،
هناك يضع خزامة من حديد فى أنفى ،
ويأمرنى أن أرنم بتسبحة من تسابيح صهيون ( 2 مل 19 : 28 ، مز 136 : 3 ) .
( 4 ) العناية بإرميا " واوصى نبوخذراصر ملك بابل على ارميا نبوزرادان رئيس الشرط قائلا :
خذه وضع عينك عليه ولا تفعل به شيئا رديئا بل كما يكلمك هكذا افعل معه.
فارسل نبوزرادان رئيس الشرط ونبوشزبان رئيس الخصيان ونرجل شراصر رئيس المجوس وكل رؤساء ملك بابل .
ارسلوا فاخذوا ارميا من دار السجن ،
واسلموه لجدليا بن اخيقام بن شافان ليخرج به الى البيت.
فسكن بين الشعب " ع 11 ، 14
" رئيس الشرط " لقب قديم وهو حرفيا : رئيس السقاة .
يظهر من هذا الفصل أن ملك بابل فور فتح أورشليم اهتم بإرميا فأخرجه من السجن مكرما ليبقى مع الباقين فى البلاد دون أن يسبى .
يرى البعض أنه قد أطلق سراح إرميا من السجن فور سقوط المدينة ، لكنه أقتيد مع الرؤساء إلى رامة ، وهناك أطلق سراحه وسمح له أن يختار موضع سكنه كيفما يريد .
لم يوص نبوخذراصر على قدس الأقداس بل على إرميا . لأنه هو هيكل الرب الحق ، هو قدس الأقداس ، الذى تكرس للرب بالبتولية الطاهرة .
يذكر هذا الإصحاح أنه خلص من هذا الدمار ثلاثة :
أ – إرميا النبى الذى أوصى الملك بحسن معاملته .
ب – عبد الملك الغريب الجنس الذى وعده النبى بإنقاذه .
جـ - القلة القليلة من الفقراء جدا الذين أعطيت لهم الحقول .
هؤلاء جميعا يشيروا إلى الكنيسة التى تتمتع بالمراحم الإلهية : فأرميا يشير إلى القلة من اليهود الذين قبلوا نبوات العهد القديم وتعرفوا على السيد المسيح وآمنوا به ، وعبدملك يشير إلى الأمم الذين قدموا إلى السيد المسيح وتمتعوا بخلاصه ؛ أما القلة القليلة الفقيرة فتحمل سمة الكنيسة : " القطيع الصغير " الذى يسر الآب أن يعطيهم الملكوت " ( لو 12 : 32 ) .
( 5 ) رسالة إلى عبد ملك
بعث إرميا النبى وهو فى السجن برسالة إلى عبدملك الكوشى تحوى خمس نبوات :
أ – الشر الذى يحل بالمدينة .
ب- تحقيق كلمة الله فى أيامه .
جـ - لا يسلم عبدملك ليد من يخافهم .
د – خلاص عبدملك من يد الأعداء .
هـ - لن يسقط بالسيف .
" وصارت كلمة الرب الى ارميا اذ كان محبوسا في دار السجن قائلة :
اذهب وكلم عبد ملك الكوشي قائلا :
هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل :
هانذا جالب كلامي على هذه المدينة للشر لا للخير ،
فيحدث امامك في ذلك اليوم.
ولكنني انقذك في ذلك اليوم يقول الرب ،
فلا تسلم ليد الناس الذين انت خائف منهم.
بل انما انجيك نجاة فلا تسقط بالسيف بل تكون لك نفسك غنيمة ،
لانك قد توكلت عليّ يقول الرب " ع 15 – 18 .
إذ كان إرميا النبى أمينا ومخلصا لكلمة الله لذلك وعده الله : " إنى أجعل العدو يتضرع إليك فى وقت الشر وفى وقت الضيق " إر 15 : 11 .
وها هو يحقق وعده معه .
لقد لقى إرميا معاملة طيبة من قبل رئيس جيوش بابل وملكها وكذلك عبدملك الذى أنقذ حياة إرميا من الجب .
ذكر الكتاب المقدس كثيرين أنقذوا بسبب تقواهم . فلابد من أن نتساءل : هل هذا قانون ثابت فى مجازاة الله للناس ، لأننا كثيرا ما رأينا الصالحين الأتقياء قد هلكوا مع الأشرار الأردياء ، لا سيما فى أبان الحروب وكوارث الطبيعة . إننا نؤمن أن الله يجازى كل الناس بحسب أعمالهم ، لكننا لا نحصر مجازاة الله فى هذه الحياة ، بل نعتقد بأنها تكون أضعافا فى الآخرة .
+ + +
إرميا – الإصحاح الأربعون
إرميا مع جدليا فى أورشليم
تقدم لنا الإصحاحات 40 – 45 خبرات ونبوات إرميا النبى بعد خراب أورشليم ، أو خبرات أيامه الأخيرة على الأرض .
( 1 ) قرار إرميا " الكلمة التي صارت الى ارميا من قبل الرب بعدما ارسله نبو زرادان رئيس الشرط من الرامة ،
اذ اخذه وهو مقيد بالسلاسل في وسط كل سبي اورشليم ويهوذا الذين سبوا الى بابل.
فاخذ رئيس الشرط ارميا وقال له :
ان الرب الهك قد تكلم بهذا الشر على هذا الموضع.
فجلب الرب وفعل كما تكلم لانكم قد اخطأتم الى الرب ولم تسمعوا لصوته فحدث لكم هذا الامر " ع 1 – 3
إن ما نطق به هذا القائد الكلدانى الغريب الجنس لم يكن إلا ملخصا لما نادى به الأنبياء للشعب ولم يسمعوا لهم . لقد قدم الرجل الوثنى تفسيرا لاهوتيا وروحيا لهزيمتهم ، الأمر الذى لم يكن ممكنا للشعب اليهودى أن يفهمه أو يتقبله .
بلا شك أدهشت كلمات رئيس الشرط إرميا النبى وثبتت بالأكثر إيمانه ، كما انتشرت بين اليهود فصارت لتوبيخهم ، كأنها رسالة إلهية موجهة إلى المسبيين ينطق بها رجل وثنى عدو .
اقتيد إرميا مع المسبيين مقيدا بالسلاسل حتى وقف أمام رئيس الشرط ، وهناك عزل عن المسبيين لكى تعطى له كرامة وهدايا مع حرية الحركة ، بينما صار الآخرون فى مذلة وحرمان .
" فالآن هانذا احلّك اليوم من القيود التي على يدك.
فان حسن في عينيك ان تأتي معي الى بابل فتعال ،
فاجعل عينيّ عليك.
وان قبح في عينيك ان تاتي معي الى بابل فامتنع.
انظر.كل الارض هي امامك فحيثما حسن وكان مستقيما في عينيك ان تنطلق فانطلق الى هناك.
واذ كان لم يرجع بعد قال :
ارجع الى جدليا بن اخيقام بن شافان الذي اقامه ملك بابل على مدن يهوذا واقم عنده في وسط الشعب ،
وانطلق الى حيث كان مستقيما في عينيك ان تنطلق.
واعطاه رئيس الشرط زادا وهدية واطلقه.
فجاء ارميا الى جدليا بن اخيقام الى المصفاة ،
واقام عنده في وسط الشعب الباقين في الارض " ع 4 – 6 .
كان هناك أمر من الملك إلى رئيس الشرط أن يكرم إرميا النبى ، لكن الجند المسئولين عن إلقاء القبض على اليهود وترحيلهم إلى الرامة تحت كثرة الأعباء أتوا بإرميا وسط الأسرى ، مقيدا بالسلاسل خطأ . وإذ تعرف عليه نبوزاردان رئيس الشرط أطلقه فى الحال وأعطاه حرية الحركة .
أعطاه القائد حق الخيار أن يذهب إلى بابل أو يبقى فى يهوذا ، فاختار أن يرجع إلى جدليا الذى ينتمى إلى عائلة شافان المتعاطفة مع النبى ، ويقيم عنده وسط الشعب . رفض أن يكرم فى بابل ليعيش مع الشعب المسكين فى يهوذا يشاركهم أتعابهم وآلامهم ، يسكن مع أولئك الذين حسبهم البابليون ليسوا أهلا لنقلهم حتى كأسرى إلى بابل .
هكذا تشبه بموسى النبى الذى قيل عنه :
" بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعى أبن ابنة فرعون ، مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله عن أن يكون له تمتع وقتى بالخطية ، حاسبا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر ، لأنه كان ينظر إلى المجازاة " عب 11 : 24 ، 25 .
هكذا اشترك أنبياء العهد القديم فى عار المسيح الباذل حياته بفرح عن شعبه .
كان من الحكمة ألا يذهب إرميا مع المسبيين فى بابل ، لأنه كان بلا شك سيلقى كرامة من الملك ، فيثبت فى ذهن اليهود أنه عميل بابلى وخائن لوطنه .
جاء إرميا إلى جدليا وأقام فى المصفاة لخراب أورشليم .
( 2 ) جدليا الحاكم " فلما سمع كل رؤساء الجيوش الذين في الحقل هم ورجالهم ان ملك بابل قد اقام جدليا بن اخيقام على الارض ،
وانه وكله على الرجال والنساء والاطفال وعلى فقراء الارض الذين لم يسبوا الى بابل ،
أتى الى جدليا الى المصفاة اسماعيل بن نثنيا ويوحانان ويوناثان ابنا قاريح وسرايا بن تنحومث وبنو عيفاي النطوفاتي ويزنيا ابن المعكي هم ورجالهم.
فحلف لهم جدليا بن اخيقام بن شافان ولرجالهم قائلا :
لا تخافوا من ان تخدموا الكلدانيين.
اسكنوا في الارض واخدموا ملك بابل فيحسن اليكم .
اما انا فهانذا ساكن في المصفاة لاقف امام الكلدانيين الذين ياتون الينا " ع 7 .
إن كانت يهوذا قد صارت مستعمرة بابلية ، لكن كان لها الحق أن تحتفظ بسماتها الخاصة تحت قيادة والى من شعبها يخضع سياسيا لملك بابل ويدفع له الجزية .
إذ جمع الراجعون خمرا وتينا كثيرا شعر البعض أن ذلك علامة بركة الرب ، إذ لا زال ينتظر أن يعمل لإصلاح شعبه . هؤلاء الذين شبههم إرميا النبى بالتين الجيد جدا ( إر 24 ) .
" اما انتم فاجمعوا خمرا وتينا وزيتا وضعوا في اوعيتكم واسكنوا في مدنكم التي اخذتموها.
وكذلك كل اليهود الذين في موآب وبين بني عمون وفي ادوم والذين في كل الاراضي سمعوا ان ملك بابل قد جعل بقية ليهوذا وقد اقام عليهم جدليا بن اخيقام بن شافان .
فرجع كل اليهود من كل المواضع التي طوحوا اليها واتوا الى ارض يهوذا الى جدليا الى المصفاة وجمعوا خمرا وتينا كثيرا جدا " ع 7 – 12 .
إذ عرف جدليا كرجل سلام ، كانت رسالته أن يعيد إلى يهوذا حياتهم العادية ، وأن يخضعوا للكلدانيين بغير تخوف منهم ، وأن يستقبل اليهود العائدين من موآب وبنى عمون وآدوم ، وكانوا غالبا من الجنود .
كان جدليا يرفض الثورة ضد بابل ، متأثرا بإرميا وغيره من الأنبياء ، لذلك عينه ملك بابل وكيلا له ، وواليا على يهوذا .
( 3 ) الكشف عن مؤامرة ملك بنى عمون " ثم ان يوحانان بن قاريح وكل رؤساء الجيوش الذين في الحقل أتوا الى جدليا الى المصفاة ،
وقالوا له.أتعلم علما ان بعليس ملك بني عمون قد ارسل اسماعيل بن نثنيا ليقتلك.فلم يصدقهم جدليا بن اخيقام.
فكلم يوحانان بن قاريح جدليا سرا في المصفاة قائلا :
دعني انطلق واضرب اسماعيل بن نثنيا ولا يعلم انسان.
لماذا يقتلك فيتبدد كل يهوذا المجتمع اليك وتهلك بقية يهوذا؟ !
فقال جدليا بن اخيقام ليوحانان بن قاريح لا تفعل هذا الامر ،
لانك انما تتكلم بالكذب عن اسماعيل " ع 13 – 16 .
يقصد بـ " رؤساء الجيوش فى الحقول " ( ع 13 ) ضباط الجنود المسرحين ( 2 مل 25 : 5 ) الذين خافوا أولا من معاملة بابل لهم ، ولكنهم تأكدوا فيما بعد ( فى آية 9 حلف لهم جدليا قائلا " لا تخافوا " ) أنهم سينالون العفو إذا خضعوا واستسلموا وعادوا يستغلون الأرض ويخضعون لجدليا وحكومته فى المصفاة . ورجع أيضا اليهود الذين غادروا البلاد قبل هجوم بابل وكانوا قد ألتجأوا إلى شرق الأردن .
ما كان يشغل قلب يوحنان ليس الخوف على قتل جدليا ، وإنما انهيار النبتة الجديدة لإقامة دولة يهوذا التى خربت تماما بواسطة البابليين ، وقد صار هناك بارقة أمل لتجميع الجهود ولو تحت الأستعمار البابلى . فكان فى رأيه أن قتل إسماعيل أفضل من ضياع الأمة كلها .
لقد أخطأ جدليا إذ لم يسمع لهم ، وكان يليق به أن يرفع قلبه بالصلاة يطلب مشورة الله ، وأن يلجأ إلى أرميا النبى الذى كان ملاصقا له . هنا تظهر خطورة اتكال الإنسان على أفكاره وحده .
كان بعليس ملك عمون فى شرق الأردن ينتظر اغتنام فرصة رجوع جيوش بابل إلى وطنهم ليملك على ما بقى من البلاد فى غرب الأردن ، ويقتل جدليا وكيل ملك بابل .
يحتمل أن يكون هناك عداوة شخصية بين بعليس وجدليا .
+ + + __________________ إرميا – الإصحاح الحادى والأربعون
اغتيال جدليا والى أورشليم
كان اليهود يحتفلون بقتل جدليا كمناسبة حزينة وذلك بالصوم فى الشهر السابع ( اكتوبر ) زك 7 : 5 ؛ 8 : 19 .
قتل جدليا لكن الله حفظ إرميا حتى يتمم رسالته . فى هذا الإصحاح لا نجد خبرا عن إرميا نفسه ، ولا نسمع عنه كلمة ، بل جاء كمقدمة لما يأتى فيما بعد ، وهو نزول جماعة من اليهود إلى مصر آخذين معهم إرميا على الرغم منه .
( 1 ) مصرع جدليا " وكان في الشهر السابع ان اسماعيل بن نثنيا بن اليشاماع من النسل الملوكي جاء هو وعظماء الملك وعشرة رجال معه الى جدليا بن اخيقام الى المصفاة ،
واكلوا هناك خبزا معا في المصفاة.
فقام اسماعيل بن نثنيا والعشرة الرجال الذين كانوا معه وضربوا جدليا بن اخيقام بن شافان بالسيف فقتلوه ،
هذا الذي اقامه ملك بابل على الارض.
وكل اليهود الذين كانوا معه اي مع جدليا في المصفاة ،
والكلدانيون الذين وجدوا هناك ورجال الحرب ضربهم اسماعيل " ع 1 – 3
سبق أن تحدثنا فى الإصحاح السابق عن اسماعيل بن نثنيا الذى دفعه بعليس ملك عمون على اغتيال جدليا . ولا نعرف ما الذى دفعه إلى هذه الجريمة ، وما الذى دفع ملك عمون على تحريضه ؟
هل كان إسماعيل مدفوعا بغيرة دينية قومية على بلاده حاسبا أن الخضوع لبابل خيانة عظمى ؟
أم كان مدفوعا بوعود ملك عمون ( 40 : 14 ) ؟
أم كان الحسد أو العداوة الشخصية مع جدليا ؟
أو محبة المال هى الباعث ؟
حاسبا نفسه أحق برئاسة الشعب دون جدليا ؟
تحدى إسماعيل كل قوانين كرم الضيافة الشريفة فى الشرق باغتياله مضيفه بعمل صارخ من أعمال الخيانة .
( 2 ) فظائع أخرى " وكان في اليوم الثاني بعد قتله جدليا ولم يعلم انسان ،
ان رجالا أتوا من شكيم ومن شيلو ومن السامرة ثمانين رجلا محلوقي اللحى ومشققي الثياب ومخمشين وبيدهم تقدمة ولبان ليدخلوهما الى بيت الرب.
فخرج اسماعيل بن نثنيا للقائهم من المصفاة سائرا وباكيا.فكان لما لقيهم انه قال لهم هلم الى جدليا بن اخيقام.
فكان لما اتوا الى وسط المدينة ان اسماعيل بن نثنيا قتلهم والقاهم الى وسط الجب هو والرجال الذين معه.
ولكن وجد فيهم عشرة رجال قالوا لاسماعيل :
لا تقتلنا لانه يوجد لنا خزائن في الحقل قمح وشعير وزيت وعسل.
فامتنع ولم يقتلهم بين اخوتهم.
فالجب الذي طرح فيه اسماعيل كل جثث الرجال الذين قتلهم بسبب جدليا هو الذي صنعه الملك آسا من وجه بعشا ملك اسرائيل.
فملأه اسماعيل بن نثنيا من القتلى " ع 4 – 9 .
هذه الحادثة مكدرة جدا تدل على أن نفس إسمعيل لم تكن منطوية على غيرة دينية على بلاده ليخلصها من نير بابل ، بل كان رجلا سفاحا ذبح أناسا أبرياء ، إذ لم يذكر سبب لقتل هؤلاء الأبرياء .
لسنا ندرى هل كانت لهم علاقة بجدليا من قبل أم لا .
واضح أنهم كانوا فى حالة حداد على الهيكل الذى دمر ..
إن ما فعله إسمعيل كان بسبب رغبته فى نهب ما لديهم ، إذ قتل أناسا عزل قادمين لتقديم عطايا لبيت الرب المتهدم ، وفى نفس الوقت أبقى منهم عشرة رجال أدعوا أن لهم خزائن سرية لا يعرف أحد موضعها ، وهى فى الحقول مملوءة من المحاصيل ، فأراد أن يغتصبها .. هذا يكشف عن شخصه أنه لص !
( 3 ) سبى البقية وإطلاق سراحها " فسبى اسماعيل كل بقية الشعب الذين في المصفاة ،
بنات الملك وكل الشعب الذي بقي في المصفاة الذين اقام عليهم نبوزرادان رئيس الشرط جدليا بن اخيقام سباهم اسماعيل بن نثنيا ،
وذهب ليعبر الى بني عمون .
فلما سمع يوحانان بن قاريح وكل رؤساء الجيوش الذين معه بكل الشر الذي فعله اسماعيل بن نثنيا ،
اخذوا كل الرجال وساروا ليحاربوا اسماعيل بن نثنيا فوجدوه عند المياه الكثيرة التي في جبعون.
ولما رأى كل الشعب الذي مع اسماعيل يوحانان بن قاريح وكل رؤساء الجيوش الذين معهم فرحوا،
فدار كل الشعب الذي سباه اسماعيل من المصفاة ورجعوا وساروا الى يوحانان بن قاريح.
اما اسماعيل بن نثنيا فهرب بثمانية رجال من وجه يوحانان وسار الى بني عمون.
فاخذ يوحانان بن قاريح وكل رؤساء الجيوش الذين معه كل بقية الشعب الذين استردهم من اسماعيل بن نثنيا من المصفاة بعد قتل جدليا بن اخيقام رجال الحرب المقتدرين والنساء والاطفال والخصيان الذين استردهم من جبعون .
فساروا واقاموا في جيروت كمهام التي بجانب بيت لحم لكي يسيروا ويدخلوا مصر من وجه الكلدانيين ،
لانهم كانوا خائفين منهم ، لان اسماعيل بن نثنيا كان قد ضرب جدليا بن اخيقام ،
الذي اقامه ملك بابل على الارض " ع 10 – 18 .
سبى إسماعيل بنات الملك ، لا يقصد بهن بنات صدقيا فحسب بل كل الأعضاء الأناث فى البيت الملكى والأميرات اللواتى كن قد وضعن فى رعاية جدليا ، اللواتى تسلمهن من يد نبوخذنصر .
قبل أن يتمكن إسماعيل السفاك من الهرب إلى بلاد عمون بمن أراد أن يأخذهم معه من أهل جدليا والشعب عموما ، هاجمه يوحنان بن قاريح وبعض الرؤساء الآخرين عند بركة جبعون ( 2 صم 2 : 13 ) حيث وقع فى القديم الصدام بين رجال داود وجال إيشبوشت بن شاول ، ولم يقدر إسمعيل أن يقاومهم فاضطر أن يترك الذين أجبرهم إلى الذهاب معه ، فهرب ومعه ثمانية رجال إلى بلاد عمون حيث فقد أثنين من رجاله ، ولم نعد نسمع عنه شيئا .
رأى يوحانان والذين معه أن يهربوا إلى مصر خوفا من عقاب بابل ، وإن كانوا هم أنفسهم لم يثوروا على بابل هذه المرة كإسماعيل .
+ + + إرميا – الإصحاح الثانى والأربعون
قد خدعتم أنفسكم !
يوحنان وكل رؤساء يهوذا وضعوا فى قلوبهم أن يذهبوا إلى مصر مهما تكن الظروف ! لقد خدعوا أنفسهم حين ذهبوا إلى إرميا يطلبون منه أن يصلى لأجلهم ويطلب باسمهم مشورة الرب . ربما قصدوا بالمشورة معرفة الطريق الذى يسلكونه فى ذهابهم إلى مصر .
كثيرا ما يخدع الإنسان نفسه ( ع 20 ) حين يريد أن يحرك الله حسب هواه ، لا أن يخضع لحكمة الله وخطته ومشورته .
( 1 ) طلب مشورة الله " فتقدم كل رؤساء الجيوش ويوحانان بن قاريح ويزنيا بن هوشعيا وكل الشعب من الصغير الى الكبير ،
وقالوا لارميا النبي ليت تضرعنا يقع امامك فتصلّي لاجلنا الى الرب الهك لاجل كل هذه البقية.
لاننا قد بقينا قليلين من كثيرين كما ترانا عيناك.
فيخبرنا الرب الهك عن الطريق الذي نسير فيه والأمر الذي نفعله " ع 1 – 3
اقترب الكل ، بروح واحد إلى إرميا يحملون مظهر الأتضاع والأحتياج إلى صلوات إرميا من أجلهم ، ويعترفون أنهم صاروا قليلين من كثيرين ، ويسألون مشورة الله . ربما استطاعوا بمظهرهم وكلماتهم أن يخدعوا النبى إلى حين ، لكنهم لن يخدعوا الله فاحص القلوب والعارف بأسرارهم وأفكارهم الخفية .
طلبوا صلوات إرميا لكنهم لم يشاركوه الصلاة ، فلا يكفى أن نطلب من الغير ، حتى إن كانوا أنبياء الصلاة لأجلنا دون أن نصلى نحن أيضا لأجل أنفسنا .
لم يقولوا " إلهنا " بل الرب " إلهك " ، حيث الإحساس بالبعد عن الله ، إذ لم يشعروا بإمكانية الأقتراب إليه بثقة .
( 2 ) إرميا يسأل الله " فقال لهم ارميا النبي :
قد سمعت.
هانذا اصلي الى الرب الهكم كقولكم ،
ويكون ان كل الكلام الذي يجيبكم الرب اخبركم به.
لا امنع عنكم شيئا " ع 4
جاءت كلمات إرميا لهذا الشعب تكشف عن شخصيته العجيبة ومشاعره الرقيقة نحو شعب الله ، إذ نلاحظ فى هذه الإجابة :
أ – لم يوبخهم بكلمة جارحة عن صرفاتهم القديمة ، ولم يغلق باب الرجاء أمامهم ، بل بروح الأتضاع يقول : " قد سمعت " !
ب – يقول : " هأنذا أصلى إلى الرب " ! هذا هو عمله الأول كنبى وكاهن !
جـ - إن كانوا قد شعروا بالبعد عن الله فقالوا لإرميا النبى : " الرب إلهك " ع 2 ، يرد لهم الثقة فيقول لهم :" الرب إلهكم " !
د – مع لطفه ورقته فى إجابته عليهم يؤكد صراحته ووضوحه ، فإنه لن يخفى عنهم شيئا مما ينطق به الرب ، حتى إن جاءت الإجابة ليست حسب هواهم !
( 3 ) اليهود يعدون بالطاعة " فقالوا هم لارميا ليكن الرب بيننا شاهدا صادقا وامينا اننا نفعل حسب كل أمر يرسلك به الرب الهك الينا.
ان خيرا وان شرا ،
فاننا نسمع لصوت الرب الهك الذي نحن مرسلوك اليه ليحسن الينا اذا سمعنا لصوت الرب الهنا " ع 5 – 6
وعد اليهود إرميا النبى بالطاعة الكاملة لله ، مهما كانت إجابة الرب أو مشورته لهم . لم يكن ممكنا لإرميا أن يكذبهم ، فهو لا يعرف أسرار قلوبهم ، لكنه إذ تحدث مع الله كشف له عما يضمرونه فى داخلهم ( ع 20 – 23 ) .
( 4 ) الرسالة الإلهية : بركات مشروطة " وكان بعد عشرة ايام ان كلمة الرب صارت الى ارميا.
فدعا يوحانان بن قاريح وكل رؤساء الجيوش الذين معه وكل الشعب من الصغير الى الكبير وقال لهم :
هكذا قال الرب اله اسرائيل الذي ارسلتموني اليه لكي القي تضرعكم امامه.
ان كنتم تسكنون في هذه الارض فاني ابنيكم ولا انقضكم واغرسكم ولا اقتلعكم.
لاني ندمت عن الشر الذي صنعته بكم.
لا تخافوا ملك بابل الذي انتم خائفوه.
لا تخافوه يقول الرب لاني انا معكم لاخلصكم وانقذكم من يده.
واعطيكم نعمة فيرحمكم ويردكم الى ارضكم " ع 7 – 12 .
سمح الرب بأن تمر عشرة أيام قبل أن يجيب على النبى ، وهذا أمر له أهميته :
أ – تعطى هذه الأيام العشرة الفرصة للشعب أن يستعدوا روحيا ونفسيا للإجابة الإلهية ، فيتهيأوا للطاعة له .
ب – ربما أعطت هذه الأيام فرصة لإرميا النبى لكى يتقدس ويتأهل للتعرف على إرادة الله .
جـ - العدد عشرة يرمز إلى الوصايا العشرة التى أعطيت على جبل سيناء .
بمعنى أنهم مسؤولون أن يراجعوا أنفسهم لئلا يكونوا قد كسروا الوصية الإلهية .
د – فى هذه الأيام العشرة لم يتقابل إرميا مع الشعب إذ لم يرد أن يكون له رأى شخصى عن الطريق الذى يسلكونه ، بل انتظر التوجيه الكامل من الرب .
مع أن الله يعلم نيتهم وهى الأصرار على الذهاب إلى مصر ، وعدم طاعتهم لإرادته الإلهية ، لكنه قدم لهم فرصة الرجوع عن شرهم ، قدم لهم بركات مشروطة .
بدأ بالحديث عن بركات الطاعة لإرادته والخضوع لمشورته قبل الحديث عن لعنة العصيان ، فاتحا باب الرجاء أمامهم . جاءت الإجابة تحمل وعدا إلهيا يكشف عن شوق الله إلى بنائهم كبيت مقدس له ، وغرسهم ككرمة من غرس يدى الله .
( 5 ) لعنة العصيان " وان قلتم لا نسكن في هذه الارض ولم تسمعوا لصوت الرب الهكم ،
قائلين لا بل الى ارض مصر نذهب حيث لا نرى حربا ،
ولا نسمع صوت بوق ولا نجوع للخبز وهناك نسكن.
فالآن لذلك اسمعوا كلمة الرب يا بقية يهوذا.
هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل :
ان كنتم تجعلون وجوهكم للدخول الى مصر وتذهبون لتتغربوا هناك ،
يحدث ان السيف الذي انتم خائفون منه يدرككم هناك في ارض مصر ،
والجوع الذي انتم خائفون منه يلحقكم هناك في مصر فتموتون هناك.
ويكون ان كل الرجال الذين جعلوا وجوههم للدخول الى مصر ليتغربوا هناك يموتون بالسيف والجوع والوبإ ،
ولا يكون منهم باق ولا ناج من الشر الذي اجلبه انا عليهم.
لانه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل.
كما انسكب غضبي وغيظي على سكان اورشليم هكذا ينسكب غيظي عليكم عند دخولكم الى مصر ،
فتصيرون حلفا ودهشا ولعنة وعارا ولا ترون بعد هذا الموضع .
قد تكلم الرب عليكم يا بقية يهوذا لا تدخلوا مصر.
اعلموا علما اني قد انذرتكم اليوم.
لانكم قد خدعتم انفسكم ،
اذ ارسلتموني الى الرب الهكم قائلين :
صلّ لاجلنا الى الرب الهنا ،
وحسب كل ما يقوله الرب الهنا هكذا اخبرنا فنفعل.
فقد اخبرتكم اليوم فلم تسمعوا لصوت الرب الهكم ،
ولا لشيء مما ارسلني به اليكم.
فالآن اعلموا علما انكم تموتون بالسيف والجوع والوبإ في الموضع الذي ابتغيتم ان تدخلوه لتتغربوا فيه " ع 13 – 22
بعد أن تحدث عن بركات السلوك حسب مشورته قدم لعنة العصيان :
أ – من يذهب إلى مصر يلحقه السيف ، أو يسقط تحت الجوع أو يتعرض للوبأ وهناك يموت ( ع 10 – 16 ) ، إن كان يهرب من يهوذا خشية انتقام ملك بابل منه فإنه فى الواقع يهرب من الأمان إلى الهلاك المحقق .
ب – الله الصانع الخيرات ، محب البشر ، يجلب عليهم شرا ( تأديبا ) لن يهبوا منه ، إذ يسقطون تحت غضبه الإلهى .
جـ - الذين يهربون إلى مصر جميعهم لا ينجون .
د – الذين يذهبون إلى مصر لن يروا أرض الموعد بعد .
مسكين من يظن أن الوصية الإلهية تفقده شيئا أو تحرمه من الملذات !
عصيان الرب يدفع إلى الهلاك غير المتوقع ، ويحرم الإنسان من مصدر حياته ، ويفقده الأحضان الإلهية .
لقد جاءت إجابة الله تفضح رياءهم وتكشف عن تمسكهم بآرائهم الذاتية ، إنه فاحص القلوب الذى يطلب تقديسها وتطهيرها خاصة من الرياء .
+ + +
| |
|