ام النـــــــــــور
<a href="http://www.9ory.com" target=_blank><img border="0" src="http://up101.9ory.com/v/10/05/01/10/19114774950.gif"></a>
ام النـــــــــــور
<a href="http://www.9ory.com" target=_blank><img border="0" src="http://up101.9ory.com/v/10/05/01/10/19114774950.gif"></a>
ام النـــــــــــور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ام النـــــــــــور

ام النـــــــــــــور هو المنتدى الخاص بكنيسة السيدة العذراء بيجام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 إرميا - الإصحاح التاسع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


ذكر السرطان عدد المساهمات : 183
تاريخ الميلاد : 30/06/1997
تاريخ التسجيل : 21/12/2009
العمر : 27

إرميا - الإصحاح التاسع Empty
مُساهمةموضوع: إرميا - الإصحاح التاسع   إرميا - الإصحاح التاسع I_icon_minitimeالخميس فبراير 04, 2010 6:07 pm

إرميا - الإصحاح التاسع

مرثاة على الجميع



رأينا فى الإصحاح السابق كيف كاد قلب إرميا النبى أن يتمزق بسبب ما سيحل على شعبه من تأديبات قاسية مع إصرار الشعب على عدم التوبة . وها هو هنا يدعو إلى إقامة مرثاة على شعبه بسبب ما بلغ إليه من شكلية فى عبادته وحرفية فى حفظه للشريعة بلا ثمر روحى :

( 1 ) بكاء النبى الدائم
" يا ليت راسي ماء وعينيّ ينبوع دموع فابكي نهارا وليلا قتلى بنت شعبي " ع 1 .

لم يكن أمام إرميا النبى الذى توجعت أحشاؤه فى داخله ، وكادت جدران قلبه أن تنهار إلا أن يبكى بمرارة ، ويود أن يبقى باكيا بغير توقف حتى يعمل روح الله لتبكيت الشعب واعترافهم بخطاياهم فيعودون إلى الرب .

كان بكاء الرجال علانية أمام الآخرين معيب ، ففى أفضل وضع يحسب علامة عن الضعف . لكن إرميا قبل أن ينسب إليه الضعف من أجل خلاص شعبه .

" يا ليت لي في البرية مبيت مسافرين ،

فاترك شعبي وانطلق من عندهم ،

لانهم جميعا زناة جماعة خائنين " ع 2 .

فى رقة شديدة حمل إرميا النبى أخطاء شعبه فى قلبه وفكره وكل أحاسيسه ، فتفجرت فيه ينابيع دموع لا تتوقف وتنهدات داخلية مرة . كان فى هذا رمزا للسيد المسيح ، العبد المتألم ، الذى حمل أحزاننا ، لكن شتان ما بين إرميا النبى والسيد المسيح .



( 2 ) عدم مبالاتهم بحالهم
إن كان النبى قد كرس حياته للدموع من أجلهم لأنهم كانوا يجرون من شر إلى شر فى خيانة لعريس نفوسهم ، فإنهم من جانبهم لم يبالوا بدموعه ، بل حسبوه إنسانا متشائما يحطم نفسيتهم ، يستحق الطرد ، بل والموت ، وذلك لأنهم لم يدركوا ما هم عليه . ويقدم لنا النبى علتين لعدم مبالاتهم ، هما :

أولا : انشغلوا بالمكر :

" يمدون ألسنتهم كقسيهم للكذب لا للحق ،

قووا في الارض.

لانهم خرجوا من شر الى شر واياي لم يعرفوا يقول الرب " ع 3 .

إذ تحولت ألسنتهم إلى أداة للحرب ، لا لحساب الحق بل للكذب ، ظنوا أنهم أقوياء ، فانطلقوا فى الخبث من شر إلى شر ، ودخلوا فى دوامة الخطية ، ولم يجدوا فرصة للوقوف إلى حين ومراجعة النفس .

يكمل النبى حديثه عن خطورة المكر :

" احترزوا كل واحد من صاحبه ،

وعلى كل اخ لا تتكلوا لان كل اخ يعقب عقبا وكل صاحب يسعى في الوشاية .

ويختل الانسان صاحبه ولا يتكلمون بالحق.

علّموا السنتهم التكلم بالكذب وتعبوا في الافتراء " ع 4 ، 5 .

يدهش إرميا النبى من الإنسان الذى فى شره يرفض الصداقة مع الحق ، هذه التى تقدم له الراحة بلا تعب داخلى ، بينما يبذل كل الجهد ليتعلم الأفتراء . وكما يقول الأب غريغوريوس ( الكبير ) : [ إنهم يتعبون لكى يخطئوا . وبينما يرفضون أن يعيشوا بالبساطة ، إذا بهم يطلبون بالأتعاب أن يموتوا ] .

إنهم يرفضوا السكنى فى الله والوجود فى أحضانه ، ليستقروا فى قلب إبليس الكذاب والمخادع ، بهذا فقدوا معرفة الرب ، إذ قيل :

" مسكنك في وسط المكر.

بالمكر ابوا ان يعرفوني يقول الرب " ع 6

ماذا يعنى فقدانهم معرفة الرب ؟

عدم إدراكهم أن الله محب حتى فى تأديباته ، أما الأشرار فمبغضون حتى فى قبلاتهم .

" لذلك هكذا قال رب الجنود :

هانذا انقيهم وامتحنهم.

لاني ماذا أعمل من أجل بنت شعبى ؟

لسانهم سهم قتال يتكلم بالغش .

بفمه يكلم صاحبه بسلام ،

وفى قلبه يضع له كمينا " ع 7 ، 8 .

+ تحتمل جراحات الأعداء بأكثر سهولة من مداهنة الساخرين المملوءة مكرا .. فقدوا معرفتهم للرب بلسانهم الغاش ، الذى يكلم صاحبه بالسلام وهو يخطط له فى قلبه لهلاكه ، الأمر الذى تجسم بصورة بشعة فى يهوذا الذى كان تلميذا للرب ، وملتصقا به حسب الجسد ، لكنه لم يعرفه كرب ومخلص ، فأسلمه بقبلة غاشة .

+ لم يكن أحد مجرما فى حق واهب الحياة أكثر قسوة من ذاك الذى تقدم باحترام مملوء خداعا وتكريما فاسدا مقدما قبلة حب غاشة ، هذا الذى قال له الرب : " يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان ؟! لو 22 : 48 ... الأب يوسف



ثانيا : صاروا فى فراغ :

" على الجبال ارفع بكاء ومرثاة ،

على مراعي البرية ندبا ،

لانها احترقت ،

فلا انسان عابر ،

ولا يسمع صوت الماشية.من طير السموات الى البهائم هربت مضت.

واجعل اورشليم رجما ومأوى بنات آوى ،

ومدن يهوذا اجعلها خرابا بلا ساكن " ع 10 ، 11 .

السبب الثانى لعدم مبالاتهم بحالهم هو الدخول إلى حالة فراغ داخلى . فالنفس لا تشبع من الله خالقها ، وتحمله كسماء وعرش له . تفقد تقديرها لخلاصها ، ولا تدرك حقيقة مركزها ، فتعيش كمرعى احترق ، يصير خرابا لا يعبره إنسان ولا يسمع فيه صوت ماشية ، ولا يهيم فيه طير . إنما يسكنه بنات آوى .

لقد صعد إرميا على الجبال ، أى على شريعة الله ومن هناك تطلع إلى البرية ، فوجد مراعيها قد أحترقت بنيران الشهوات وحل بها الخراب ، فرفع صوته وبكى ، مقدما مرثاته على شعبه الذين دخلوا فى فراغ .

الشرير تتحول أورشليمه إلى رجم ( ع 11 ) ، عوض أن يكون قلبه مدينة الله المقدسة ، يصير أشبه بمكان مهجور دنس ، يشتم فيه رائحة الموت .

عوض أن تكون مرعى للغنم ، أى حظيرة الخراف المقدسة التى تضم شعب الله ، تصير مأوى لبنات آوى ( ع 11 ) ، وهى حيوانات أكبر من الثعلب وأصغر من الذئب ، تتسم بالوحشية مع المكر والخداع .

وتصير مدن يهوذا خرابا ، تحطم مواهب الإنسان وقدراته .



ثالثا : رفضهم الشريعة :

" من هو الانسان الحكيم الذي يفهم هذه ؟

والذي كلمه فم الرب فيخبر بها.

لماذا بادت الارض واحترقت كبرية بلا عابر ؟

فقال الرب : على تركهم شريعتي التي جعلتها امامهم ،

ولم يسمعوا لصوتي ولم يسلكوا بها " ع 12 ، 13 .

من يرفض كلمة الله النارية التى تحرق أشواك الخطية ، وتلهب القلب ، بنيران الحب الإلهى ، وتجعل منه خادما لله بنار سماوية ، تشتعل فيه نيران الشهوات ، فتحوله إلى برية خربة ! .



( 3 ) الدعوة لإقامة مرثاة على صهيون

لا يقف إرميا النبى وحده يرثى هذا الشعب ، وإنما يطلب الله منهم أن يدعو النادبات والحكيمات ليرفعن مرثاة ويذرفن الدموع عليهم :

" هكذا قال رب الجنود :

تأملوا وادعوا النادبات فيأتين ،

وارسلوا الى الحكيمات فيقبلن ،

ويسرعن ويرفعن علينا مرثاة ،

فتذرف اعيننا دموعا وتفيض اجفاننا ماء " ع 17 ، 18 .

يريد الله كل إنسان أن يأتى ويرثى صهيون ويبكى عليها . لعله يقول إن كانت عيوننا قد جفت وقلوبنا قد غلظت فلنلجأ إلى إخوتنا الروحيين ليسندوننا ، نتعلم منهم حياة التوبة ونطلب صلواتهم عنا . إن أمكننا أن ندعو كل الخليقة لكى تسندنا بالصلاة إلى الله الذى يعيننا بفيض نعمته .

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم :

+ أيتها التلال نوحى ، أيتها الجبال اندبى !

لندعو كا الخليقة لتشاركنا بالوجدان بسبب خطايانا ... لنلجأ إلى الملك الذى هو من فوق . لندعوه فيعيننا .

فإن كنا لا نطلب عونا من السماء لا تكون لنا تعزية نهائيا فيما نحن قد سقطنا فيه .



" بل اسمعن ايتها النساء كلمة الرب ولتقبل آذانكنّ كلمة فمه ،

وعلّمن بناتكنّ الرثاية والمرأة صاحبتها الندب.

لان الموت طلع الى كوانا ،

دخل قصورنا ،

ليقطع الاطفال من خارج ،

والشبان من الساحات " ع 20 ، 21 .

أما علة الرثاء فهو إدراكنا أن الموت قد دخل إلى أعماقنا من خلال كوى الحواس ، النظر ، السمع ، التذوق ، الشم ، اللمس .... ليحطم قصورنا الداخلية المقامة لملكوت السموات .

يدخل الموت إلى قلوبنا ، يقتل الأطفال الذين يلعبون فى الخارج ، أى يبيد الأشواق المقدسة للشركة مع إلهنا ، أو البدايات الطيبة للحياة الفاضلة فى الرب التى لم تتأصل بعد فينا ، كما يقتل الشبان من الساحات ، أى يهلك حتى الأقوياء الذين كان يلزمهم أن يحاربوا روحيا فى الساحات .



( 4 ) الله واهب الحكمة والمعرفة

لئلا يظن الإنسان أن التوبة هى عمله الذاتى أو أنه بحكمته ومعرفته ينمو روحيا أكد الرب :

" لا يفتخرنّ الحكيم بحكمته ،

ولا يفتخر الجبار بجبروته ،

ولا يفتخر الغني بغناه ،

بل بهذا ليفتخرنّ المفتخر :

بانه يفهم ويعرفني اني انا الرب ،

الصانع رحمة وقضاء وعدلا في الارض " ع 23 ، 24 .

جاء هذا الحديث إجابة على التساؤل الذى وجه ضد كلمات إرميا النبى : ماذا ينقصنا ونحن نقتنى الحكمة والقوة والغنى ؟

هذه التسبحة تمجد حكمة الله وفهمه ومعرفته ، الأمور التى يحسبها غير الروحيين غباوة وجهالة ، متكلين على حكمتهم البشرية وخبرتهم الشخصية ومعرفتهم العقلية البحتة خارج دائرة الإيمان والأعلان الإلهى .



( 5 ) الدينونة بلا محاباة
الله خالق الكل يدين الجميع بغير محاباة ، إذ قيل :

" ها ايام تأتي يقول الرب واعاقب كل مختون واغلف.

مصر ويهوذا وادوم وبني عمون وموآب ،

وكل مقصوصي الشعر مستديرا الساكنين في البرية ،

لان كل الامم غلف وكل بيت اسرائيل غلف القلوب " ع 25 ، 26 .

الخلفية وراء هذا النص هى العقيدة التى فى ذهن اليهود أن ختان الجسد يفصل بين من ينتسب للحق ومن ينتسب للباطل .

الآن الكل بحاجة إلى المخلص .

+ + +

إرميا – الإصحاح العاشر

العودة إلى الله




إن كان فى الإصحاح السابع يتحدث عن تقديس البيت الداخلى ، وفى الثامن عن عدم الإتكال على حفظ الشريعة حرفيا ، وفى التاسع يقيم مرثاة على ما وصلوا إليه ، ففى العاشر يتحدث عن العودة إلى الله .



( 1 ) ترك الوثنية الباطلة
أول وسيلة للعودة إلى الله هو ترك الوثنية الباطلة ( ع 1 ، 2 ) ، رفض ما هو باطل وقبول الإله الحق ( ع 10 ) .

أبرز أن الله فريد ، وعظيم ، ومهوب ، سيد الطبيعة ، ورب التاريخ ، بينما عبادة الأوثان مجرد وهم ، حيث يرتعب عابدوها من ظواهر الكواكب السماوية كما من قطعة خشب من عمل أيديهم ، يقيمونها تمثالا يتعبدون له ، فى حقيقتها أشبه باللعين (خيال المقاتة ) التى يحركها الفلاح أينما أراد ليخيف الطيور ، وهى فى حقيقتها ليست إلا عصا جامدة ، يضع عليها الفلاح ملابس بشرية .

" هكذا قال الرب : لا تتعلموا طريق الامم ،

ومن آيات السموات لا ترتعبوا ،

لان الامم ترتعب منها. ..........

اما الرب الاله فحق ،

هو اله حيّ وملك ابدي.

من سخطه ترتعد الارض ولا تطيق الامم غضبه " ع 1 ، 10 .

جاءت كلمة " تتعلموا " فى العبرية بمعنى " تصيرون تلاميذا " ، وكأن العبادة فى الحقيقة هى تلمذة ، حيث يحمل التلميذ روح معلمه ، فمن يتتلمذ للباطل يحمل روح البطلان ، ومن يتتلمذ للسيد المسيح الحق ، يحمل روحه وحقه فيه .

عبادة الإنسان للأوثان تتمثل الآن فى التعبد للمال أو السلطة أو محبة المجد الباطل أو العلم أو حب الظهور ، متجاهلا احتياجات نفسه إلى التعرف على الله والألتصاق به ، يبحث بطريق أو آخر أن تشبع نفسه ، فيقيم فى هيكل الرب الداخلى آلهة غريبة عاجزة عن أن تشبع حياته وتنطلق بها إلى السموات .

لا وجه للمقارنة بين الله وبين الآلهة الأخرى ، إذ يقول : " ليس مثلك ! " ع 6

أ – " أما الرب الإله فحق " ع 10 ؛ من يلتصق به يصير حقا ولا يدخل إليه الباطل .

ب – " إله حى " ع 10 ؛ كائن نتعامل معه فى علاقة شخصية ، نجد فى الله الآب أبينا الذى يحملنا فى أحضانه ، ويتعامل معنا كبنين له ..

جـ - " ملك أبدى " ع 10 ، علاقتنا بالله ليست على مستوى زمنى مؤقت بل علاقة دائمة إلى الأبد . يملك فينا لا ليسيطر علينا وإنما ليقيمنا ملوكا ، يهبنا شركة سماته فنصير خالدين ونعيش معه فى مجده الملوكى إلى الأبد .

د – " اذا اعطى قولا تكون كثرة مياه في السموات ،

ويصعد السحاب من اقاصي الارض " ع 13 .

قوته ليست استعراضا لسلطانه ، وغنما لخير خليقته ، يهب النفس ( السماء ) والجسد ( الأرض ) كثرة مياة ، أى فيض روحه القدوس ( يو 7 : 37 – 39 ) ، ليحولنا فى مياة المعمودية من القفر إلى فردوس مثمر!

هـ - " صنع بروقا للمطر واخرج الريح من خزائنه " ع 13 .

أى قدم للإنسان كل احتياجاته المنظورة ( البروق والمطر ) وغير المنظورة ( الريح وخزائنه ) !

يبرق فينا فيهبنا روح الأستنارة ، ونكتشف أسرار حب الله وإمكانياته . ويهبنا عطية روحه القدوس كريح تهب حيث تشاء ، ولا نعرف من أين تبدأ ولا إلى أين تنتهى ( يو 3 : 18 ) .

يحدثنا مار يعقوب السروجى عن بروق الإستنارة قائلا :

[ المعمودية هى إبنة النهار ، فتحت أبوابها فهرب الليل الذى دخلت إليه الخليقة كلها !

المعمودية هى الطريق العظيم إلى بيت الملكوت ، يدخل الذى يسير فيه إلى بلد النور ! ] .

و – " من لا يخافك يا ملك الشعوب ؟! لأنه بك يليق " ع 7 .

إن كانت الشعوب قد قاومته وقبلت الأوثان آلهة عوضا عنه ، لكنه يبقى فى حقيقة الأمر " ملك الشعوب " .

هو " ملك العالم كله " ، أرادوا أو لم يريدوا ، نصرخ إليه كملك مفرح ، قائلين : " ليأت ملكوتك ! " ، أما المقاومون فيخشون ملكوته ويرتعبون من سلطانه ! .

ز – " من سخطه ترتعد الأرض ولا تطيق الأمم غضبه " ع 10 .

إن كان الله بالنسبة لمؤمنيه كله عذوبة ، يدخل معهم فى عهد أبوى ، ويقدم إمكانياته لخلاصهم وبنيانهم ، ففى عدله أيضا لا تستطيع الأرض أن تقف أمامه ، ولا تطيق الأمم غضبه !

لا يحتمل الأشرار الألتقاء معه ، لأنه كيف يمكن للظلمة أن تطيق النور ؟! أو للباطل أن يشترك مع الحق ؟!

حـ - الله هو المدافع عن شعبه بكونه " رب الجنود اسمه " ع 17 .

لذا يليق بشعبه كجنود تحت قيادته ألا يخافوا الآلهة الأخرى ، هذه التى " فى وقت عقابها تبيد " ع 15 .

ط – الله واهب القوة والحكمة والفهم لأولاده المقدسين فيه . للعلامة أوريجينوس تعليق جميل على العبارة : " صانع الأرض بقوته ، مؤسس المسكونة بحكمته ، وبفهمه بسط السموات " ع 12 .

يرى أن من بين سمات الله ثلاث : القوة والحكمة والفهم .

يهب القوة لجسدنا الترابى ( الأرض ) .

والحكمة لنفوسنا ( المسكونة التى يقطنها الثالوث القدوس ) .

والفهم لإنساننا الداخلى الذى على صورة آدم الثانى ( السموات ) .

ى – يهب الله نفوسنا أيضا من مياة الروح القدس ، إذ قيل " إذا أعطى قولا تكون كثرة مياة فى السموات " ع 13 ،

كأنه إذ يقيم ملكوته فى داخلنا يجعلنا سمواته التى تفيض بثمر الروح حتى على الآخرين



إن معرفة الله تقدم للنفس حكمة سماوية ، أما عدم التعرف عليه فيجعلها فى بلادة أو غباوة ، لذا يقول :

" بلد كل إنسان معرفته " ع 14 . يكاد كل الأنبياء يشيرون إلى هذه الخطية وهى عدم معرفة الشعب لله ( إش 1 : 3 ، هو 4 : 1 ، 6 ، ميخا 5 : 12 ، عا 3 : 12 ) . يقصد بالمعرفة هنا العلاقة الشخصية القوية والعميقة مع الله عقلانيا ، وعاطفيا ، وسلوكيا .

فى ختام مقارنته بين عبادة الله الحى وعبادة الأوثان يؤكد أن الله لا يغير على مجده كمن هو فى حاجة إلى من يتعبد له أو يمجده ، وإنما لأجلهم هم . فإن كانوا قد خانوه إنما خانوا أنفسهم ، لأنهم يحرمون أنفسهم من الله نصيبهم وأن يكونوا نصيبه ! إنهم فقدوا معرفة الله العملية فى حياتهم ففقدوا معرفتهم لأنفسهم كميراث الرب وجنوده . لهذا يوبخهم :

" ليس كهذه نصيب يعقوب، لانه مصور الجميع واسرائيل قضيب ميراثه، رب الجنود اسمه " ع 16 .



( 2 ) الخروج عن الأرضيات

يصور هذا القسم الهزيمة بواسطة العدو القادم بجيشه من الشمال كما لو حدث زلزال ( اضطراب ع 22 ) اهتزت له الأرض ، ويوضح تأثيره على الشعب ، والمفهوم اللاهوتى لهذه الهزيمة .

الرجوع إلى الله لا يكفى ترك الوثنية ، وإنما يتطلب انتزاع محبة الأرضيات من قلوبهم . الأرتباط بالأرض يحول الإنسان بكليته إلى أرض وتراب .

" اجمعى من الأرض حزمك أيتها الساكنة فى الحصار " ع 17 .

الإنسان الذى قبل بإرادته أن يكون أسيرا لمحبة العالم ، يخرج كما من العالم فى مذلة ، لا يحمل من كل ما اقتناه وتعبد له إلا القلة القليلة أو العدم ليخرج من العالم كأسير فى مذلة وعار !

" لانه هكذا قال الرب : هانذا رام من مقلاع سكان الارض هذه المرة ( فى هذا الوقت عينه ) ،

واضيق عليهم لكي يشعروا " ع 18 .

لقد انتهى وقت الإنذارات المتكررة ، وجاء وقت التأديب ، لهذا يلقى الله بشعبه فى السبى كمن يلقى بحجر من مقلاع ، كأنه بلا قيمة ، ويذهب بلا رجعة !

هذا هو حال كل نفس ترتبط بالأرض لا بخالقها ، يحملها الخالق كما بمقلاع ليلقى بها خارج الأرض التى أوجدها لأجلها ! من يتعبد للأرضيات عوض تقديم الشكر لواهبها يفقد حتى هذه الأرضيات !

تعاتب مملكة يهوذا المنهارة بنيها الذين حطموها وهربوا ، ورعاتها الذين صاروا فى بلادة ، قائلة :

" خيمتي خربت وكل اطنابي قطعت ،

بنيّ خرجوا عني وليسوا،

ليس من يبسط بعد خيمتي ويقيم شققي " ع 20 .

أخشى أن ينطبق علينا قول إرميا النبى ( ع 20 ) ، بعدما نصير فى الرب خيمة مقدسة نعود فنخربها ، ونقطع ربطها ، فيتحول البنون العاملون لحساب الخيمة إلى طاقات للهدم .



( 3 ) قبول تأديبات الرب
" عرفت يا رب انه ليس للانسان طريقه ،

ليس لانسان يمشي ان يهدي خطواته ،

ادبني يا رب ، ولكن بالحق لا بغضبك لئلا تفنيني " ع 23 ، 24 .

كان إرميا النبى مقتنعا بأن الشعب كان يمكنه – إن أراد – أن يصحح خطأه ، لكنه لم يرد ذلك ، فصار خطأه بلا علاج .

يليق بنا أن نؤمن أن ذاك الذى خلق العالم لأجلنا من حقه أن يوجهنا ، ويملك علينا ، لا ليتسلط علينا ، وإنما لكى يشكلنا ، فنحمل صورته ، ونصير على مثاله ، ونتأهل أن نكون أولادا له ، نرث ملكوته ونشترك فى أمجاده الأبدية .

إنه يحزن على الإنسان الذى يرفض أن يقبل الله ميراثا له ، ويقدم حياته نصيبا للرب ، إنما يطلب غير الله نصيبا . إنه يعاتبه ، قائلا : " ليس كهذه نصيب يعقوب ، لأنه مصور الجميع ، وإسرائيل قضيب ميراثه ، رب الجنود اسمه " ع 16 .

كأن الله يؤكد أنه حتى فى تأديباته لا يطلب ما لنفسه بل ما لبنيان شعبه ومجده .

هذا وتستحق كل الأمم غير المؤمنة العقوبة كما تستحق مملكة يهوذا أيضا ذات العقوبة لأنها :



أ – لا تعرف الرب ... عرفت مملكة يهوذا الرب بفكرها لا بحياتها .

ب – لم تدع باسمه ... صارت مملكة يهوذا أيضا تدعو الحجارة والخشب آلهة لها .

جـ - تأكل أولاده ويفنوهم ويخربوهم ، إذ ثارت مملكة يهوذا على رجال الله واضطهدتهم + + +
إرميا – الإصحاح الحادى عشر

العهد المكسور



فى الإصحاحات [ إرميا 11 – 20 ] تحتوى على منطوقات نبوية تكشف عن الرسالة الخاصة بهزيمة الجيش وما يلحق البلاد من دمار . غالبا نطق بها فى أيام الملك يهوياقين ( 605 – 598 ق . م . ) .

فى الإصحاحين 11 ، 12 يوضح الله سر غضبه على خطاياهم ألا وهو نقضهم للعهد معه . فهو يريد أن تكون معاملاته مع شعبه على مستوى الأب مع بنيه ، والعريس مع عروسه المحبوبة لديه ، الساكنة معه فى بيته ( ع 15 ) ، وليس كسيد آمر ناه .

يعتبر هذا الإصحاح مقدمة لهذا القسم ، فيه يعلن أن الله وشعبه قد التزما بعهد ، فيه يقدم الله نفسه إلها لهم ، يحميهم ويغنيهم ، لكن ليس بدون التزام من جانبهم .



( 1 ) كسر العهد الإلهى

إذ قارن فى الإصحاح السابق بين عبادة الله الحى والعبادة الوثنية عاد بذاكرتهم إلى العهد الإلهى الذى قطعه الرب مع شعبه ، حين دخل موسى فى شركة مع الله لمدة أربعين يوما ، وقد التحف بسحابة القداسة السماوية وهو على قمة جبل سيناء .

الآن بعد أن تمت المواعيد الإلهية ، وعاش الشعب فى أرض الموعد زمانا هذه مدته ، صدر عليهم الحكم الإلهى بتأديبهم ، وطردهم من الأرض ليعيشوا تحت السبى فى مذلة وعار ، لأنهم فضلوا عنه عبادة البعل . لقد أعطاهم فرصا كثيرة لعلهم يتوبون فلا يستوجبون السقوط تحت التأديب . أما وقد أصروا على عدم التوبة فحتما يؤدبون ، وإن صرخوا لا يسمع لهم ، لأن صراخهم غير صادر عن شعور بالخطأ ، ولا لطلب التوبة ، وإنما لمجرد إنقاذهم من التأديب . لقد أرضوا ضمائرهم وبطونهم بتقديم ذبائح لله ، لا للمصالحة معه وتجديد العهد معه ، ولا لإعلان حبهم له .

بعد قرون طويلة تكرر الأمر فى كنيسة كورنثوس حينما أساء الشعب استخدام الإفخارستيا وما يليها من وجبات الأغابى ، إذ قيل : " فحين تجتمعون معا ليس هو لأكل عشاء الرب ، لأن كل واحد يسبق فيأخذ عشاء نفسه فى الأكل ، فالواحد يجوع والآخر يسكر ، أفليس لكم بيوت لتأكلوا فيها وتشربوا ؟! أم تستهينون بكنيسة الله وتخجلون الذين ليس لهم ؟! 1 كو 11 : 20 – 22 .

" الكلام الذي صار الى ارميا النبي من قبل الرب قائلا :

اسمعوا كلام هذا العهد :

وكلموا رجال يهوذا وسكان اورشليم " ع 1 ، 2 .

يرى البعض أن النبى يشير هنا إلى الملك يوشيا والشيوخ الذين أكدوا ولاءهم للعهد المقام بين الله وشعبه على جبل حوريب بسيناء ، العهد الذى سجل فى درج ( كتاب ) ، ووجد فى الهيكل أثناء الإصلاح ، وقد ارتبطوا به وتعهدوا أن يتمموا كلماته المكتوبة ( 2 مل 23 : 3 ) . فالحديث هنا موجه إلى مندوبين من قبل الملك .

ما المقصود بـ " الكلام " هنا إلا " الكلمة " الذى كان عند الله منذ البدء ؟ - التى قال عنها يوحنا الإنجيلى : " فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " .

رجال يهوذا هم نحن ، لأننا مسيحيون ، وجاء المسيح من سبط يهوذا . إذا كنت قد أوضحت من خلال الكتاب المقدس أن كلمة يهوذا يقصد بها السيد المسيح ، فإن رجال يهوذا فى هذه الحالة لن يكونوا اليهود الذين لا يؤمنون بالسيد المسيح ، وإنما نحن كلنا الذين نؤمن به .

يخاطب الكلمة " رجال يهوذا " و " سكان أورشليم " .

يتعلق الأمر هنا بالكنيسة ، لأن الكنيسة هى مدينة الله ، ومدينة السلام ، وفيها يتراءى ويعظم سلام الله المعطى لنا ، إذا كنا نحن أيضا أبناء سلام .

" اسمعوا كلام هذا العهد :

وكلموا رجال يهوذا وسكان اورشليم ، فتقول لهم هكذا قال الرب اله اسرائيل.

ملعون الانسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد الذي أمرت به آباءكم "

من الذى يسمع أفضل لكلام العهد الذى أمر الله به الآباء ؟ هل الذين يؤمنون به ، أم الذين – بحسب الأدلة الموجودة عندنا – لا يؤمنون حتى بموسى حيث أنهم لم يؤمنوا بالرب ؟ يقول لهم المخلص : " لو كنتم آمنتم بموسى لآمنتم بى أنا أيضا ، لأنه تكلم عنى فى كتبه ، ولكن إن كنتم لا تؤمنون بكتاباته ، فكيف تؤمنون بكلامى ؟ " إذا لم يؤمن هؤلاء الناس بموسى ، أما نحن ، فبإيماننا بالسيد المسيح ، نؤمن أيضا بالعهد الذى " أقيم بواسطة موسى ، أى " العهد الذى أمرت به آباءكم " .

" ملعون الإنسان الذى لا يسمع كلام هذا العهد " ع 3 .

هزيمة الشعب ( أو إنهيار أورشليم ) لا تعنى أن الله قد نقض العهد ، وإنما هى إعلان إلهى عن عدم وفاء الشعب بشروط العهد ، فسقطوا تحت اللعنة .

إن كانوا قد سقطوا فى اللعنة بسبب عدم الطاعة للعهد ، فإن العيب ليس فى الناموس بل فى عدم ختان آذانهم ، أما العهد فليس ثقيلا ، والوصية ليست مستحيلة ، العهد ممكن وعذب ، يحمل الملامح التالية :



أولا : عهد حرية
يقول : " يوم أخرجتهم من أرض مصر " ع 4 . أخرجتهم من العبودية ليعيدوا بفرح وبهجة قلب ( خر 5 : 1 ) . هو عهد خروج إلى حياة الحرية والفرح ، فلماذا يكسرونه ؟

ثانيا : عهد راحة

غاية هذا العهد أن يخرجهم كما من كور مصر ، من وسط النيران ليدخل بهم إلى ندى راحته . عتقهم من المسخرين العنفاء ، لا ليعيشوا فى رخاوة بلا عمل ، إنما لينالوا بركة العمل . بمعنى آخر خرجوا من كور المسخرين ليقبلوا العمل لحساب الله حسب إرادته ، لا كثقل يلتزمون به كرها ، بل بركة من قبل الله . إذ يقول : " واعملوا به حسب كل ما آمرتكم به " ع 4 ... يستبدل عمل السخرة المر بالعمل لحساب الله الممتع !

" يقول كلام هذا العهد الذى أمرت به آباءكم يوم أخرجتهم من أرض مصر من كور الحديد ، قائلا : اسمعوا صوتى " ع 4 ، 5 .

كور الحديد هى فرن ترتفع فيها الحرارة جدا لصهر الحديد ، الأمر الذى لا تحتاج إليه كثير من المعادن .

استخدم حزقيال النبى ذات التشبيه قائلا : " من حيث أنكم كلكم صرتم زغلا ، فلذلك هأنذا أجمعكم فى وسط أورشليم ؛ جمع فضة ونحاس وحديد ورصاص وقصدير إلى وسط كور لنفخ النار عليها لسكبها كذلك أجمعكم بغضبى وسخطى وأطرحكم واسبككم ، فأجمعكم وانفخ عليكم فى نار غضبى فتسبكون فى وسطها " حز 22 : 19 – 21 .

يشبه خروجهم من مصر كمن يخرج من النار ، من كور الحديد ، لا ليعيرهم بأنه خلصهم من النار ، وإنما بعد إخراجهم يطلب الدخول معهم فى العهد . كأن الله لا يستغل ضيقتهم ليأمر وينهى ، وإنما ليدخل معهم خلال الحوار الودى فى عهد أبوى مملوء حبا . فى هذا العهد يقدم نفسه إلها منسوبا لأولاده :

" فتكونوا لى شعبا ، وأنا أكون لهم إلها " ع 4 .



ثالثا : عهد يلتزم به الله بقسم
لم يأت هذا العهد مصادفة ، ولا يمثل أمرا ثانويا ، لكنه موضوع يهم الله نفسه ، فيقيم نفسه شاهدا على العهد بقسم . لم يقم خليقة سماوية أو أرضية للشهادة ، ولا ائتمنهم على ذلك ، بل أقسم بذاته أن يحقق وعوده ، قائلا :

" لأقيم الحلف الذى حلفت لآبائكم .... " ع 5 ، ليبث فيهم روح الثقة أنه يحقق لهم وعوده الصادقة والأمينة .



رابعا : عهد مبادرة بالحب
يقول : " مبكرا " ع 7 ، وكأن الله هو المبادر بالحب ، وهو الذى يبكر لتوقيع الميثاق ، إنه لا يتأخر فى تحقيق مواعيده . إن يتأخر فلأجل إعطائنا فرصة لرجوعنا إلى نفوسنا ، ومراجعتنا لحساباتنا . وعودتنا إليه حتى لا نهلك .

أمام هذا العهد الإلهى العجيب المملوء حبا وحنوا انحنى إرميا برأسه ، بل وبكل كيانه ليردد مع آبائه " آمين يارب " ع 5 . هذا ما نطق به الشعب حين سمع بركات الطاعة للوصية وقبول العهد ، ولعنات العصيان وكسر العهد ( تث 27 ) فى خضوع انحنى إرميا ليقبل من يد الله تأديباته لشعبه حتى إن بدت قاسية .

" فاجبت وقلت : آمين يارب " ع 5 .

لا نعجب إن رأينا الكنيسة المنتصرة قد اقتنت نفس الروح ، هذه التى تدربت على دروس الحب ، بل اقتنت فى داخلها مسيحها كلى الحب ، فإنه إذ دان الله الزانية العظيمة التى أفسدت الأرض بزناها وانتقم لدم عبيده من يدها ودخانها يصعد إلى أبد الآبدين ، صرخت قائلة : " آمين هلليلويا " رؤ 9 : 1 – 3 .

ما معنى كلمة آمين يارب ؟ أى : " آمين يارب أن الذى لا يسمع كلام هذا العهد يصير ملعونا " .

" فقال الرب لي.ناد بكل هذا الكلام في مدن يهوذا وفي شوارع اورشليم قائلا.اسمعوا كلام هذا العهد واعملوا به " ع 6

إننا ننادى بكلام الرب حتى للذين هم فى الخارج لندعوهم إلى الخلاص .

" لاني اشهدت على آبائكم اشهادا يوم اصعدتهم من ارض مصر الى هذا اليوم مبكرا ومشهدا قائلا :

اسمعوا صوتي.

فلم يسمعوا ولم يميلوا اذنهم ، بل سلكوا كل واحد في عناد قلبه الشرير.

فجلبت عليهم كل كلام هذا العهد الذي أمرتهم ان يصنعوه ولم يصنعوه " ع 7 ، 8 .

يعود بذاكرتهم إلى بدء لٌقامة العهد ، حيث خانه الشعب منذ اللحظات الأولى ، حين نزل موسى من الجبل يحمل معه لوحى العهد اللذين كتبهما الله بأصبعه . عوض السحابة المقدسة السماوية التى عاش فيها موسى أربعين يوما نزل إلى جو فاسد حيث وجد الشعب يتعبد للعجل الذهبى ، يسجدون له ويذبحون ( خر 23 : 7 ، 8 ) . أرتجفت يداه " وطرح اللوحين من يديه وكسرهما فى أسفل الجبل " ( خر 32 : 19 ) . هكذا أعلن موسى النبى عن خيانتهم للعهد منذ اللحظات الأولى ، وها هو إرميا يشهد على أبنائهم أنهم سلكوا طريق آبائهم : خيانة العهد .

" وقال الرب لي : توجد فتنة بين رجال يهوذا وسكان اورشليم.

قد رجعوا الى آثام آبائهم الاولين الذين ابوا ان يسمعوا كلامي ،

وقد ذهبوا وراء آلهة اخرى ليعبدوها ،

قد نقض بيت اسرائيل وبيت يهوذا عهدي الذي قطعته مع آبائهم.

لذلك هكذا قال الرب.هانذا جالب عليهم شرا لا يستطيعون ان يخرجوا منه ويصرخون اليّ فلا اسمع لهم " ع 9 – 11 .

مع عجزهم عن الهروب من الضيقة التى سقطوا فيها صرخوا لله لا للرجوع إليه بالتوبة ، وإنما لمجرد مساندتهم .. تركهم يلجأون إلى الآلهة الغريبة ليدركوا عجزها ، لهذا لم يسمع لهم ، ولا سمح لإرميا النبى أن يشفع فيهم .

" وانت فلا تصل لاجل هذا الشعب ولا ترفع لاجلهم دعاء ولا صلاة لاني لا اسمع في وقت صراخهم اليّ من قبل بليتهم " ع 14 .

سبق فطلب منه ألا يصلى لأجلهم ولا يلح عليه ( إر 7 : 16 ) . وقد رأينا أن الله يسر بأن يرى قلب إرميا متسعا بالحب ، وألا يكف عن الصلاة بلجاجة من أجل شعب الله . لكنه يريد تأكيد أن الأمر قد صدر بتأديبهم ، وهو لخيرهم وخلاصهم ، فلا يطلب النبى رفع التأديب عنهم .



( 2 ) ما لحبيبتى فى بيتى ؟
رفض الأستماع للشعب كما للنبى فى أمر ما لا يعنى رفضه لشعبه ، فهم بالنسبة له " المحبوبة " التى يريدها أن تقيم فى بيته ، لا أن تدنسه وتخربه . فى وسط هذا المر يعاتبها مذكرا إياها بمركزها الذى نالته خلال العهد الذى تحطمه بإرادتها ، قائلا لها :

" ما لحبيبتي في بيتي ؟

قد عملت فظائع كثيرة ،

واللحم المقدس قد عبر عنك.

اذا صنعت الشر حينئذ تبتهجين " ع 15 .

إن كنت تعتزين بالهيكل المقدس أنه فى أورشليم ، فإنك وأنت المحبوبة لى قد عملت فظائع كثيرة ، من ٌقامة مذابح للأوثان وأصنام ، وممارسة الرجاسات ، وتقديم الأطفال محرقات للأوثان . هذا من جانب ، ومن جانب آخر عوض تقديم الذبائح قدمتى لحما . إذ يقصد باللحم المقدس الذبائح التى تقدم فى الهيكل ، فإنها ليست فى عينيه ذبائح للمصالحة أو محرقات حب ، بل هى لحم للأكل ، كما سبق فقال : " ضموا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحما " إر 7 : 21 . وعوض التوبة عن هذه الشرور تبتهجين وتفتخرين بالشر !

يكمل عتابه لمحبوبته ، قائلا :

" زيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة دعا الرب اسمك.

بصوت ضجة عظيمة اوقد نارا عليها فانكسرت اغصانها ،

ورب الجنود غارسك قد تكلم عليك شرا من اجل شر بيت اسرائيل وبيت يهوذا الذي صنعوه ضد انفسهم ليغيظوني بتبخيرهم للبعل " ع 16 ، 17 .

الضجة العظيمة هنا هى ضجة الجيوش المعادية المجتازة البلاد . إنه فى مرارة يؤدبها كما بنار .

كان تشبيه الشعب بزيتونة خضراء جميلة غرسها الله بنفسه مألوفا ، حيث كان شجر الزيتون مغروسا فى دائرة الهيكل . مصدر هذا التشبيه هو مزمور 52 : 10 ، وقد اقتبسه الرسول بولس فى رو 9 .

هذه التى غرسها الرب تحترق بنار لأنها اعتزلته ورفضت عمله فيها . وأرتكبت الشرور بعبادة البعل لإغاظة الرب .



( 3 ) اعترافات إرميا
يدعو البعض هذه المراثى الشخصية لإرميا ( 11 : 18 – 12 : 6 ) " اعترافات إرميا " وإن كان البعض يراها " شكاوى إرميا " .

ينفرد إرميا النبى بين الأنبياء فى حفظه مجموعة من الصلوات تقدم نظرة غير عادية عن حياة النبى الداخلية ، كما لم يقدم أى سفر نبوى مجموعة من الشكاوى مثل هذا السفر . حقا لقد عانى الأنبياء من الشعب ، لكنهم لم يقدموا تفاصيل مثل إرميا .

يرى بعض الدارسين أن اعترافات إرميا بصيغة الفرد نطق بها باسم الشعب كله ، تعبر عن مرارة نفوسهم وسط الآلام ، إذ كانوا يستخدمونها فى العبادة الجماعية .

ويبدا إرميا النبى اعترافاته ، قائلا :

" والرب عرفنى فعرفت .

حينئذ أريتنى أفعالهم " ع 18 .

كشف له الرب عن المؤامرة التى دبروها لهلاكه ، كشفها له ذاك الذى سبق فأكد له وهو بعد ولد : " لا تخف من وجوههم لأنى أنا معك لأنقذك يقول الرب " 1 : 8 .

الله هو الفاحص القلوب والكلى ( ع 20 ) ، كأنه يقول إن كانوا فى خداع قد خططوا سرا لقتلى ، لكن فى الواقع الأمر خدعوا أنفسهم لأنهم لم يدركوا أن الله فضح خطتهم لى ، وما فعلوه ليس لهلاكى بل لهلاكهم .

لم يعرف إرميا أعمالهم فقط ، وإنما ما هو أعظم عرف مركزه الجديد ، أنه صار رمزا لحمل الله الذى يساق للذبح من أجل خلاص الغير ، فيترنم قائلا :

" وانا كخروف داجن يساق الى الذبح ،

ولم اعلم انهم فكروا عليّ افكارا ،

قائلين لنهلك الشجرة بثمرها ،

ونقطعه من ارض الاحياء فلا يذكر بعد اسمه " ع 19 .

كلمة " خروف " فى العبرية هنا استخدمت 116 مرة فى العهد القديم ، كلها فيما عدا خمس حالات استخدمت كذبيحة ، لذلك ترجم البعض كلمة " يساق إلى الذبح " أو " يساق كذبيحة " مع أن الكلمة العبرية تعنى الذبح العادى .

حسبوه حملا وديعا ، يقتلوه فلا يذكر بعد اسمه ، ولم يدركوا أنه رمز للسيد المسيح الذى بقتله يملك على القلوب ، ويمزق بصليبه الصك الذى كان علينا ويجرد الرياسات والسلاطين ويشهرهم جهارا ظافرا بهم فى صليبه ( كو 2 : 15 ) . صار رمزا للسيد المسيح الذى قيل عنه : " والرب وضع عليه إثم جميعنا ، ....... " إش 53 : 6 – 8

" ... ونقطعه من أرض الأحياء ، فلا يذكر بعد اسمه " ع 19 .

ظنوا أن بقتله يقطعونه ( السيد المسيح ) من أرض الأحياء ، فينساه العالم ، ولا يذكر اسمه بعد ، ولم يدركوا أنه القيامة واهب الحياة ، وأن بفعلهم هذا حول السيد أرضنا – وادى الموت – إلى أرض الأحياء .

رفع إرميا قلبه نحو الله ، قائلا :

" فيا رب الجنود القاضي العدل فاحص الكلى والقلب ،

دعني ارى انتقامك منهم ،

لاني لك كشفت دعواي " ع 20 .

يدعو الله " فاحص الكلى والقلوب " ع 20 ، أى يعرف شخصية الإنسان فى أعماقها ( الكلى ) ومشاعره ( القلب ) .

" لذلك هكذا قال الرب عن اهل عناثوث الذين يطلبون نفسك قائلين ،

لا تتنبأ باسم الرب فلا تموت بيدنا.

لذلك هكذا قال رب الجنود :

هانذا اعاقبهم.يموت الشبان بالسيف ويموت بنوهم وبناتهم بالجوع.

ولا تكون لهم بقية ،

لاني اجلب شرا على اهل عناثوث سنة عقابهم " ع 21 – 23 .

يحاول الأشرار منع أولاد الله من الشهادة للحق ، " قائلين : لا تتنبأ باسم الرب فلا تموت بيننا " ع 21 . وكما حدث مع القديسين بطرس ويوحنا إذ " دعوهما وأوصوهما أن لا ينطقا البتة ولا يعلما باسم يسوع ، فأجابهم بطرس ويوحنا وقالا : إن كان حقا أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله فأحكموا ، لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا " أع 4 : 18 – 20 ، هكذا حاول أقرباؤه – أهل عناثوث – منعه من الشهادة للحق ، وقد أصروا على قتله ، فإذا بهم يفقدون بنوهم وبناتهم بالسيف كما بالجوع !

+ + +

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://om-alnour.yoo7.com
 
إرميا - الإصحاح التاسع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» إرميا – الإصحاح التاسع عشر
» إرميا – الإصحاح التاسع والثلاثون
» إرميا – الإصحاح الرابع
» إرميا – الإصحاح السادس
» إرميا – الإصحاح الثانى عشر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ام النـــــــــــور :: منتدى الكتاب المقدس :: دراسات فى العهد القديم-
انتقل الى: