ام النـــــــــــور
<a href="http://www.9ory.com" target=_blank><img border="0" src="http://up101.9ory.com/v/10/05/01/10/19114774950.gif"></a>
ام النـــــــــــور
<a href="http://www.9ory.com" target=_blank><img border="0" src="http://up101.9ory.com/v/10/05/01/10/19114774950.gif"></a>
ام النـــــــــــور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ام النـــــــــــور

ام النـــــــــــــور هو المنتدى الخاص بكنيسة السيدة العذراء بيجام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 إرميا – الإصحاح الخامس عشر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


ذكر السرطان عدد المساهمات : 183
تاريخ الميلاد : 30/06/1997
تاريخ التسجيل : 21/12/2009
العمر : 27

إرميا – الإصحاح الخامس عشر Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الخامس عشر   إرميا – الإصحاح الخامس عشر I_icon_minitimeالخميس فبراير 04, 2010 6:14 pm

إرميا – الإصحاح الخامس عشر

الشفاعة المرفوضة

يكمل هذا الإصحاح الحديث عن التأديب بالقحط ، حيث يؤكد الرب حتمية هذا التأديب بسبب إصرار الشعب مع القادة على الشر ، رافضا كل شفاعة عنهم ، حتى إن قدمها موسى وصموئيل النبيين .



( 1 ) الشفاعة المرفوضة
" ثم قال الرب لي وان وقف موسى وصموئيل امامي لا تكون نفسي نحو هذا الشعب.

اطرحهم من امامي فيخرجوا " ع 1 .

نحن نعلم أن شفاعة النبى لدى الله من أجل الشعب كانت عملا أساسيا فى حياته ، لذا أراد الله تأكيد صدق نبوة إرميا بالرغم من عدم قبول شفاعته فى أمر رفع التأديب ، لأنه وإن تشفع موسى وصموئيل النبيين لن تقبل شفاعتهما فى ذلك الحين ، ولن يسمح للشعب أن يقف أمامه . كأن عدم قبول شفاعة إرميا ليس علتها ضعف فى شخصه أو فى عمله ، وإنما فى إصرار الشعب على عدم التوبة .

ذكر المزمور 99 : 6 موسى وصموئيل كشفعاء عظماء يستجيب الله صلواتهم .

لم يكن هذان النبيان شفيعين فحسب ، بل كانا أيضا وسيطين فى إقامة عهد بين الله والشعب .

ذكر هذين النبيين له معنى خاص بالنسبة لإرميا النبى ، إذ كان ينظر إليهما كنموذجين حيين لخدمته ، حاسبا نفسه خلفا فى سلسلة الأنبياء .

الله الذى يسر بوحدتنا وصلاتنا لبعضنا البعض يرفض أحيانا حتى شفاعة قديسيه متى رأى فينا تهاونا بخلاصنا ، فإنه لا يستطيع إنسان ما أن يفدينا .



( 2 ) التأديب

" ويكون اذا قالوا لك الى اين نخرج ؟

انك تقول لهم :

هكذا قال الرب :

الذين للموت فالى الموت ،

والذين للسيف فالى السيف ،

والذين للجوع فالى الجوع ،

والذين للسبي فالى السبي " ع 2 .

يتساءل الشعب : " إلى أين نخرج ؟ " .... نوع من التذمر .

هذه الصور تكشف عن عمل الخطية



يتم التأديب فى إحدى الصور الأربع التالية :

الموت : " أجرة الخطية موت " ( رو 6 : 23 ، تك 2 : 17 ؛ يع 1 : 15 ) .

أو السيف : " نسقط تحت سيف كلمة الله " ( عب 4 : 12 ) .

أو القحط : بالخطية تدخل النفس فى مجاعة وقحط لا إلى الخبز المادى ، بل إلى كلمة الله ، فلا تجد شبعا فى الكلمة ولا عذوبة ، وكما قيل :

" هوذا أيام تأتى يقول السيد الرب أرسل جوعا فى الأرض ، لا جوعا للخبز ولا عطشا للماء ، بل لأستماع كلمات الرب .... " عا 8 : 11 – 13

أو السبى : أخيرا بالخطية نسقط تحت سبى إبليس ، نفقد حرية مجد أولاد الله .

" وأوكل عليهم اربعة انواع يقول الرب:

السيف للقتل ،

والكلاب للسحب ،

وطيور السماء ووحوش الارض للأكل والاهلاك.

وادفعهم للقلق في كل ممالك الارض " ع 3 ، 4 .

اختيار رقم 4 للتأديب يحمل معنى رمزيا ، إذ يشير إلى التراب أو إلى الأرض بكونها ذات أربع اتجاهات ، وكأن ثمر الخطية هو أن يصير الإنسان أرضا ، لا يقدر أن يختبر السمويات .

كأن الإنسان الذى يقبل الخطية فى حياته يصير فريسة لأربعة أمور :

فريسة للموت مع بشاعة الألم حيث تضربه الخطية كما بالسيف .

فريسة للمهانة والخزى ، حيث تسحبه الكلاب على التراب ..

فريسة لطيور السماء ، أى تفترسه الشياطين ، خاصة شيطان الكبرياء .

أخيرا فريسة لحيوانات البرية التى تشير إلى شهوات الجسد ، فتحطمه الشهوات ولا يقدر أن يقاومها .

ربما يتساءل البعض : لماذا يسلمهم الله للهلاك ؟ فيجيب :

" من اجل منسّى بن حزقيا ملك يهوذا ،

من اجل ما صنع في اورشليم " ع 4 .

كان حزقيا رجلا صالحا ، طهر الهيكل من الرجاسات الوثنية ، لكن تبوأ أبنه عرش يهوذا سنة 693 ق.م. وهو ابن اثنتى عشرة سنة ، واشتهر فى أول ملكه بنشر العبادة الوثنية والرجاسات مع العنف وسفك الدماء ، فصار الشعب أشر من الأمم ( 2 مل 21 : 2 – 9 ) . ذكر على وجه الخصوص لأنه كان أشر ملوكهم ، أو لأنه ملك أكثر من غيره ، فلم ينس بعد فى أيام إرميا ( 2 مل 21 : 10 – 15 ) .

هنا تظهر خطورة القائد ، متى تنجس قلبه أفسد المجتمع ، فتصير الصلوات ( بغير التوبة ) مرفوضة ، حتى إن قدمها موسى أو صموئيل أو إرميا . لقد حل غضب الله على الجماعة التى أفسدتها القيادة الشريرة .

" فمن يشفق عليك يا اورشليم ؟

ومن يعزيك ؟ ومن يميل ليسأل عن سلامتك ؟ " ع 5 .

هذا هو عمل الخطية الذى نراه واضحا فى حياة البشرية ، الشعور بالعزلة والوحدة . ليس من يقدر أن يشارك مشاعره الحقيقية ولا من يعزيه ، حتى وإن اجتمع حوله المئات أو الألوف وربما الملايين ، حتى وإن نال شهرة عالمية أو كرامة فائقة .. ففى أعماقه لا يجد من يعزيه ويسأل عن سلامته أو يحييه .

يتساءل إرميا النبى : " من يشفق عليك يا أورشليم ؟ " ع 5 .

إن كنت لا تشفقين على نفسك ؟

تأتى الإجابة كما فى أغلب الأسئلة الواردة فى هذا السفر : " المسيا المخلص ! " .

هو وحده يشفق على الخاطىء ، ويهتم به ويعزيه ، ويرد له سلامه بعمل صليبه . لم يعد أحد يشفق على أورشليم ، أعداؤها يشمتون فيها ، وأبناؤها يهلكون ، وأصدقاؤها يهربون أمام فادحة الخطر الذى لحق بها .



لا تنتظر يا عزيزى أحدا يشفق على أورشليمك الداخلية ، إلا الله الآب الذى أحبك وأسلم ابنه الوحيد للصليب لأجل خلاص نفسك ، فتترنم مع الرسول قائلا :

" الذى لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين ، كيف لا يهبنا أيضا معه كل شىء ؟! " رو 8 : 32 .

يعلق العلامة أوريجينوس على هذه العبارة قائلا :

[ نريد أن نفهم جميع تلك الكلمات المملوءة وعيدا لأورشليم :

" فمن يشفق عليك يا اورشليم ؟

ومن يعزيك ؟ ومن يميل ليسأل عن سلامتك ؟

انت تركتني يقول الرب.

الى الوراء سرت فامدّ يدي عليك واهلكك.

مللت من الندامة.

واذريهم بمذراة في ابواب الارض.

اثكل وابيد شعبي "

لقد وضعتنى هذه الكلمات فى مأزق ، وهو محاولة التوفيق بين صلاح الله ورفضه الرحمة لشعبه .

إذا كانت أورشليم بسبب خطاياها حكم الله عليها بذلك ؟ فمن من الملائكة يمكن أن يشفق عليها ؟

يجب علينا نحن أيضا ألا نشفق على أورشليم ومصائبها ، ولا نحزن على ما أصاب شعبها ، لأنه : " بزلتهم صار الخلاص للأمم ( لنا ) لإغارتهم " رو 11 : 11 . ]

لئلا يظن أحد أن الله يعاقب الشعب كله من أجل خطايا منسى الشخصية يوجه حديثه إليهم كعروس له ، قائلا : " أنت تركتينى " ع 6 . لقد تحالفتى مع منسى وشاركتيه شره .. وانتظرت عودتك لكنك تشبثتى بتركك إياى .

وصفها كعروس خائنة متراجعة أو كمن جعل من نفسه عدوا لله فتقهقر ، ومع ذلك يعمل الله لرجوعها ، قائلا :

" واذريهم بمذراة في ابواب الارض.

اثكل وابيد شعبي .

.لم يرجعوا عن طرقهم.

كثرت لي اراملهم اكثر من رمل البحار.

جلبت عليهم على ام الشبان ناهبا في الظهيرة.

اوقعت عليها بغتة رعدة ورعبات.

ذبلت والدة السبعة ،

اسلمت نفسها.

غربت شمسها اذ بعد نهار.

خزيت وخجلت ،

اما بقيتهم فللسيف ادفعها امام اعدائهم يقول الرب " ع 7 – 9 .

أ – يشبههم بالمحصول الذى ليس فيه حنطة بل كالقش ، متى قام المزارع بتذريتهم يحملهم الريح ويبددهم العاصف ، هكذا تبددوا إلى بابل فى السبى . لا يذريهم فى الحقول بل " فى أبواب الأرض " ، ماذا يعنى هذا ؟ من كان حنطة يستحق الدخول إلى أبواب صهيون الحقيقية ، ليكون فى بيت الرب ، أما من كان قشا فيدخل فى أبواب الهاوية ( إش 38 : 10 ) .

ب – يشبه مملكة يهوذا بسيدة رفضت أن تكون إبنة لله ، ففقدها وصار كمن هو محروم من إبنته . تفقد هى أيضا رجلها وبنيها وتحرم منهم ، فتصير أرملة وثكلى .

جـ - لا يحدث ذلك تدريجيا إنما دفعة واحدة فى وقت الظهيرة ، حتى تصير الأم التى لها سبعة شباب أرملة ، تفقدهم معا فتشتهى الموت ، تصير لها الظهيرة ظلاما ، وكأن النور يفارق عينيها .

جاء فى تسبحة حنة أم صموئيل : " حتى أن العاقر ولدت سبعة ، وكثيرة البنين ذبلت " 1 صم 2 : 5 . وكأن انجاب سبعة بنين يحمل علامات البركة ( را 4 : 15 ) ، وبالتالى فقدانهم فى وقت الظهيرة يحمل معنى اللعنة .

لعله يقصد فقدانهم فى وقت الظهيرة أى فقدانهم فى ظهيرة عمرهم .

بقولـه : " غربت شمسها إذ بعد نهار " ع 9 تشير إلى حالة الحداد ، فقد لبست النساء الملابس السوداء بعد قتل الرجال والأولاد ، حيث صار الكل أرامل .



( 3 ) انهيار نفسية إرميا إلى حين
شعر إرميا النبى بالضعف الشديد ، فمن جهة كانت كلمة الله كنار فى قلبه ، لم يحتمل برقة مشاعره ما سيحل بشعبه من قحط ودمار ، وحين التزم أن ينطق بها ظنه الشعب أنه قاسى القلب ، عنيف ، غير وطنى ، هنا اشتهى إرميا لو لم يولد .

" ويل لي يا امي ،

لانك ولدتني انسان خصام ،

وانسان نزاع لكل الارض.

لم اقرض ولا اقرضوني ،

وكل واحد يلعنني " ع 10 .

حديثه هنا لا يستلزم أن والدته كانت على قيد الحياة ، وأنه يخاطبها ، إنما يعلن بطريقة مجازية كيف أنه إن كان قد دعى للخدمة وهو بعد فى الأحشاء ( 1 : 5 ) ، رفض أيضا منذ البداية . إنها صرخة ليست موجهة إلى امه بل إلى الله الذى دعاه للخدمة .

" لكل الأرض " : لم يصر إرميا إنسان نزاع بالنسبة لكل الأرض ، إلا إذا قلنا أن " كل الأرض " يقصد بها كل أرض اليهودية فقط .

لكن أليس من الأفضل أن نطبق هذا الكلام على السيد المسيح بدلا من إرميا ؟ .

" لم أقرض ولا أقرضونى " : أراد السيد المسيح أن يقرض البشرية حياته ويقترض حياتهم ، يدخل معهم فى ميثاق حب ، يقبلونه ميراثا لهم ، ويقبلهم نصيبا له ، لكنهم رفضوا هذا الميثاق ، وعوض الحب صار " كل واحد يلعننى " ع 10 .



( 4 ) الله يسند نبيه
شدد الرب إرميا ، مؤكدا له أنه تكفيه نعمته ، ففى الضعف يتبين قوة الله .

" إن قال الرب اني احلّك للخير.

اني اجعل العدو يتضرع اليك في وقت الشر وفي وقت الضيق " ع 11 .

ربما يتساءل إرميا : إن كان شعبى قد دخل معى فى خصام ، فماذا يفعل بى العدو ( بابل ) ؟ جاءت الإجابة من قبل الرب أن العدو سيتضرع إليه وقت السبى ويعامله بكل لطف أثناء الضيق . هذا ما حدث إذ طلب نبوخذنصر من القائد أن يعامل النبى بكل لطف ، ويترك له حرية الأختيار إن كان يبقى فى بلده أو يذهب مع المسبيين .



( 5 ) سبى الشعب

" هل يكسر الحديد الحديد الذي من الشمال والنحاس ؟

ثروتك وخزائنك ادفعها للنهب ،

لا بثمن بل بكل خطاياك وفي كل تخومك.

واعبرك مع اعدائك في ارض لم تعرفها ،

لان نارا قد أشعلت بغضبي توقد عليكم " ع 12 – 14 .

كأنه يقول لمملكة يهوذا بكل قياداتها وشعبها : إن كنت تظنين إنك كالحديد ، لكنك لا تقدرين أن تقفى أمام بابل التى جعلتها كحديد قوى ونحاس . لا تستطيعين الوقوف أمام تأديبات الرب . لا تنفعك قوتك ولو كانت كالحديد ، ولا ثروتك أو خزائنك ، فإنها تنهب بيد العدو .. خطاياك تدفعك إلى يد العدو لتساقى إلى أرض السبى ، إلى أرض غريبة لم تعرفيها من قبل ... هذا كله لأنك إقتنيت نار غضبى عوض نار محبتى !

عمل الخطية هو أنه يسحبنا من أرضنا إلى أرض السبى ، ينتزعنا عن أرض الحق لندخل إلى مذلة العبودية التى لا تعرف إلا العنف والكذب والخداع .







( 6 ) تعزيات وسط الآلام
" انت يا رب عرفت.

اذكرني وتعهدني وانتقم لي من مضطهديّ.

بطول اناتك لا تأخذني.

اعرف احتمالي العار لاجلك.

وجد كلامك فأكلته ،

فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي ،

لاني دعيت باسمك يا رب اله الجنود " ع 15 ، 16 .

كان إرميا النبى فى حاجة إلى تعزيات سماوية وسط المر الذى يعيش فيه ، إذ كان محصورا بين تطلعه إلى شعبه وهو يسقط تحت تأديبات قاسية وربما إلى هلاك أبدى إن أصر على شره ، وبين مقاومة الكثيرين له .



أما تعزيات الله فمصدرها الآتى :

أ – أنه موضوع معرفة الرب : " أنت يارب عرفت " ع 15 .

فى وسط الضعف نشعر كأن الأمور تسير اعتباطا بلا خطة ، لكن إرميا أدرك بإيمانه أن الله يعرف كل شىء ، وليس شىء خفيا عنه . حياته وحياة البشرية كلها فى يد ضابط الكل ، الذى يعرف كيف يحول حتى المر إلى عذوبة .

ب – موضوع تذكر الله ورعايته " اذكرنى وتعهدنى وانتقم لى من مضطهدى " ع 15

كثيرا ما يشعر الإنسان بالعزلة ، وإهمال الكل له ، وعدم مشاركة أحد له ، لكن يكفيه أن يجد الله نفسه يذكره ويتعهده ويدافع عنه ضد مضطهديه .

جـ - طول أناة الله " بطول اناتك لا تأخذني " ، لا يحمل إرميا النبى كراهية ضد إنسان ، وإن طلب النقمة إنما يشتهى تأديب مقاومى الحق لأجل توبتهم ورجوعهم إلى الله ...

د – كلمة الله المفرحة

وسط الآلام المرة ، ومع إدراكه لكلمة الله التى تؤدب كان إرميا فى يقين أنها مصدر فرحه وبهجة قلبه ، إذ يقول : " وجد كلامك فأكلته ، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي ، لاني دعيت باسمك يا رب اله الجنود " ع 16 .

كلمة الله تهب رجاء يفرح القلب .

أكل إرميا النبى كلام الرب ، إذ سبق فأعلن أن الله وضع كلامه فى فمه ( 1 : 9 ) . إشارة إلى قبول الدعوة للخدمة قبولا تاما .

هـ - الألتقاء مع الله

سر تعزية أنه أعتزل مجالس الأشرار المازحين ، الذين يطلبون الفرح الزمنى المملوء مزاحا ليجلس مع الله وحده ، يبكى على خطايا الشعب ويحزن ويغضب بسبب هلاكهم ، دون أن يفقد سلامه وبهجته . إذ يقول :

" لم اجلس في محفل المازحين مبتهجا.من اجل يدك جلست وحدي لانك قد ملأتني غضبا " ع 17 .

المزاح هو عدم الجدية فى اهتمام الإنسان بخلاص نفسه وخلاص الآخرين ، سواء فى عبادته الخاصة أو العامة أو خدمته للغير .

مجلس المازحين هم جماعة الأنبياء الكذبة الذين نطقوا بغير الحق ، وظنوا فى ذلك بهجة وسلاما ، أما إرميا الناطق بالحق فبقى وحده ، إذ تركه الجميع وحسبوه متشائما .. أدرك غضب الله على شعبه فامتلأ حزنا !

من أجل يد الله جلس إرميا وحده وامتلأ بغضب الله ، ويقصد بيد الله هنا الإعلان النبوى أو الكشف عن خطة الله ...

" لماذا كان وجعي دائما ؟!

وجرحي عديم الشفاء يأبى ان يشفى !

أتكون لي مثل ( جدول مياة ) كاذب مثل مياه غير دائمة " ع 18 .

كثيرا ما استخدم إرميا النبى اصطلاحات طبية ، فقد شعر بخطورة المرض الذى أصاب شعبه ، مظهرا تعاطفا شديدا معهم .

والآن يشعر بالجراحات قد أصابته هو ، ربما بسبب شدة اضطهادهم له ، فصار مريضا وجريحا ، جرحه عديم الشفاء . إنه لا يعاتب الشعب الذى اضطهده ، وإنما فى مرارة نفسه ودالة الحب يعاتب الله الذى أرسله للخدمة ، قائلا له : " لماذا ؟ " ربما فى جسارة يعاتبه : " أتكون لى مثل كاذب ، مثل مياة غير دائمة " ... فقد سخر به الكل ، وبدى كأنه قد هزم مع أن الله وعده بالنصرة والحماية الدائمة ... بقوله " مثل " يؤكد إرميا أن الله لم يخدعه ولن يكون كمجرى ماء كاذب ، لكن هكذا ظهر الله فى عينى أعداء إرميا الذين عيروه .



( 7 ) الله يشدد إرميا النبى
يجيب الله على إرميا بخصوص الأسئلة السابقة ، قائلا :

" لذلك هكذا قال الرب.ان رجعت ارجعك فتقف امامي ،

واذا اخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون.

هم يرجعون اليك وانت لا ترجع اليهم " ع 19 .

إن كان إرميا النبى قد شعر أن جرحه دائم وبلا شفاء ، فإن الله يقدم له الحل أو الدواء وهو : " إن رجعت أرجعك فتقف أمامى " ع 19 .

تمس هذه الإجابة حياة كل مؤمن تراجع عن الله فى ضعف أو بسبب خطيته ، لكن يبقى الله يدعوه للعودة إليه ، فإن له موضعه فى حضن الآب .

بلا شك لم يتراجع إرميا عن رسالته تماما ، فقد عاش مخلصا لها ، لكن ربما مرت به لحظات ضعف كإنسان .

إخراج الثمين من المرذول يعنى إخراج نفوس مقدسة مبررة كانت قبلا مرذولة بسبب خطاياها ، فإنه ليس أعظم من أن يهتم إنسان بخلاص إخوته ويحولهم من الإنحطاط بالخطية إلى التمتع ببر المسيح .

عندما يكون لسانك مثل لسان المسيح ، عندما يكون فمك مثل فم الآب ، عندما تصير هيكلا للروح القدس ، أى كرامة تعادل هذه الكرامة ؟!

" واجعلك لهذا الشعب سور نحاس حصينا ،

فيحاربونك ولا يقدرون عليك ،

لاني معك لاخلّصك وانقذك يقول الرب.

فانقذك من يد الاشرار ،

وافديك من كف العتاة " ع 20 ، 21 .

هنا يقدم الله لإرميا وعودا بتجديد قوته .

إن كان الله قد أقام إرميا النبى ليبكت الخطاة فليذكر إرميا أنه هو نفسه محتاج إلى الخلاص والفداء !

هذا ومن جانب آخر حين أعلن إرميا لله إيمانه أنه يذكره ويتعهده وينتقم له من مضطهديه ( ع 15 ) ، جاءت الإجابة الإلهية :

" فانقذك من يد الاشرار ، وافديك من كف العتاة " .

كأن الله يجيبه : لا تتطلع إلى إمكانياتك البشرية المجردة ، ولا تنظر على أعدائك ، بل إلى عملى معك وبك وفيك ... إنى أنقذك من يد الأشرار وأفديك من كف العتاة .
إرميا – الإصحاح السادس عشر

منعه من الزواج



إذ كانت الكارثة التى ستحل بالشعب مرة للغاية طلب منه ألا يتخذ لنفسه إمرأة ولا يكون له بنون ولا بنات ، لكى لا يقيم فى بيت خاص به ( ع 1 – 4 ) ، ولا يذهب إلى بيت حزن ( ع 5 –7 ) ، أو بيت وليمة ( ع 8 ، 9 ) ، بسبب السبى الذى يحل بالشعب . بهذا صارت حياة إرميا مرآة يرى من خلالها الشعب صورة عملية لما سيحل بهم من تأديبات إلهية وحرمان ! وكأن الله قدم إرميا نفسه وسيلة إيضاح ، يشهد بكلماته كما بسلوكه عن حكم الله عليهم .



( 1 ) حياة إرميا مرآة لحياة الشعب

" ثم صار اليّ كلام الرب قائلا :

لا تتخذ لنفسك امرأة ولا يكن لك بنون ولا بنات في هذا الموضع.

لانه هكذا قال الرب عن البنين وعن البنات المولودين في هذا الموضع ،

وعن امهاتهم اللواتي ولدنهم ،

وعن آبائهم الذين ولدوهم في هذه الارض :

ميتات امراض يموتون.

لا يندبون ولا يدفنون بل يكونون دمنة على وجه الارض ،

وبالسيف والجوع يفنون ،

وتكون جثثهم أكلا لطيور السماء ولوحوش الارض " ع 1 – 4 .

يرى البعض أن الآيات 1 – 9 تمثل قطعة شعرية ، فيها يتحدث الله مع إرميا بخصوص حياته وحياة الشعب .

امتنع كلا من إرميا النبى والرسول بولس عن الزواج ، لكن أهدافهما كانت مختلفة . امتنع إرميا النبى عن الزواج بأمر إلهى لكى لا تكون له زوجة وأبناء ، أما بولس الرسول فامتنع اختيارا لكى يكرس كل وقته وطاقاته للعبادة وخدمة الكلمة ( 1 كو 7 : 7 ، 26 ، 32 – 34 ) .

يظن البعض أن إرميا سبق أن تزوج وماتت زوجته بعدما أنجبت ، وقد منعه الله من الزواج الثانى ، بينما يرى آخرون أنه منعه من الزواج فى عناثوث فقط ، إذ قال له : " فى هذا الموضع " ع 1 . وسمح له بالزواج فى موضع آخر .

على أى الأحوال إذ سلم الأنبياء الحقيقيون حياتهم بين يدى الله تكلم بها على ألسنتهم وخلال حياتهم ، فكانوا يتنبأون بالعبارات النبوية والرؤى والأمثال كما بحياتهم ، نذكر على سبيل المثال :

زواج هوشع بزانية ( هو 1 – 3 ) يكشف عن خيانة الشعب لله وارتكابه الزنا الروحى بعبادة الأوثان وما يتبعها من رجاسات .

عدم مشاركة حزقيال فى جنازة زوجته ( حز 24 : 15 – 27 ) حيث لم يذرف عليها دمعة ولا نطق بكلمة حزن يعلن عن تدمير الشعب ، العروس المحبوبة لدى الله ، دون أن تجد من يبكيها .

بقولـه : " ميتات أمراض يموتون " ع 4 ، يعنى معاناتهم من أمراض كثيرة بسبب الحروب بوجه عام ، خاصة أثناء الحصار ، كما بسبب الجوع ، وأيضا معاناتهم من الآلام والمتاعب ، مع حالة من الرعب تؤدى بهم إلى الموت .

يعتبر عدم دفن الموتى وترك الجثث لكى تأكلها طيور السماء ووحوش البرية من ابشع أنواع اللعنات التى يسقط تحتها الإنسان ( تث 28 : 26 ) ، يزيدها لعنة أنهم لا يجدون من يندبونهم أو يبكون عليهم .

يمكن تصور المنظر هكذا أن الشوارع تمتلىء بالجثث بغير مبالاة ، فتترك طعاما للطيور الجارحة والحيوانات المفترسة ولا يوجد من يبكى الموتى ، لأنه لا يوجد من هو حى .

" لانه هكذا قال الرب :

لا تدخل بيت النوح ولا تمض للندب ولا تعزهم ،

لاني نزعت سلامي من هذا الشعب يقول الرب الاحسان والمراحم " ع 5 .

طلب منه ألا يدخل بيت النوح ، هذه الكلمة ظهرت مرة أخرى فى عا 6 : 7 فقط ، وهى تشير إلى اجتماع دينى لغرض جنائزى – يحدث فيه تصرفات منحلة .

انسحاب إرميا النبى عن المشاركة فى ولائم الجنازات يشير إلى انسحاب الله نفسه ورجاله عن حياة الشعب الذى أعطاه القفا لا الوجه . يسحب الله عنهم أربعة أمور :

أ – يسحب سلامه .

ب – يسحب انتسابه إليهم ..

جـ - يسحب عنهم إحسانه ....

د – ينزع عنهم مراحمه ..

بانسحاب إرميا عن الحياة العامة يعلن انسحاب الله نفسه بسلامه واحساناته ومراحمه فيسقطوا تحت اللعنة والحرمان والأمراض والخزى والموت !

" فيموت الكبار والصغار في هذه الارض، لا يدفنون ولا يندبونهم ،

ولا يخمشون ( يجرحون ) انفسهم ولا يجعلون قرعة من اجلهم " ع 6

هذه عادات وثنية تمنعها الشريعة لأنها مرتبطة بعبادة الإله الكنعانى البعل موت .. يبدو أن هذه العادات قد انتشرت فى إسرائيل على نطاق واسع .

" ولا يكسرون خبزا في المناحة ليعزوهم عن ميت ،

ولا يسقونهم كاس التعزية عن اب او ام " ع 7 .

هذه عادة أن يقدم المعزون الأكل والشراب ( القهوة ) لأسرة الميت ، لأنهم فى حالة حداد ، فى الطقس اليهودى المتأخر كان يقدم كأس تعزية ، وهو كأس خمر خاص يشربه رئيس الحزانى .

" ولا تدخل بيت الوليمة لتجلس معهم للأكل والشرب " ع 8 .

جاء " بيت الوليمة " هنا مقابل " بيت الحزن " كما جاء فى جا 7 : 22 ، غالبا ما يقصد به الأحتفال بالعرس .

الخلاصة أن الله يطالبنا ألا نجامل إنسانا على حساب الحق الإلهى وخلاص نفوسنا أو نفوس الآخرين .

" لانه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل.

هانذا مبطل من هذا الموضع امام اعينكم وفي ايامكم

صوت الطرب وصوت الفرح ،

صوت العريس وصوت العروس " ع 9 .

هنا نبلغ إلى جوهر القطعة الشعرية حيث يتحدث الله مع شعبه مباشرة .

تحولت البلاد التى رفضت الله الحى إلى أشبه بمقبرة لا يقام فيها ولائم مفرحة ، ولا يسمع فيها صوت طرب روحى ولا مراسيم زواج ، إنها حالة النفس التى يريد الرب أن يقيم فيها ملكوته ، ملكوت الفرح الحقيقى ، مملكة النور ، فإذا بها تصر أن تكون مملكة الظلمة والمرارة الفاقدة لكل بهجة قلب !

هنا يلزمنا ألا نتجاهل موقف إرميا النبى الذى يتقبل حكمة الرب بتسليم كامل دون تساؤل : إلى متى يكون هذا ؟!



( 2 ) اعتزال الحياة اليومية
" ويكون حين تخبر هذا الشعب بكل هذه الامور انهم يقولون لك :

لماذا تكلم الرب علينا بكل هذا الشر العظيم ؟

فما هو ذنبنا وما هي خطيتنا التي اخطاناها الى الرب الهنا ؟

فتقول لهم :

من اجل ان آباءكم قد تركوني يقول الرب ،

وذهبوا وراء آلهة اخرى وعبدوها وسجدوا لها ،

واياي تركوا وشريعتي لم يحفظوها.

وانتم اسأتم في عملكم اكثر من آبائكم ...

وها انتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتى لا تسمعوا لي.

فاطردكم من هذه الارض الى ارض لم تعرفوها انتم ولا آباؤكم ،

فتعبدون هناك آلهة اخرى نهارا وليلا حيث لا اعطيكم نعمة " ع 10 – 13 .

هذه العبارات ( ع 10 – 13 ) فى الواقع هى مرثاة صغيرة فى شكل أسئلة ( ع 10 ) يتبعها نطق بحكم على شعب يهوذا ( ع 11 – 13 ) .

من الجانب الأدبى تستخدم هذه الطريقة فى مواضع أخرى مثل تث 29 : 21 – 27 ، 1 مل 9 : 8 – 9 ، حيث تستخدم ثلاثة عناصر :

أ – سؤال بخصوص حكم يصدر .

ب – إجابة وتوضيح أن الحكم التأديبى بسبب جحود الشعب .

ج – تقرير عن الكارثة التى بسببها أثير التساؤل .

يجيب الله على سؤال الشعب هكذا :

أ – العقاب قادم لأن آباءكم تركوه .

ب – أم ما يفعلوه ليس بأفضل مما فعله آباؤهم ، بل أشر .

ج – لم ينتفعوا بخبرة آبائهم ومعاملات الله معهم .

هذا لا يعنى أن الله يدينهم من أجل آبائهم ، وأنهم بلا عذر ، إنما لأنهم سلكوا فى ذات الطريق فصارت الخطية تمثل خطية جماعية تجتاز عبر العصور .



( 3 ) خروج جديد
" لذلك ها ايام تأتي يقول الرب :

ولا يقال بعد حيّ هو الرب الذي اصعد بني اسرائيل من ارض مصر ،

بل حيّ هو الرب الذي اصعد بني اسرائيل من ارض الشمال ومن جميع الاراضي التي طردهم اليها ،

فارجعهم الى ارضهم التي اعطيت آباءهم اياها " ع 14 ، 15 .

تكرر هذا القول فى إر 23 : 7 – 8 مع اختلاف بسيط .

يعلن الله هنا أمرين :

أ – أن التأديب أو العبودية فى أرض السبى أكثر مرارة مما كان فى أرض مصر ..

ب – يقدم لهم أيضا رجاء أنهم سيعودون من السبى فى خروج جديد ، حتى متى سقطوا تحت قسوة التأديب لا ييأسوا ، ولا يظنوا أن السبى هو النهاية ، وإنما هناك عودة إلى أرض الموعد .

تعبير " حى هو الرب " هو قسم كان يمارسه اليهود يشيرون به إلى الله إله الخروج من مصر ، لكن إذ يختبروا خروجا جديدا يغيرون صيغة القسم .



( 4 ) الفرح بالخلاص المسيانى
بعد أن تحدث عن الفرح بالعودة من السبى ، دخل بنا إلى الفرح الحقيقى فى العهد الجديد حيث قدم لنا السيد المسيح كلمة الخلاص خلال تلاميذه ، ويكمل هذا الفرح بالأكثر عندما تحملنا الملائكة إلى اللقاء مع الرب فى اليوم الأخير ، إذ يقول :

" هانذا ارسل الى جزافين كثيرين يقول الرب فيصطادونهم ،

ثم بعد ذلك ارسل الى كثيرين من القانصين فيقتنصونهم عن كل جبل وعن كل اكمة ومن شقوق الصخور.

لان عينيّ على كل طرقهم.

لم تستتر عن وجهي ولم يختف اثمهم من امام عينيّ

واعاقب اولا اثمهم وخطيتهم ضعفين،

لانهم دنسوا ارضي وبجثث مكرهاتهم ورجاساتهم قد ملأوا ميراثي " ع 16 – 18 .

التشبيه الخاص بدعوة صيادى سمك للصيد بين شعب يهوذا شائع كما فى حز 12 : 13 ، 29 : 4 – 5 .

وأيضا صيادى الحيوانات الذين يصطادون حتى من شقوق الصخور كان معروفا ، كما جاء فى عا 9 : 1 – 4 .

يقصد بالتشبيهين أن عينى الله تنظران إلى كل شىء حتى ما يبدو مخفيا فى وسط البحار أو فى شقوق الصخور ، وأنه لا بد من المجازاة عن الشر أينما أرتكب .

يرى العلامة أوريجينوس أن الجازفون هم تلاميذ المسيح ، الذين اصطادوا النفوس ودخلوا بها إلى شبكة الكنيسة الملقاة فى بحر هذا العالم لتعيش كالسمك الصغير مع السمكة الكبيرة " المسيح نفسه " : " هلم ورائى فأجعلكما صيادين للناس " .

أما القانصون فهم الملائكة الذين يجتذبون المؤمنين الذين صاروا كالجبال والأكمة وتمتعوا بشقوق الصخور فصار لهم حق اللقاء مع عريسهم السماوى فى اليوم الأخير .

عندما تكون قد خرجت من البحر وأخذت فى شباك رسل السيد المسيح ، تغير فى نفسك وأترك البحر وامحه تماما من ذاكرتك ، ثم تعال إلى الجبال التى هى الأنبياء ، وعلى الأكمة التى هى الأبرار ، واقض هناك حياتك ، حتى متى جاء موعد رحيلك من هذه الحياة ، يرسل إليك صيادين من نوع جديد وهم الملائكة الذين يستلمون أرواح الأبرار ، فهم مكلفون باستلام الأرواح الموجودة على الآكام وليس الأرواح المائتة المطروحة إلى أسفل .

يقدم الرب تعليلا لتأديبهم ، قائلا : " لأنهم دنسوا أرضى " ع 18 .

ينسب الله القدوس لنفسه هذه الأرض التى وهبها لشعبه ، لذا لاق بهم أن يسلكوا فيها كما يليق بصاحبها القدوس ، فتكون أرضا مقدسة ، وتصير لهم أمانا .

يليق بكل ما ينسب للقدوس أن يكون مقدسا : ملائكته وكل الطغمات السمائية ، المؤمنون به ، هيكله ، الأوانى المستخدمة فيها ، المذبح ... الخ .

حتى الأرض التى يقدمها لشعبه ! ويحسب الله كل تدنيس أو افساد لقدسية هذه الأمور إهانة موجهة إليه شخصيا ! كل تدنيس لجسدك الذى هو هبته لك كهيكل لروحه القدوس ... إنما هى خطية موجهة ضد الله .

كثيرا ما يتساءل الشباب : لماذا يحسب الله الفكر الشهوانى خطية ؟ أو لماذا يعتبر الزنا خطية مادامت برضى الطرفين وليس من يصيبه ضررا فى المجتمع ؟ الأجابة أن فكرك كما جسدك وجسد الغير هو مركز ملكوت الله القدوس ، حتى الفكر الخفى الشرير إن قبلته بتهاون وتراخ فيه إساءة إلى مقدسات الله . عندما يمر بك فكر شرير قل لنفسك : " لا تدنس أرض الرب المقدسة ! " .

" يا رب عزي وحصني وملجإي في يوم الضيق ،

اليك تأتي الامم من اطراف الارض ويقولون :

انما ورث آباؤنا كذبا واباطيل وما لا منفعة فيه.

هل يصنع الانسان لنفسه آلهة وهي ليست آلهة.

لذلك هانذا اعرّفهم هذه المرة ،

اعرّفهم يدي وجبروتي فيعرفون ان اسمي يهوه " ع 19 – 21 .

يختتم هذا الإصحاح بقطعة شعرية رائعة تتحدث عن خلاص الشعب من السبى ، وفى نفس الوقت عن خلاص الأمم وقبولهم الإيمان فتكون لهم معرفة حية بالله مخلصهم .

يكشف إرميا النبى عن عظمة خلاص الله ، الأمر الذى يشد انتباه كل الأمم فيدركوا أن ما حدث لم يكن عن قوة بابل عندما سبت يهوذا ولا عن ضعفها عندما تحرر الشعب كله ( إسرائيل ويهوذا ) ، وإنما هى خطة الله ضابط التاريخ ، فى يده كل أمور البشرية .



يقول العلامة أوريجينوس : [ هلموا لنرى ماذا تقول النبوة عنا : " يا رب عزي وحصني وملجإي في يوم الضيق ، اليك تأتي الامم من اطراف الارض ويقولون : انما ورث آباؤنا كذبا واباطيل وما لا منفعة فيه" ع 19 .

جاءت الأمم من أطراف الأرض ، كيف " من أطراف الأرض " ؟ يوجد على الأرض أناس أولون ويوجد أيضا أناس آخرون ، حكماء هذا العالم وأغنياؤه هم الأولون وليسوا أولين على كل شىء .

ومن هم الآخرون ؟ : " واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود " ( 1 كو 1 : 28 ) .

إذا " الامم من اطراف الارض " . كأنه يقول : إن تلك الأمم مكونة من الأدنياء والمزدرى بهم والجهال والناس الآخرين على الأرض .

" ويقولون : انما ورث آباؤنا كذبا واباطيل وما لا منفعة فيه " : ليس أن يوجد أصنام صادقة عكس الأصنام الكاذبة المذكورة فى الآية ، وإنما يقصد بها الأصنام عموما ، التى بطبيعتها كاذبة ولا يوجد فيها منفعة ] .

" هذه المرة " ماذا يقصد بـ " هذه المرة ؟ يقصد بها المجىء التالى للرب ، خاصة لأنه يضيف بعد ذلك : " فيعرفون أن اسمى يهوه " .

+ + +

إرميا – الإصحاح السابع عشر

خطايا يهوذا



بين الحين والآخر يكشف الله لنا لا عن خطورة الخطية وفاعليتها فحسب ، وإنما يعلن عنها فى تفاصيلها كما عن أثرها فى أعماق افنسان وطبيعته ، حتى نحذر منها فنهرب إليه ، بكونه الطبيب والدواء ، يستطيع وحده أن يجدد طبيعتنا ويهبها الشفاء !



( 1 ) الخطية المحتلة للقلب
قبل أن يحدثنا عن أهم الخطايا التى سقط فيها هذا الشعب ، والتى نسقط نحن فيها بصورة أو أخرى صور لنا خطورة هذه الخطايا بكونها تحتل القلب نفسه الذى كان يلزم أن يكون هيكلا لله ، وتنحت على قرون المذبح الداخلى ، فتفوح رائحة الدنس فينا عوض رائحة المسيح الذكية .

" خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد ،

براس من الماس ،

منقوشة على لوح قلبهم وعلى قرون مذابحكم " ع 1

تنطبق هذه الخطية على الشعب اليهودى ... هذا تفسير سهل ..

وتنطبق على خطية يهوذا الأسخريوطى ...

ألا تنطبق هذه النبوة علينا نحن بالأكثر ؟

لقد أخطأنا وخطيتنا لم تكتب خارجا عنا ، إنما فى قلوبنا ، كتبت بقلم من حديد وبرأس من الماس .

" كذكر بنيهم مذابحهم وسواريهم عند اشجار خضر على آكام مرتفعة " ع 2

السارية هى عمود خشب مستقيم يثبت على الأرض بجوار المذبح ، وهو يمثل آلهة الخصوبة ، هذه التى من أجلها وبخ الله شعبه قائلا : " قائلين للعود أنت أبى " إر2 : 72 . كنوع من السخرية ، لأنها مؤنث ويخاطبونها كأب لا كأم ، أى فقدوا روح التمييز الطبيعى .

أما ثمر تلك النجاسات والرجاسات فهو :

" يا جبلي في الحقل ،

اجعل ثروتك كل خزائنك للنهب ومرتفعاتك للخطية في كل تخومك ،

وتتبرأ وبنفسك عن ميراثك الذي اعطيتك اياه ،

واجعلك تخدم اعداءك في ارض لم تعرفها ،

لانكم قد اضرمتم نارا بغضبي تتقد الى الابد " ع 3 ، 4 .

على ضوء ما سبق الإشارة إليه بخصوص ارتباط الوثنية بالرجاسات يرى بعض الدارسين أن الثروة والخزائن هنا إشارة إلى أعضاء الذكر بشىء من السخرية ، حيث كان معتقدهم هكذا . إذ عبدوها صار الجزاء من ذات النوع ، حيث خصى الأعداء رجالهم العظماء حتى لا ينجبوا أولادا يمكن أن يفكروا فى العودة إلى أرض الموعد كميراث لهم ، بل يبقى المخصيون عبيدا لسادتهم ، الأمر الذى يمس وجودهم ذاته . هكذا لم تهبهم عبادتهم قوة الإنجاب ومقاومة الموت بل انهيارا وتحطيما وموتا !



( 2 ) الإتكال على ذراع بشرى

أول خطية تهاجم الإنسان هى اعتزاله الله مصدر حياته متكئا على ذراعه البشرى أو الأذرع الأخرى .

" هكذا قال الرب :

ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان ،

ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه.

ويكون مثل العرعر في البادية ولا يرى اذا جاء الخير بل يسكن الحرّة في البرية ارضا سبخة وغير مسكونة.

مبارك الرجل الذي يتكل على الرب وكان الرب متكله " ع 5 ، 7 .

لعله لهذا الهدف يسمح الله لنا بالضيقة حتى تتبدد أمامنا كل الأذرع البشرية ونجد الله هو الملجأ الوحيد لنا .

وكما يقول القديس جيروم :

[ أتريد أن يسمع لك الرب متحننا ؟ أدعوه وأنت فى الضيق فيجيبك مترفقا . فإنه لا يقدر الإنسان أن يدعو الرب لمعونته إلا وهو فى الضيق ، حيث يكون ذراع الإنسان بلا قيمة ] .

إذا كان إرميا النبى يتحدث عن التأديب بالقحط ، لذا أوضح أن من يتكل على ذراع بشرى يصير كنبات العرعر الذى يظهر فى منطقة العربة ، هذا الذى سرعان ما يصير كالقش الجاف . أما الذين يتكلون على الله فينالون ثمرا حتى فى فترة الجفاف أو القحط :

" ويكون ( المتكل على الجسد ) مثل العرعر في البادية ( الصحراء ) ،

ولا يرى اذا جاء الخير ،

بل يسكن الحرّة في البرية ارضا سبخة وغير مسكونة.

مبارك الرجل الذي يتكل على الرب ، وكان الرب متكله ،

فانه يكون كشجرة مغروسة على مياه وعلى نهر ،

تمد اصولها ولا ترى اذا جاء الحرّ ،

ويكون ورقها اخضر ،

وفي سنة القحط لا تخاف ولا تكف عن الاثمار " ع 6 – 8 .



( 3 ) القلب نجيس !
" القلب اخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه.

انا الرب فاحص القلب مختبر الكلى ،

لاعطي كل واحد حسب طرقه حسب ثمر اعماله " ع 9 ، 10 .

نطق الرب بهذه الكلمات أولا لكى يعطى راحة لإرميا النبى الذى كان يئن بسبب سقوط الشعب تحت السبى .

كأن الله يقول له : تعال وانظر إلى أعماق القلب الذى أنا وحدى أعرفه ، إنه نجيس ! إنه مستحق للموت ! فالتأديب هو لصالحهم ، كى يطلبوننى فأنزع عنهم فساد قلوبهم !



( 4 ) الإرتباط بالأرضيات
إذ يتحدث فاحص القلوب عن قلب الإنسان معلنا أنه نجيس يكشف عن سر نجاسته وفساده ، ألا وهو ارتباطه بالأرضيات عوض انطلاقه نحو الأبديات . يطلب الغنى لا فيما يليق بالقلب كهيكل الله المقدس ، إنما بأمور العالم الزائلة وشهوات الجسد المؤقتة ، فيكون أشبه بالحجلة التى تحتضن بيضا ليس لها ، فتتعب فى الاحتضان وتضم ما ليس لها ، وفى النهاية تظهر أنها سلكت عمرها كله بحماقة .

" حجلة تحضن ما لم تبض ،

محصل الغنى بغير حق ،

في نصف ايامه يتركه ،

وفي آخرته يكون احمق " ع 11 .

غالبا ما كان هذا شائعا فى ذلك الحين ، يقصد به أنه إذ يظن الإنسان أنه يملك لكنه وهو يتعب ويشقى يخسر الكثير ويتركه الغنى وهو بعد فى العالم فى منتصف أيامه ، أما فى آخرته فيدرك أنه سلك بحماقة .

الحجلة هى طائر برى يسمى " المنادى " ، إنها صاحبة أصوات لكن بلا عمل حق ! هكذا الغنى فى جهاده المر من أجل التمتع بالغنى ماديا أو الشبع جسديا يكون كمن يعطى صوتا بلا عمل ، لأنه يترك كل شىء ويخرج عريانا من هذا العالم .

الحجلة التى تحتضن ما لم تبض هى إبليس الذى يبسط شباكه خلال الهراطقة فيقتنص فى أحضانه البسطاء ، هؤلاء هم الذين ليسوا من خليقته ولا مولودين منه ، إنه يقتنيهم بالخداع والدنس . لا يقدر إبليس أن يقول : " خرافى تسمع صوتى " يو 10 : 7 ، لأنها ليست خرافه بل هى خراف الله الناطقة التى يسحبها من مصدر حياتهم ويحسبها أولادا له . وللأسف فإن الحجلة قد اغتنت جدا ، لكنها تركتهم فى نصف أيامها حين جاء السيد المسيح إلى العالم وسحب المؤمنين من حضن إبليس ، وأما فى نهاية أيامها فتظهر بالأكثر حماقتها .

إن سر رجاء المؤمن : الأتحاد بالقدوس السماوى واهب الحياة .

يقول النبى :

" كرسي مجد مرتفع من الابتداء هو موضع مقدسنا.

ايها الرب رجاء اسرائيل ،

كل الذين يتركونك يخزون.

الحائدون عني في التراب ( الأرض ) يكتبون ،

لانهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية " ع 12 ، 13 .

كرسى الله أو عرشه مرتفع ومجيد وفى نفس الوقت حال فينا ، ليس بعيدا عنا ، بل فى داخلنا . إن كانت الكلمة العبرية المقابلة " لمرتفع " تشير إلى السماء ، وكلمة " مقدسنا " تشير إلى هيكل أورشليم وملحقاته كما إلى المقادس السماوية ( مز 68 : 36 ) ، فإن الله المرتفع مجده فى السماء هو فينا ، ونحن به نصير مقدسا سماويا . إنه ليس ببعيد عنا ، بل نزل إلينا ، ونحن لسنا بعيدين عنه إذ يرفعنا إلى سمواته .



( 5 ) الله مخلصنا من الخطية
إذ تحدث عن الخطية بكونها احتلت القلب حيث كان يليق أن يكون ملكوتا لله ، مظهرا أهم خطايا يهوذا من اتكال على ذراع بشرى ونجاسات والتصاق بالتراب ، شعر النبى بأنه لا يستطيع أحد أن يخلص ما لم يتدخل الله نفسه ، لهذا صرخ قائلا :

" اشفني يا رب فاشفى.خلصني فاخلص لانك انت تسبيحتي " ع 14 .

يعلن إرميا النبى باسم الشعب أنه قد وجد الشفاء ، بل والخلاص حيث المجد ، بل والتسبيح أى الفرح مع السمائيين .... وجد هذا كله فى الله مخلصه .

يقول العلامة أوريجينوس تأتى بعد ذلك صلاة أخرى ، تقول كلماتها :

" اشفني يا رب فاشفى ،

خلصني فاخلص لانك انت تسبيحتي ،

ها هم يقولون لي اين هي كلمة الرب ؟ لتأت !

أما انا فلم اعتزل عن ان اكون راعيا وراءك ولا اشتهيت يوم البلية.

انت عرفت " ع 14 – 16 .

كل إنسان يريد أن يشفى من أمراض الروح والنفس عليه أن يطلب من الطبيب الأوحد الذى جاء خصيصا من أجل المرضى ، والذى قال : " لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى " بذلك يمكن للمريض أن يطلب فى ثقة ويقول : " اشفنى يارب فأشفى " .



" ها هم يقولون لي اين هي كلمة الرب ؟ لتأت ! " ع 15 .

يوجد فى كل عصر أشرار يستهينون بطول أناة الله ويسخرون بمواعيده ومحبته كما بتأديباته ظانين أنها مجرد كلمات أو أوهام لن تتحقق :

" قد طالت الأيام وخابت كل رؤيا " حز 12 : 22 .

لعل إرميا النبى قد أدرك أن المخلص هو " كلمة الرب " ، إذ يقول : " ها هم يقولون لي اين هي كلمة الرب ؟ لتأت !" ع 15 . إذ يطلبون الخلاص يسألون عن كلمة الرب لكى يأتى إليهم فيتبعونه . إنه وحده الذى يهبهم الراحة .

يقدم إرميا النبى صلاة لله ، طالبا حمايته من مقاومى الحق ، قائلا :

" لا تكن لي رعبا .

انت ملجإي في يوم الشر.

ليخز طارديّ ولا اخز انا ،

ليرتعبوا هم ولا ارتعب انا.

اجلب عليهم يوم الشر واسحقهم سحقا مضاعفا " ع 17 ، 18 .

من جهة وعود الله تشكك الأنبياء الكذبة وأتباعهم فيها ، بينما آمن بها إرميا النبى ... هذا سبب ضيقا ومقاومة منهم . وها هو يقف مختفيا فى الرب نفسه الذى يدعوه " ملجأى " ، وقد دعى الرب هكذا 11 مرة فى سفر الكزامير كما فى مزمور 46 : 2 .

هكذا لا يخاف المؤمن من الأشرار المقاومين له ، ولا حتى من عدو الخير إبليس ، مهما كانت قوته .



( 6 ) كسر السبت
طالب الله إرميا النبى أن يقف فى باب " بنى الشعب " ع 19 . يرى البعض أنه باب " بنيامين " ، وهو باب خاص بالمدينة ( 37 : 13 ، 38 : 7 ) ، وإن كان البعض يرى أنه يتحدث عن باب خاص بالهيكل كان يدخل منه ويخرج منه الشعب ، ليقف بعد ذلك فى كل أبواب أورشليم ( ع 19 ) .



طالبه أن يوجه حديثه إلى ملوك يهوذا:

" هكذا قال الرب لي.اذهب وقف في باب بني الشعب الذي يدخل منه ملوك يهوذا ويخرجون منه وفي كل ابواب اورشليم " ع 20 .

لماذا يقول " ملوك يهوذا " وليس " ملك يهوذا " ؟ يرى البعض أنه يقصد بالملوك هنا كل الشعب كمقابل للكهنة ، ربما لأن كل واحد صار كملك يريد أن يتسلط ويسيطر ، ليس من يقبل أن يسمع أو يطيع ! .

يطالبهم بحفظ السبت ( كباكورة لتقديس أيامنا فتصير كلها للرب ) .. لأجل حياتهم لأنها صارت فى خطر ، إذ يقول " تحفزوا بأنفسكم " ع 21 . فلا يحملوا فيه حملا ولا يمارسون عملا ( خر 20 : 10 ، تث 5 : 14 ) ، هذا من الجانب السلبى ، أما من الجانب الإيجابى فيقول : " قدسوا يوم السبت " ع 22 ، أى اسلكوا فى نقاوة قلب وقدسية حياة .

إذ يقدس الشعب يوم الرب تجتذب نفوس كثيرة من كل جانب كعابدين حقيقيين للرب يقدمون محرقات حب وذبائح شكر مع ذبائح وتقدمات عن الخطايا والضعفات ليتمتعوا بالمصالحة مع الله :

" ويأتون من مدن يهوذا ومن حوالي اورشليم ومن ارض بنيامين ومن السهل ومن الجبال ومن الجنوب يأتون بمحرقات وذبائح وتقدمات ولبان ويدخلون بذبائح شكر الى بيت الرب " ع 26 .

أما ثمرة العصيان وعدم تقديس السبت فهو :

" ولكن ان لم تسمعوا لي لتقدسوا يوم السبت لكي لا تحملوا حملا ولا تدخلوه في ابواب اورشليم يوم السبت فاني اشعل نارا في ابوابها فتأكل قصورها أورشليم ولا تنطفىء " ع 27 .

السبت هو فرصة لا للخمول والتوقف عن العمل ، بل للتمتع بالعبادة لله القدوس لينعم الكل بشركة الحياة الإلهية ( لا 23 : 3 ، عد 28 : 9 ، 10 ) . وكأن السبت كما يحدثنا عنه سفر اللاويين هو التقاء مع الله خلال العبادة المقدسة والذبيحة ، لا لنكرم الله بعبادتنا ، لكن ما هو أعظم لكى ننعم بعمل الله فينا واهبا إيانا الشركة معه لندخل به إلى قداسته .

+ + +

إرميا – الإصحاح الثامن عشر

مثل الفخارى

بأمر إلهى نزل إرميا النبى إلى واد منخفض ليلتقى هناك بفخارى ، لكى يعلن للشعب كيف أن حياتهم فى يد فخارى سماوى حكيم ، قادر أن يخرج من الطين إناء للكرامة ، حتى إن أدب إنما لكى يقبلوه من يده الخالقة إمكانية تجديدهم ، كما يعمل الفخارى بالطين فيظهر منه عجبا .

عوض التجاوب مع إرميا فكروا جديا فى الخلاص منه كى لا يسمعوا بعد كلمة توبيخ .



( 1 ) إرميا والفخارى المحب
تعتبر مصانع الفخار من الملامح الرئيسية فى العالم القديم ، إذ كانت الأوانى الفخارية أساسية فى الحياة اليومية ، لهذا نجد علماء الآثار مدينين للأوانى الفخارية المكتشفة بلا حصر فى التعرف على ثقافات المدن القديمة وتاريخها .

" الكلام الذي صار الى ارميا من قبل الرب قائلا :

قم انزل الى بيت الفخاري ،

وهناك اسمعك كلامي " ع 1 ، 2 .

قم انزل

بدأ حديثه بقوله : " قم انزل " هذا يحمل أن الأمر عاجل ويحتاج إلى سرعة : " قم " .

ومن الجانب الرمزى أو الروحى فإنه لا يستطيع إنسان ما أن يدرك معاملات الله مع البشر ، خاصة شعبه ، ما لم يختبر القيامة مع المسيح ، أو الحياة الجديدة المقامة .

" قم انزل " أما موسى النبى فقيل له : " اصعد إلى الجبل واستمع " ، لأن كل من يسمع كلمة الله ، يستمع إما إلى معلومات عن الأمور العليا السماوية وبالتالى يلزمه أن يرتفع بأفكاره إلى السماء ليتأمل فيها أو يستمع إلى تعليمات من الرب بخصوص أمور أرضية وبالتالى يلزمه أن ينزل بأفكاره إلى أسفل ليراها .

ما هو بيت الفخارى ؟
إنه كنيسة المسيح ، بيته المقدس ، المقام فى وادى هذا العالم ، لا كمحكمة تدين الخطاة ، وإنما كبيت فخارى يحول الطين إلى أوان مكرمة .



فى بيت الفخارى

يقول إرميا النبى :

" فنزلت الى بيت الفخاري ،

واذا هو يصنع عملا على الدولاب.

ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري ،

فعاد وعمله وعاء آخر كما حسن في عيني الفخاري ان يصنعه.

فصار اليّ كلام الرب قائلا :

أما استطيع ان اصنع بكم كهذا الفخاري يا بيت اسرائيل يقول الرب ؟

هوذا كالطين بيد الفخاري انتم هكذا بيدي يا بيت اسرائيل " ع 3 – 6 .

واضح هنا أن إرميا قد دعى ليقدم رسالة رجاء للشعب ، فيدركوا إمكانياتهم الحقيقية كطين فى يد خالق حكيم قدير . يؤكد الله لهم أنه موجود ومحب ، قادر أن يشكلهم من جديد ، إن أرادوا .

استرعى انتباه إرميا أن الفخارى لا يلهو بالطين أو يلعب به ، إنما يعمل فى جدية عملا هادفا . هكذا حياتنا فى يدى الله – الفخارى السماوى – موضع اهتمامه ، يعمل فى جدية خلال الأفراح والضيقات ، بالترفق تارة ، وبالضغط تارة أخرى ، ليقيم منا آنية مقدسة مكرمة .

" ففسد الوعاء الذى كان يصنعه من الطين بيد الفخارى ..... " ع 5

إنها مسئوليتنا الشخصية عن فسادنا .

احذر إذا لئلا تسقط وتفسد حينما تكون فى يدى الفخارى وهو يشكلك ، ويكون فسادك نتيجة لخطأك .

خلق الله الإنسان صالحا لكنه فسد خلال فساد إرادة الإنسان ، وصار الأمر يحتاج إلى تدخل الفخارى نفسه القادر وحده على إعادة تشكيل الإناء .



( 2 ) الفخارى المؤدب

بدأ أولا برسالة الرجاء ليعلن أننا وإن كنا كطينة بلا قيمة ، لكننا موضع سرور الفخارى القادر أن يحولنا إلى إناء المجد ، الآن يقدم الجانب الآخر ، وهو إن لم نقبل حبه وحنانه ونسلم حياتنا بين أصابعه يقوم بالتأديب لأجل خلاصنا أيضا . إنه يقدم دروسا قاسية لطينة عنيفة ، قائلا :

" تارة اتكلم على امة وعلى مملكة بالقلع والهدم والاهلاك ،

فترجع تلك الامة التي تكلمت عليها عن شرها ،

فاندم عن الشر الذي قصدت ان اصنعه بها.

وتارة اتكلم على امة وعلى مملكة بالبناء والغرس ،

فتفعل الشر في عينيّ فلا تسمع لصوتي ،

فاندم عن الخير الذي قلت اني احسن اليها به " ع 7 – 10 .

أمتان : واحدة تقتلع والأخرى تُغرس !
إن ما حدث فى بيت الفخارى لا يشير من الجانب الرمزى إلى أحداث فردية ( أى إلى قيامة الأفراد ) وإنما يقصد به أمتان أو مملكتان .

من هما هاتان الأمتان ؟

قام الرب بتهديد الأمة الأولى ، وظهر آثار هذا التهديد : فقد تم سبيهم وخربت مدينتهم ، وهدم الهيكل ، ودنس المذبح ، ولم يبق عندهم شيئا من المقدسات التى كانوا يملكونها ، لأن الرب قال لهذه الأمة : إرجعى إلى ، فلم ترجع .

ويتحدث الرب إلى الأمة الثانية عن بنائها وغرسها ، لكنه يرى أن تلك الأمة مكونة من أناس قابلين أيضا للسقوط والفساد ؛ لذلك يهددها ويقول لها : بالرغم من أننى تكلمت عليك فى البداية بالبناء والغرس ، إلا أنك إن أخطأت يحدث لك ما حدث مع غيرك حينما أخطأوا .

إذا : " هوذا لطف الله وصرامته ، أما الصرامة فعلى الذين سقطوا ، أى على الأمة اليهودية التى سقطت ، وأما اللطف فلنا نحن الأمة الأخرى ، إن ثبتنا فى اللطف ،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://om-alnour.yoo7.com
 
إرميا – الإصحاح الخامس عشر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» إرميا – الإصحاح الخامس والثلاثون
» إرميا – الإصحاح الرابع
» إرميا – الإصحاح السادس
» إرميا - الإصحاح التاسع
» إرميا – الإصحاح الثانى عشر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ام النـــــــــــور :: منتدى الكتاب المقدس :: دراسات فى العهد القديم-
انتقل الى: