Admin Admin
عدد المساهمات : 183 تاريخ الميلاد : 30/06/1997 تاريخ التسجيل : 21/12/2009 العمر : 27
| موضوع: إرميا – الإصحاح الرابع والأربعون الخميس فبراير 04, 2010 6:29 pm | |
| إرميا – الإصحاح الرابع والأربعون
نبواته فى مصر
فى هذا الإصحاح يوبخ إرميا النبى اليهود الذين فى مصر بوجه عام وإلى تجمعات خاصة بهم فى البلاد الكبيرة . عوض التوبة اشتركوا فى عبادة الأوثان ، بل واندفعوا فيها ، وظنوا أنها تقدم لهم الكثير . وقدموا تبريرات لممارستهم العبادة الوثنية ، لذلك يعلن الله قضاءه عليهم كما على المصريين الذين اتكلوا عليهم وشاركوهم عبادتهم . لقد نسوا ما حل بآبائهم بسبب انحرافهم إلى الوثنية ولم يأخذوا درسا من الماضى .
( 1 ) موجز الأحداث " الكلمة التي صارت الى ارميا من جهة كل اليهود الساكنين في ارض مصر ،
الساكنين في مجدل وفي تحفنحيس وفي نوف وفي ارض فتروس قائلة :
هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل :
انتم رأيتم كل الشر الذي جلبته على اورشليم وعلى كل مدن يهوذا ،
فها هي خربة هذا اليوم وليس فيها ساكن .
من اجل شرهم الذي فعلوه ليغيظوني ،
اذ ذهبوا ليبخروا ويعبدوا آلهة اخرى لم يعرفوها هم ولا انتم ولا آباؤكم.
فارسلت اليكم كل عبيدي الانبياء مبكرا ومرسلا قائلا :
لا تفعلوا امر هذا الرجس الذي ابغضته.
فلم يسمعوا ولا امالوا اذنهم ليرجعوا عن شرهم ،
فلا يبخروا لآلهة اخرى.
فانسكب غيظي وغضبي واشتعلا في مدن يهوذا وفي شوارع اورشليم ،
فصارت خربة مقفرة كهذا اليوم " ع 1 – 6 .
يتحدث إرميا بكلمة الرب إلى اليهود الذين تشتتوا فى مصر . فإنهم وإن كانوا قد عصوا الرب ، والتجأوا إلى مصر عوض الألتجاء إلى الله بالتوبة ، فإن الله لا يتركهم يهلكون ، إنما يتحدث معهم حتى فى الشتات .
يحذرهم بقوة لئلا يرتكبوا خطايا أسلافهم التى سببت خرابا ودمارا لمدن يهوذا ، خاصة أورشليم . وكأنه لا يلقى اللوم على ملك بابل ولا على إرميا بل على الشعب الذى مارس الشر ( ع 3 ) فدخل تحت الغضب الإلهى ( ع 6 ) .
( 2 ) التنديد والمحاكمة " فالآن هكذا قال الرب اله الجنود اله اسرائيل :
لماذا انتم فاعلون شرا عظيما ضد انفسكم لانقراضكم رجالا ونساء اطفالا ورضعا من وسط يهوذا ولا تبقى لكم بقية ؟! " ع 7
ما قد فعلوه حطمهم وسيحطم الأجيال المقبلة ، إذ دخلوا بأطفالهم والرضع إلى الشر . كأن الله يقول لهم : " إنكم لا تصيبونى بضرر ما ، إنما تضرون أنفسكم وأولادكم . أليست أنفسكم لها وزنها فى أعينكم ؟!
" لاغاظتي باعمال اياديكم اذ تبخرون لآلهة اخرى في ارض مصر التي اتيتم اليها لتتغربوا فيها ،
لكي تنقرضوا ولكي تصيروا لعنة وعارا بين كل امم الارض " ع 8
يوبخهم على استمرارهم فى العبادة الوثنية ، مقدمين بخورا للأوثان . إنهم دفعوا بأنفسهم إلى السقوط تحت التجربة بهروبهم إلى مصر حيث تنتشر العبادة الوثنية ، مقاومين فكر الله . لقد ألقوا أنفسهم بأنفسهم فى أرض الخطية .
" هل نسيتم شرور آبائكم ،
وشرور ملوك يهوذا ،
وشرور نسائهم ،
وشروركم ،
وشرور نسائكم ،
التي فعلت في ارض يهوذا وفي شوارع اورشليم " ع 9
يذكرهم بشرور آبائهم ونسائهم ، هنا يوضح أن الشر كان منتشرا على مستوى الملوك والشعب ، يمارس علانية فى أرض الموعد وفى مدينة الله ، وأوضح أيضا دور النساء فى الإغراء على عبادة الأوثان ، كما حدث مع آخاب وسليمان الحكيم .
" لم يذلّوا الى هذا اليوم ولا خافوا ولا سلكوا في شريعتي وفرائضي التي جعلتها امامكم وامام آبائكم .
لذلك هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل :
هانذا اجعل وجهي عليكم للشر ولأقرض كل يهوذا.
وآخذ بقية يهوذا الذين جعلوا وجوههم للدخول الى ارض مصر ليتغربوا هناك ،
فيفنون كلهم في ارض مصر.
يسقطون بالسيف وبالجوع يفنون من الصغير الى الكبير ،
بالسيف والجوع يموتون ويصيرون حلفا ودهشا ولعنة وعارا.
واعاقب الذين يسكنون في ارض مصر كما عاقبت اورشليم بالسيف والجوع والوبإ.
ولا يكون ناج ولا باق لبقية يهوذا الآتين ،
ليتغربوا هناك في ارض مصر ،
ليرجعوا الى ارض يهوذا التي يشتاقون الى الرجوع لاجل السكن فيها ،
لانه لا يرجع منهم الا المنفلتون " ع 10 – 14
حين كانوا فى يهوذا كانوا يطلبون الذهاب إلى مصر ، وإذ جاءوا إلى مصر يشتهون العودة إلى يهوذا .
فى ع 13 يحدثهم عن معاقبة الذين يسكنون فى مصر ، هنا يشير إلى الحملة التأديبية التى قادها نبوخذنصر عام 568 / 567 ق.م. ،
حتى فى عقاب البقية العاصية سوف يسمح الله لقليل من الناجين بالتسرب إلى يهوذا وبذلك يسمح بالأتصال بين الشعب والأرض .
( 3 ) الرد المخزى للبقية " فاجاب ارميا كل الرجال الذين عرفوا ان نساءهم يبخّرن لآلهة اخرى ،
وكل النساء الواقفات محفل كبير ،
وكل الشعب الساكن في ارض مصر في فتروس قائلين :
اننا لا نسمع لك الكلمة التي كلمتنا بها باسم الرب ،
بل سنعمل كل امر خرج من فمنا ،
فنبخر لملكة السموات ونسكب لها سكائب ،
كما فعلنا نحن وآباؤنا وملوكنا ورؤساؤنا في ارض يهوذا وفي شوارع اورشليم فشبعنا خبزا وكنا بخير ولم نر شرا.
ولكن من حين كففنا عن التبخير لملكة السموات وسكب سكائب لها احتجنا الى كل وفنينا بالسيف والجوع.
واذ كنا نبخر لملكة السموات ونسكب لها سكائب فهل بدون رجالنا كنا نصنع لها كعكا لنعبدها ونسكب لها السكائب ؟! " ع 15 – 19
مما لا يصدقه عقل أن السامعين العصاة ينسبون نجاحهم إلى طقوس العبادات الوثنية التى تمارسها زوجاتهم .
واضح هنا دور نسائهم فى إغراء رجالهن على عبادة الأوثان ( 1 مل 11 : 4 ؛ 1 تى 2 : 14 ) مع استخدام أسلوب التحدى ضد الله ، تحدى النساء على كل المستويات ، من نساء ملوك ورؤساء وعامة الشعب ( ع 16 ) ، ما أصعب أن يتحدى الإنسان الله نفسه !
ملكة السموات : يقصد بها القمر
كانوا يدعون الشمس " ملكا " والقمر " ملكة " .
( 4 ) رسالة إرميا الأخيرة " كلم ارميا كل الشعب الرجال والنساء وكل الشعب الذين جاوبوه بهذا الكلام قائلا :
أليس البخور الذي بخرتموه في مدن يهوذا وفي شوارع اورشليم انتم وآباؤكم وملوككم ورؤساؤكم وشعب الارض هو الذي ذكره الرب وصعد على قلبه؟
ولم يستطع الرب ان يحتمل بعد من اجل شر اعمالكم ،
من اجل الرجاسات التي فعلتم ،
فصارت ارضكم خربة ودهشا ولعنة بلا ساكن كهذا اليوم.
من اجل انكم قد بخرتم واخطأتم الى الرب ،
ولم تسمعوا لصوت الرب ،
ولم تسلكوا في شريعته وفرائضه وشهاداته ،
من اجل ذلكم قد اصابكم هذا الشر كهذا اليوم.
ثم قال ارميا لكل الشعب ولكل النساء :
اسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الذين في ارض مصر.
هكذا تكلم رب الجنود اله اسرائيل قائلا :
انتم ونساؤكم تكلمتم بفمكم واكملتم باياديكم قائلين :
اننا انما نتمم نذورنا التي نذرناها ان نبخر لملكة السموات ونسكب لها سكائب فانهنّ يقمن نذوركم ويتممن نذوركم.
لذلك اسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الساكنين في ارض مصر :
هانذا قد حلفت باسمي العظيم قال الرب ان اسمي لن يسمى بعد بفم انسان ما من يهوذا في كل ارض مصر قائلا حيّ السيد الرب.
هانذا اسهر عليهم للشر لا للخير فيفنى كل رجال يهوذا الذين في ارض مصر بالسيف والجوع حتى يتلاشوا.
والناجون من السيف يرجعون من ارض مصر الى ارض يهوذا نفرا قليلا ،
فيعلم كل بقية يهوذا الذين أتوا الى ارض مصر ليتغربوا فيها كلمة ايّنا تقوم .
وهذه هي العلامة لكم يقول الرب اني اعاقبكم في هذا الموضع لتعلموا انه لا بد ان يقوم كلامي عليكم للشر.
هكذا قال الرب :
هانذا ادفع فرعون حفرع ملك مصر ليد اعدائه وليد طالبي نفسه كما دفعت صدقيا ملك يهوذا ليد نبوخذراصر ملك بابل عدوه وطالب نفسه " ع 20 – 30
يقدم لهم علامة لتأكيد كلماته وهى أنهم إذ يتكلون على فرعون لحمايتهم من ملك بابل ، إذ كانوا يتوقعون منه ما لم يتوقعوه من صدقيا ، لكن باطلا يستطيع أن يحمى حتى عرشه أو نفسه .
لقد ظن اليهود أن مصر بلد حصين ، تحميه حواجز طبيعية ، لن يستطيع عدو أن يقتحمها ، لهذا يؤكد هنا انهيار فرعون حفرع أمام ملك بابل .
يقول المؤرخون أن فرعون هذا مات ميتة شنيعة .
يذكر هيرودت أن قائد جيشه وهو شاب من أقربائه يسمى أحمس تمرد عليه ونصب نفسه ملكا على مصر ، وحاول حفرع أن يهزم أحمس فى معركة فى عام 566 ق.م. ، لكنه قتل ، كما تنبأ إرميا . ولا يعرف إن كان أرميا قد عاش ليرى تحقيق ذلك أم لا ، إذ حدثت القلاقل فى مصر ، ظهر نبوخذنصر هناك .
هذا هو الحديث الأخير لإرميا النبى الذى تم فى مصر ، لم نسمع عنه بعد ذلك شيئا فى الكتاب المقدس ، ولم يخبرنا تلميذه باروخ عن رحيله من العالم ، لكن جاء فى التقليد المسيحى أن اليهود رجموه فى تحفنيس .
+ + + إرميا – الإصحاح الخامس والأربعون
حديث معزى مع باروخ
جاء هذا الإصحاح بعد الإصحاح الرابع والأربعين المشتمل على التهديدات القاسية ضد اليهود فى مصر ، الذين كان من بينهم باروخ الذى حمل إلى مصر قسرا . وكأن هذه الرسالة تقدم استثناء لباروخ مما قيل عن الذين فى مصر .
كان باروخ فى حاجة إلى مساندة إلهية لكى يخلص من حالة اليأس التى تسربت إلى نفسه
مع قصر هذه الرسالة فإنها حديث إلهى مملوء بالرجاء الحى ، موجه إلى كل مؤمن يعمل فى كرم الرب لكى يمتلىء رجاءا ، مهما بدت الظروف قاسية .
إنها رسالة إلهية تعلن عن عنايته التى لن تخيب ، وحبه الشديد للعاملين لحسابه ، ونظراته المملوءة حنانا وترفقا . فإنه يهتم بنفسياتهم كما بكل احتياجاتهم .
( 1 ) تاريخ الحديث من الناحية التاريخية يأتى هذا الإصحاح بعد 36 : 8 ، فالعبارة التالية تشير إلى الكلام الذى أملاه إرميا إلى باروخ وقرىء على الملك يهوياقيم ومستشاريه ثم ألقى فى النار بكل احتقار .
" الكلمة التي تكلم بها ارميا النبي الى باروخ بن نيريا عند كتابته هذا الكلام في سفر عن فم ارميا في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا قائلا " ع 1
( 2 ) حالة إحباط " هكذا قال الرب اله اسرائيل لك يا باروخ.
قد قلت ويل لي لان الرب قد زاد حزنا على المي.
قد غشي علي في تنهدي ولم أجد راحة " ع 2 – 3
يبدو أن باروخ شعر بأن رفض الملك لكلمة الله إهانة موجهة إليه شخصيا ، أو موجهة إليه مع أرميا ، لا إلى الرب الذى أمر بكتابة هذا الكلام على الدرج ، وهذا أوجد عنده شعور بالخيبة والفشل ، لذلك تنهد باروخ ولم يجد راحة . لقد كان مضغوطا بالخوف ولم يقدر أن ينام ، وتثقل بالحزن والألم فدخل فى حالة إحباط .
سبق أن رأينا إرميا النبى يتعرض لنفس المشاعر إلى حين . هذا هو الضعف البشرى الذى يلاحق حتى الأنبياء أحيانا ، لكن الله لا يتركهم بلا عون !
( 3 ) رسالة رجاء إذ استخدم الله باروخ أداة لإعلان مشورته الإلهية إلى الآخرين لا يمكن أن يهمله الرب عندما يدخل فى حالة احباط ، لذلك يوجه الرب إليه الرسالة الخاصة التالية :
" هكذا تقول له :
هكذا قال الرب :
هانذا اهدم ما بنيته واقتلع ما غرسته وكل هذه الارض.
وانت فهل تطلب لنفسك امورا عظيمة ؟! لا تطلب.
لاني هانذا جالب شرا على كل ذي جسد يقول الرب ،
واعطيك نفسك غنيمة في كل المواضع التي تسير اليها " ع 5
إن كان الحكم قد صدر على كل الدول فى ذلك الحين ، لكن جاء الأمر الإلهى مشددا على شعبه ، فقد بناه بنفسه وغرسه ككرم خاص به ، لكن بسبب العصيان قام الله نفسه بهدمه واقتلاعه .
يقدم الرب إلى باروخ كلمة تصلح شعارا لكل واحد منا ، هذه الكلمة هى : " وأنت ، فهل تطلب لنفسك أمورا عظيمة ؟ لا تطلب " . فكم يميل القلب إلى طلب الأمور العظيمة .
كان باروخ رجلا متعلما ، أعد ليكون كاتبا ، وكان أخوه سرايا رئيس المحلة عند صدقيا الملك ( 51 : 59 ) ، لذلك ربما ترجى باروخ أن ينال منصبا فى القصر الملكى لخدمة شعبه ، لكنه يرى كل شىء ينهار أمامه .
لننظر إلى مسيحنا الذى لم يكن له موضع فى المنزل عند ولادته ، استعار الجحش والأتان ليركب عليهما ، كما استعار من إنسان علية لعشاء الفصح ، بينما أقرضه آخر قبره الجديد . قيل عنه : " وأخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن " ( لو 8 : 3 ) . كانت للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار ، أما هو فلم يكن له موضع يسند فيه رأسه ( مت 8 : 10 ) ، قيل عن الآخرين : فمضى كل واحد إلى بيته ، أما يسوع فمضى إلى جبل الزيتون " ( يو 7 : 53 ، 8 : 1 ) ، لأنه لم يكن له بيت هنا . وينطبق عليه تماما القول : " لماذا تكون كغريب فى الأرض وكمسافر يميل ليبيت ؟! " ( إر 14 : 8 ) .
لم يكن له موضع بين العظماء أثناء وجوده بالجسد على الأرض ، بل كان دائما غريبا . كان مرفوضا حتى من خاصته ( يو 1 : 11 ) ، ليتنا نحن أيضا لا نطلب أمورا عظيمة فى هذا العالم ، الأمور العظيمة المختصة بنا آتية عما قريب وهى الأمور الباقية والثابتة ، لأن الأمور التى ترى هى وقتية أما التى لا ترى فهى أبدية ( 2 كو 4 : 18 )
نجد توبيخا لباروخ لشعوره بالأكتئاب فيما يخص مستقبله . حقا سيجىء القضاء ، لكن هذا القضاء لا يمكن أن يمسه بأى سوء ، فليأت السيف ولتأت المجاعة وليأت الوباء ويهلك الكثيرون أما باروخ فيحفظه الرب . وإن هاج الناس عليه لا يمكن أن يصيبه أذى أو سوء ، لأن الرب سند له ! .
+ + + إرميا – الإصحاح السادس والأربعون
ارتعاب مصر الوثنية
تشمل الإصحاحات من 46 إلى 51 نبوات عن الأمم .
( 1 ) دعوة إلى معركة " كلمة الرب التي صارت الى ارميا النبي عن الامم.
عن مصر عن جيش فرعون نخو ملك مصر ،
الذي كان على نهر الفرات في كركميش الذي ضربه نبوخذراصر ملك بابل ،
في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا " ع 1 – 2 .
بقى الجيش المصرى مرابضا فى كركميش ( فى الطريق بين بابل ومصر ) لمدة أربع سنوات ( 609 – 605 ق.م. ) خلالها كان فرعون مسيطرا على سوريا ومصر ، يقيم لهم ملوكا يحركهم كما يشاء كدميات ، أما القوة الرئيسية الأخرى أى البابلية فكانت منشغلة بأمور أخرى ، وأخيرا هجم الجيش البابلى على المصريين فى كركميش لأقتلاعهم تماما .
تصف النبوة ما كان عليه جيش مصر وذلك فى شكل دعوى إلى المعركة موجهة من قادة الجيش المصرى إلى رجالهم الأبطال :
" اعدّوا المجن والترس وتقدموا للحرب.
اسرجوا الخيل واصعدوا ايها الفرسان وانتصبوا بالخوذ.
اصقلوا الرماح.البسوا الدروع " ع 3 – 4 .
طلب القادة أن يعد الكل المجن والترس ، أى يحملوا العدة الحربية بكل احجامها وأنواعها ، وأن يستعد الفرسان وقادة المركبات . فقد عرفت مصر كأفضل مصدر للأنواع الجيدة للخيول ( 1 مل 10 : 28 ) .
( 2 ) ارتعاب مصر " لماذا اراهم مرتعبين ومدبرين الى الوراء وقد تحطمت ابطالهم وفرّوا هاربين ولم يلتفتوا ؟!
الخوف حواليهم يقول الرب.
الخفيف لا ينوص والبطل لا ينجو.
في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا " ع 5 – 6 .
رأى إرميا بروح النبوة كيف انهار جيش فرعون عند هزيمتهم على يدى نبوخذنصر ، فقد كانت الضربة غير متوقعة وذلك بالنسبة للأستعدادات الضخمة التى كانت لجيش فرعون ولكبريائهم وتشامخهم كأعظم قوة عالمية فى ذلك الحين .
( 3 ) كبرياء مصر " من هذا الصاعد كالنيل كانهار تتلاطم امواهها ؟!
تصعد مصر كالنيل وكانهار تتلاطم المياه.
فيقول اصعد واغطي الارض.
اهلك المدينة والساكنين فيها " ع 7 – 8
خطية فرعون هى الكبرياء ، إذ كان بجيشه القوى يظن أنه قادر أن يفعل كل شىء . فى تشامخه ظن أنه كنهر النيل الذى فى فترة فيضانه تمتلىء قنواته كأنهار تجرى حوله لتغطى الأراضى بمياهها وطميها . فى كبرياء يقول فرعون : " نهر لى وأنا عملته لنفسى " حز 29 : 3 .
( 4 ) يوم للسيد الرب " اصعدي ايتها الخيل وهيجي ايتها المركبات ولتخرج الابطال.
كوش وفوط القابضان المجن واللوديون القابضون والمادون القوس.
فهذا اليوم للسيد رب الجنود يوم نقمة للانتقام من مبغضيه ،
فياكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم.
لان للسيد رب الجنود ذبيحة في ارض الشمال عند نهر الفرات " ع 9 – 10 .
إذ يتطلع إرميا النبى إلى المعركة ويرى انهيار فرعون وجيشه مع القوات المرتزقة الذين أستأجرهم ، يدعو ذلك اليوم " يوم للسيد رب الجنود " . إنه ليس كيوم معركة هرمجدون " يوم الله القادر على كل شىء " ( رؤ 16 : 14 ) ، إنما يشبهه .
هو يوم نقمة حيث يسقط فرعون وجيشه مع القوات المرتزقة أو المتحالفة معه القادمة من كوش ( أثيوبيا أو النوبة ) وفوط ( ليبيا ) واللوديون ( أفريقيون غالبا ) .
( 5 ) سقوط مصر " اصعدي الى جلعاد وخذي بلسانا يا عذراء بنت مصر.
باطلا تكثرين العقاقير.
لا رفادة لك.
قد سمعت الامم بخزيك ،
وقد ملأ الارض عويلك ،
لان بطلا يصدم بطلا فيسقطان كلاهما معا " ع 11 – 12 .
إذ سقط جيش فرعون لم يعد يرى النبى فى الجيش أبطالا ، بل رآه كله أشبه بفتاة أو ببنت ضعيفة مجروحة ، جراحاتها خطيرة لا يرجى شفائها .
إنها دعوة إلى الأمم التى يرمز لها بمصر لتترك عقاقيرها الكثيرة وتلجأ إلى كنيسة المسيح ، هناك تتحد مع المخلص الذى يضمد جراحات النفس ويشفيها .
( 6 ) قضاء من بابل " الكلمة التي تكلم بها الرب الى ارميا النبي في مجيء نبوخذراصر ملك بابل ليضرب ارض مصر.
اخبروا في مصر واسمعوا في مجدل واسمعوا في نوف وفي تحفنحيس قولوا انتصب وتهيأ لان السيف ياكل حواليك.
لماذا انطرح مقتدروك ؟!
لا يقفون لان الرب قد طرحهم.
كثر العاثرين حتى يسقط الواحد على صاحبه ويقولوا :
قوموا فنرجع الى شعبنا والى ارض ميلادنا من وجه السيف الصارم.
قد نادوا هناك فرعون ملك مصر هالك.
قد فات الميعاد " ع 13 – 17 .
يرى البعض أن الحديث هنا عن المعركة التى تمت بعد معركة كركميش بحوالى 15 أو 16 عاما حيث جاء ملك مصر بجيشه العظيم لمحاربة نبوخذنصر أثناء حصاره أورشليم ، اضطر نبوخذنصر إلى فك الحصار مؤقتا حتى يحقق نصرته على جيش فرعون ويعود ثانية إلى محاصرة المدينة واقتحامها ( 37 : 1 – 10 ) . بعد عودته إلى بابل تحققت هذه النبوة إذ عاد ليقيم حربا مع مصر ليهزمها تماما ، فصارت بابل القوة العظمى الوحيدة فى العالم فى ذلك الحين ( دا 2 : 37 – 42 ؛ 7 : 4 ) .
يكشف ع 16 عن انهيار الجنود المرتزقة أو المتحالفة مع فرعون فقد أخذوا درسا قاسيا من المعركة ، وقرروا العودة إلى بلادهم ، إذ قالوا : " قوموا فنرجع إلى شعبنا وإلى أرض ميلادنا من وجه السيف الصارم " ( ع 16 ) .
( 7 ) سبى وخراب أخيرا يصور لنا الخراب الذى حل بمصر التى ظنت أنها قدرة على إنقاذ يهوذا من أيدى البابليين :
أ – ارتفاع اسم بابل أو ملكها نبوخذنصر
" حيّ انا يقول الملك رب الجنود ،
اسمه كتابور بين الجبال وككرمل عند البحر يأتي " ع 18
يبدو أن إرميا النبى رأى فى نبوخذنصر الذى غزا مصر بقوة جبلا عاليا يرتفع فوق السهل ، إنه مثل جبل تابور الذى يرتفع حوالى 1800 قدما كجبل منفرد فى سهل يزرعيل فى شمال إسرائيل ، أو مثل جبل الكرمل عند البحر الذى تبلغ قمته حوالى 1700 قدما وينحدر سفحه الغربى بحدة نحو البحر المتوسط .
ب – صارت مصر بنتا عاجزة عن التصرف :
" اصنعي لنفسك أهبة جلاء ايتها البنت الساكنة مصر ،
لان نوف تصير خربة وتحرق فلا ساكن " ع 19
جاءت الضربة قاضية فى هذه المرة ، حيث حطمت مصر كلها ، خاصة المدن الكبرى . يصور مصر بفتاة مسبية لا تقدر على الدفاع عن نفسها أو الهروب من الذين أسروها ، هذا عن جيشها العظيم وملكها فرعون المتشامخ ، أما عن الأرض فصارت نوف وهى من المدن الكبرى كما رأينا خرابا ، أحرقتها النيران ، لا يقطنها إنسان .
جـ - صارت مصر كعجلة مسمنة لا تصلح إلا للذبح
" مصر عجلة حسنة جدا.
الهلاك من الشمال جاء جاء " ع 20
لقد ظن فرعون بجيشه الذى من بين معبوداته الرئيسية عجل أبيس ، أنه قادر أن يخلص شعب يهوذا الذى فى نظره يعجز الله رب الجنود عن إنقاذه . لم يدرك فرعون أنه قد حول بهذا الفكر مصر إلى عجلة تحمل الصورة الحسنة جدا ، وذلك بسبب شهرتها فى العالم كله ، وقوة جيشها ، وإمكانياتها من جهة الخيول والمركبات وكل العدة الحربية . لكنها عجلة سمينة عاجزة عن أى عمل ، لا تصلح إلا لذبحها ، يأتى الذين من الشمال ( بابل ) ليذبحوها .
د – حولت حلفاءها والجنود المرتزقة إلى عجول سمينة
" ايضا متسأجروها في وسطها كعجول صيرة.
لانهم هم ايضا يرتدون يهربون معا.
لم يقفوا لان يوم هلاكهم اتى عليهم وقت عقابهم " ع 21
لم تصر مصر الوثنية وحدها عجلة كمعبودها عجل أبيس ، وإنما حولت مستأجريها أى القوات المرتزقة الأجيرة والتى حلت فى وسطها وشاركتها عبادة العجل إلى عجول صيرة أى سمينة . جاءوا للدفاع عنها مع جيشها فصارت ذبائح سمينة للقتل .
هـ - صارت حركتها كحفيف الحية
" صوتها يمشي كحية ،
لانهم يسيرون بجيش وقد جاءوا اليها بالفؤوس كمحتطبي حطب " ع 22
استخدم إرميا النبى تشبيه الحية الخارجة من الغابة لتضرب بالفؤوس ، لأنه كان للحية مكانة عالية بين الآلهة عند المصريين ، إنها عاجزة ليس فقط عن حماية العابدين لها ، بل وحتى عن حماية نفسها .
و – صارت كشجرة تسقط تحت ضربات فؤوس كثيرة
" يقطعون وعرها يقول الرب وان يكن لا يحصى لانهم قد كثروا اكثر من الجراد ولا عدد لهم " ع 23
ز – صارت كفتاة بيعت لشعب معاد لها
" قد أخزيت بنت مصر ودفعت ليد شعب الشمال.
قال رب الجنود اله اسرائيل :
هانذا اعاقب آمون نو وفرعون ومصر وآلهتها وملوكها فرعون والمتوكلين عليه. وادفعهم ليد طالبي نفوسهم وليد نبوخذراصر ملك بابل وليد عبيده " ع 24 – 26
( 8 ) تعمير مصر " ثم بعد ذلك تسكن كالايام القديمة يقول الرب " ع 26
لا يختم على مصر بالخراب بل بالتعمير ، فالله وإن كان يؤدب لكنه يشتاق إلى تقديس كل بشر . لقد كشف بتأديباته عن جراحات النفس لا لتبقى فى آلامها بل لتطلب يد الطبيب السماوى ، فيضمد جراحاتها ، ويقدم لها نفسه بلسما من جلعاد فتنعم بكمال الصحة .
( 9 ) إصلاح إسرائيل الجديد
" وانت فلا تخف يا عبدي يعقوب ولا ترتعب يا اسرائيل ،
لاني هانذا اخلصك من بعيد ونسلك من ارض سبيهم فيرجع يعقوب ويطمئن ويستريح ولا مخيف.
اما انت يا عبدي يعقوب فلا تخف لاني انا معك لاني افني كل الامم الذين بددتك اليهم.
اما انت فلا افنيك بل اؤدبك بالحق ولا ابرئك تبرئة " ع 27 – 28
التقينا بهذا النص قبلا فى ( إر 30 : 10 – 11 ) يتبعه وعد مسيانى ( داود ملكهم إر 30 : 9 ) . هنا نلاحظ أن الوعد قد جاء مباشرة بعد تقديم وعد إلهى لمصر بتعميرها بعد الخراب ، وكأن ما تناله مصر من وعود مرتبط بخلاص إسرائيل الجديد ، وتمتع الأمم بالإيمان الحى .
للنص تفسيران:
أولا : التفسير التاريخى : إذ تحقق ذلك بالعودة من السبى البابلى ...
ثانيا : التفسير التأويلى : إسرائيل هنا هى كنيسة العهد الجديد ، الشعب القادم من كل الأمم ، يعقوب المجاهد الروحى الذى انعتق من سبى الخطية ودخل إلى التمتع بأورشليم العليا ، ونال عربون السمويات .
+ + + __________________
| |
|