Admin Admin
عدد المساهمات : 183 تاريخ الميلاد : 30/06/1997 تاريخ التسجيل : 21/12/2009 العمر : 27
| موضوع: إرميا – الإصحاح الثالث والعشرون الخميس فبراير 04, 2010 6:19 pm | |
| إرميا – الإصحاح الثالث والعشرون
الرب راعينا وبرنا
فى الإصحاح السابق تحدث إرميا النبى عن أبناء الملك يوشيا الأشرار : يهوآحاز ويهوياقيم ويهوياكين ، وجاء التأديب الإلهى أن يكون الأخير عقيما ، ليس من نسله من يجلس على كرسى داود ملكا ( 22 : 30 ) ، وكأن مملكة يهوذا تفقد رعاية الملوك .
أما فى هذا الإصحاح فإنه يوبخ الرعاة الأنانيين والأنبياء الكذبة وكل القيادات الفاسدة ، ليعلن أن الله يتسلم رعاية شعبه بنفسه . إنه لا يترك شعبه ، بل يقوم بالعمل الرعوى ، مقدما بره الإلهى برا لهم ، منطلقا بهم إلى خروج جديد فائق .
( 1 ) ويل للرعاة الأنانيين يتحدث إرميا النبى بصفة عامة عن القيادات السياسية خاصة فى أيام صدقيا الملك التى أفسدت الشعب عوض رعايتهم والأهتمام بهم :
" ويل للرعاة الذين يهلكون ويبددون غنم رعيتي يقول الرب.
لذلك هكذا قال الرب اله اسرائيل عن الرعاة الذين يرعون شعبي:
انتم بددتم غنمي وطردتموها ولم تتعهدوها.
هانذا اعاقبكم على شر اعمالكم يقول الرب " ع 1 ، 2 .
تطلع إرميا النبى إلى الشعب بروح النبوة ، ونظرهم يقادون فى مذلة إلى السبى . لقد اشترك الشعب مع الملك ورجاله فى الشر ، لذلك استحقوا التأديب ، لكن الله يلقى باللوم أولا وقبل كل شىء على القيادات التى تحولت من موقف الرعاية إلى التبديد والطرد .
سمح الله بالسبى ، بل وقدس بابل بكل طاقاتها كالآت فى يده لأسر شعبه ، وفى نفس الوقت فتح باب الرجاء لشعبه ، وأعلن حنوه عليهم ، مكررا التعبير " غنم رعيتى " ، " شعبى " ، " غنمى " .
( 2 ) أنا أرعى غنمى الله الذى سمح بالتأديب الحازم لشعبه يلاطف ويتحنن ، ويقيم رعاة من عنده يهتمون بهم
" وانا اجمع بقية غنمي من جميع الاراضي التي طردتها اليها ،
واردها الى مرابضها فتثمر وتكثر.
واقيم عليها رعاة يرعونها ،
فلا تخاف بعد ولا ترتعد ولا تفقد يقول الرب " ع 3 ، 4 .
بينما يلقى باللوم على الرعاة الأشرار ، خاصة الملوك ، بكونهم بددوا غنمه وطردوها ( 2 ) ، إذا به يقول هنا : " الأراضى التى طردتهم إليها " ع 3 .
فمن الذى قام بالطرد : الرعاة الأشرار أم الله ؟
لقد سمح الله بطردهم كثمرة طبيعية لشر الرعاة وفسادهم . علة الطرد هم " الرعاة " ، والذى قام بالطرد هو الرب كتأديب لازم لخلاصهم .
يؤكد الله هنا رعايته لشعبه بنفسه ، كما سبق فأعلن جدعون : " لا أتسلط أنا عليكم ، ولا يتسلط ابنى عليكم ، الرب يتسلط عليكم " قض 8 : 23 .
يقول الرب " فتثمر وتكثر " هذا هو مفتاح الإصحاح كله . فقد قدم هذا الوعد لآدم وحواء فى الفردوس ، كما قدم لإبراهيم ويعقوب اللذين من صلبهما جاء شعب الله ... ماذا يعنى هذا ؟
أعطى هذا الوعد الإلهى لآدم وحواء كثمرة ميثاق حب متبادل بين الله والإنسان ، وتأكد الوعد من جديد حين دخل إبراهيم كأب المؤمنين فى ميثاق جديد ، وهكذا يبقى هذا الوعد ساريا لكل من يقبل شروط الميثاق .
تعلق اليهود فى ذلك الحين بآلهة الوثنيين الخاصة بالخصوبة ، ظانين أن الأرتباط بها يفيض عليهم بالخصوبة بالنسبة للبشر والبهائم وأيضا النباتات ، فإذا بهم يفقدون كل بركة ، ويصدر الحكم " ( تكون ) عقيما " 22 : 20 .
الآن يرد لهم الإثمار والإكثار ؟ رعاية الله نفسه ، إذ يتقدم السيد المسيح كلمة الله ، بصليبه ليسجل عهدا جديدا يوقعه بدمه نائبا عنا ، فيه نحسب أبناء العهد ، لنا روح الطاعة للأب ... فننعم بالوعد الإلهى : " فتثمر وتكثر " .
( 3 ) الرب برنا إذ وعد بإقامة رعاة من عنده يعلن عن رعايته الشخصية لشعبه التى تحققت بمجىء المسيا ، كلمة الله ، الراعى الصالح .
" ها ايام تأتي يقول الرب ،
واقيم لداود غصن بر ،
فيملك ملك وينجح ويجري حقا وعدلا في الارض.
في ايامه يخلص يهوذا ويسكن اسرائيل آمنا ،
وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا " ع 5 ، 6 .
يتحدث عن الملك الذى طالما ترقبه رجال الله فى العهد القديم ، المسيا ، ابن داود ! يتحدث إرميا النبى هنا عن شخص الملك وسماته ودوره واسمه .
قوله : " ها أيام تأتى " ع 5 ، 7 تعبير شائع لا يعنى تحديد زمن معين ، إنما هو تعبير يشد الإنتباه إلى اعلان له قدسيته وأهميته ...الخ .
أولا : يدعوه " غصن بر " ع 5 .
دعى السيد المسيح غصنا سبع مرات فى العهد القديم وقد قدمت هذه النصوص السيد المسيح كما قدمته الأناجيل الأربعة :
- المسيح الملك ( إنجيل متى ) : إش 11 : 1 ، إر 23 : 5 ، 33 : 15 .
- المسيح الخادم والعبد ( إنجيل مرقس ) : زك 3 : 8 .
- المسيح الصديق والإنسان ( إنجيل لوقا ) : إش 53 : 1 ، 2 ؛ زك 6 : 12 .
- المسيح ابن الله الممجد ( إنجيل يوحنا ) : إش 4 : 2 .
دعى السيد المسيح بالغصن للسببين التاليين :
أ – لأن الغصن مرتبط بالأصل ، فمع أنه رب داود لكنه من نسله ، مرتبط به حسب الجسد .
ب – صار بالحقيقة إنسانا ينمو كالغصن .
ثانيا : ملك ليخلص ، ملك الرب بالصليب ، لا ليسيطر ، بل ليهبنا غفرانا لخطايانا وشركة فى الميراث الأبدى ، على خلاف ملوك يهوذا فى ذلك الحين الذين كانوا يملكون ليبددوا ويهلكوا ، إذ يطلبون ما لنفسهم لا ما لشعبهم ، فخسروا أنفسهم وشعبهم معا !
بقوله : " يملك ملك ( بحكمة ) " ع 5 . يعلن أن المسيا القادم هو ملك حقيقى يملك على القلوب ، وليس كصدقيا الذى كان كدمية يحركها الأنبياء الكذبة .
ثالثا : ينجح ويجرى حقا وعدلا على الأرض .
رابعا : يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنا .
لقد وعدهم الأنبياء الكذبة بالسلام ، لكنهم هم أنفسهم فقدوا سلامهم ، أما الراعى الجديد ، فهو ملك السلام ، يدخل بنا إلى مملكته ، إسرائيل الجديد ، فنجد سلاما وأمانا فيه .
خامسا : يدعى اسمه : " الرب برنا " .
أقام البابليون صدقيا ملكا ، لكنه أظهر أنه غير مستحق لهذا الإسم ، لأن كلمة " صدقيا " تعنى " برى هو الله " . فكان لزاما أن يطرد من الملك ليقوم مكانه ملك جديد ، لا يقيمه البابليون ، ولا يأتى بذراع بشرى ، وإنما بخطة إلهية هيأ لها الله عبر الأجيال ، خلالها يقدم الملك المسيا بره الإلهى برا لنا .. نردد مع الرسول بولس :
" لكى لا يفتخر كل ذى جسد أمامه ، ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذى صار لنا حكمة من الله وبرا وقداسة وفداء " 1 كو 1 : 29 ، 30 .
( 4 ) خروج جديد " لذلك ها ايام تأتي يقول الرب :
ولا يقولون بعد حيّ هو الرب الذي اصعد بني اسرائيل من ارض مصر. بل حيّ هو الرب الذي اصعد وأتى بنسل بيت اسرائيل من ارض الشمال ومن جميع الاراضي التي طردتهم اليها فيسكنون في ارضهم " ع 7 ، 8 .
بعد أن تحدث عن السيد المسيح كراع يهبنا بره برا لنا ، قدم لنا عمله الخلاصى كخروج جديد ، لا من أرض مصر ، وإنما من الأراضى التى طردنا إليها .
هذا الخروج فى معناه الحرفى يشير إلى العودة من سبى بابل ، وفى معناه الروحى هو رجوع البشرية إلى حضن الآب ، موضع الراحة .
( 5 ) نبوات ضد الأنبياء الكذبة
بعد أن قدم ثلاث نبوات مملوءة رجاء من جهة إقامة صدقيا ( بر الله ) الجديد ، حيث يصير الله برنا ، فننعم برعاية الله الشخصية فى إبنه يسوع المسيح ، ينطق بخمس نبوات ضد الأنبياء الكذبة ، ربما كتبت فى أوقات مختلفة وجمعت معا لأنها تعالج موضوعا واحدا .
النبوة الأولى : 9 – 12 : إدانتهم بسبب زناهم .
النبوة الثانية : 13 – 15 : إدانتهم لأنهم كذبة .
النبوة الثالثة : 16 – 22 : ينسبون كلماتهم للرب .
النبوة الرابعة : 23 – 32 : يتكلون على أحلامهم .
النبوة الخامسة : 33 – 40 : يطلبون وحى الرب بأفواههم لا بقلوبهم .
النبوة الأولى : 9 – 12 : إدانتهم بسبب زناهم .
" في الانبياء-
انسحق قلبي في وسطي.
ارتخت كل عظامي.
صرت كانسان سكران ،
ومثل رجل غلبته الخمر من اجل الرب ومن اجل كلام قدسه.
لان الارض امتلأت من الفاسقين.
لانه من اجل اللعن ناحت الارض ،
جفت مراعي البرية وصار سعيهم للشر وجبروتهم للباطل " ع 9 ، 10 .
تظاهر الأنبياء الكذبة بالرقة واللطف ، فكانوا يقدمون طمأنينة مخادعة للملك ورجاله كما للجيش والشعب ، مصورين إرميا كرجل متشائم ومحطم لنفسية الشعب وخائن للوطن .. لكن فى الواقع كان إرميا يهتز بكل أعماقه :
القلب : مركز الفكر والإرادة ...
العظام : فتشير إلى الهيكل العام الذى به يقوم كيان الإنسان ..
انكسر قلب إرميا ، وصارت عظامه ترف ، ليس له موضع للراحة أو الأستقرار :
" صار كانسان سكران ، ومثل رجل غلبته الخمر " ع 9 ، وقد ارتبط السكر بالرعب والحزن كما فى حز 23 : 33 .
حقا قد يسعى الأشرار ويجاهدون كما بجبروت وقوة لكن " صار سعيهم للشر وجبروتهم للباطل " ع 10 .
" لان الانبياء والكهنة تنجسوا جميعا ،
بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب.
لذلك يكون طريقهم لهم كمزالق في ظلام دامس ،
فيطردون ويسقطون فيها ،
لاني اجلب عليهم شرا سنة عقابهم يقول الرب " ع 11 ، 12 .
جاء الفعل " تنجسوا " يشير إلى مقاومة المقدسات وليس مجرد " عدم التقوى " ، لهذا يستخدم بالنسبة لمرتكبى الزنا غير المخلصين للمقدسات الإلهية ، سواء للوصية الإلهية أو بيت الرب أو جسد الإنسان أو زوجته ( أو زوجها ) .
يرتبط هذا الإتهام بعبادة البعل ، حيث يمارس عابدو البعل طقوس جنسية للخصوبة كطريق الأمان والإنجاب والصحة .
لقد قدموا طريق الرجاسات للكهنة الذين صارت لهم كمزالق ينحدرون خلالها إلى ظلمة الفساد ، وها هو ذات الطريق يصير كمزالق للأنبياء الكذبة أنفسهم .
هذه المزالق المظلمة التى سقطت فيها القيادات الدينية فى ذلك الحين ، عوض أن يسندوا كل نفس للألتقاء مع الله ، دفعت بهم إلى مملكة الظلمة .
فى قول الرب : " في بيتي وجدت شرهم " ع 11 . استخدم الفعل بمعنى " اكتشفت " . اكتشف الله كحارس لبيته جريمة فدهش كيف تجاسر الكهنة والأنبياء على هذا الفعل الشرير فى مقدساته التى ائتمنهم عليها .
إنها كلمات عتاب مرة يكررها الله فى حديثه مع أولاده هؤلاء الذين نالوا نعمته المجانية وتحولوا إلى هيكله المقدس ، ليعودوا فيرتكبوا الرجاسات فيه . إنهم يدنسون لا أجسادهم بل هيكل الرب ، لأنها لم تعد ملكا لهم بل اشتريت بدم ثمين !
النبوة الثانية ( ع 13 – 15 ) : إدانتهم لأنهم كذبة
هنا يظهر الأنبياء ، خاصة الذين فى أورشليم ، أنهم قد تحالفوا مع الملك ورجاله ليبثوا روح الكذب والضلال وسط الشعب ، فأساءوا قيادة شعب الله ، وحولوهم إلى سدوم وعمورة ، يحملون روح النفاق .
" وقد رأيت في انبياء السامرة حماقة .
تنبأوا بالبعل واضلوا شعبي اسرائيل.
وفي انبياء اورشليم رأيت ما يقشعر منه .
.يفسقون ويسلكون بالكذب ،
ويشددون ايادي فاعلي الشر حتى لا يرجعوا الواحد عن شره.
صاروا لي كلهم كسدوم وسكانها كعمورة.
لذلك هكذا قال رب الجنود عن الانبياء :
هانذا اطعمهم افسنتينا ،
واسقيهم ماء العلقم ،
لانه من عند انبياء اورشليم خرج نفاق في كل الارض " ع 13 – 15 .
يقارن هنا بين أنبياء مملكة الشمال ( عاصمتها السامرة ) وأنبياء مملكة الجنوب ( عاصمتها أورشليم ) . الأولون جحدوا الإيمان ، وأضلوا إسرائيل حيث تنبأوا باسم البعل ، لكن ما فعلته أورشليم ليس بأقل مما فعلته السامرة .
إنها لم ترفض عبادة الله الحى لكنها خلطت هذه العبادة بالعبادة الوثنية ورجاساتها ، فكسرت العهد مع الله ، وصار حالها كحال السامرة ، بل ربما أشر فالمملكتان لم تسلكا بولاء لله ولعهده ، غير أن أنبياء أورشليم دنسوا الهيكل المقدس بزناهم وكذبهم . وهذا أخطر ، إذ يقول : " رأيت ما يقشعر منه " ع 14 . سقطوا فى عبادة البعل مثل السامرة ، وأضافوا إلى شرهم تدنيسهم للمقدسات الإلهية .
هنا يربط بين الرجاسات والكذب ، قائلا : " يفسقون ويسلكون بالكذب " ع 14 .
النبوة الثالثة ( ع 16 – 22 ) : إدانتهم لأنهم ينسبون كلماتهم للرب .
" هكذا قال رب الجنود :
لا تسمعوا لكلام الانبياء الذين يتنبأون لكم.
فانهم يجعلونكم باطلا.
يتكلمون برؤيا قلبهم لا عن فم الرب.
قائلين قولا لمحتقريّ :
قال الرب يكون لكم سلام .
ويقولون لكل من يسير في عناد قلبه لا يأتي عليكم شر.
لانه من وقف في مجلس الرب وراى وسمع كلمته ؟
من اصغى لكلمته وسمع ؟! " ع 16 – 18 .
يميز إرميا النبى بين الأنبياء الكذبة والنبى الحقيقى ، موضحا علامات النبى الحقيقى :
أ – يحمل النبى الحقيقى سلام الله الداخلى بينما يحرم الأنبياء الكذبة منه .
ب – بينما ينطق الأنبياء الكذبة برؤى قلوبهم يصير النبى الحقيقى فم الرب .
جـ - يقدم الأنبياء الكذبة رجاء كاذبا لمحتقرى الرب فى قلوبهم ، أما النبى الحقيقى فينطق بالحق ولو كان جارحا .
د – يتمتع النبى الحقيقى بالحضرة الإلهية : " من وقف فى مجلس الرب ؟! ع 18 . هذه الحضرة العجيبة تتحقق على الأرض وسط شعبه المقدس .
هـ - يتمتع النبى الحقيقى بالأستنارة الروحية ، إذ يقول : " ورأى " ع 18 .
و – له الأذن المختونة ليسمع ويطيع : " وسمع كلمته ؟ من اصغى لكلمته وسمع ؟! " ع 18 .
يرى إرميا النبى غضب الله كعاصفة نارية تهب على رؤوس الأشرار :
" ها زوبعة الرب .
غيظ يخرج ونوء هائج .
على رؤوس الأشرار يثور .
لا يرتد غضب الرب حتى يجرى ويقيم مقاصد قلبه .
فى آخر الأيام تفهمون فهما .
لم ارسل الانبياء بل هم جروا.
لم اتكلم معهم بل هم تنبأوا.
ولو وقفوا في مجلسي لأخبروا شعبي بكلامي ،
وردّوهم عن طريقهم الرديء ، وعن شر اعمالهم " ع 19 – 22 .
لا يقصد هنا بقوله " فى آخر الأيام " ع 20 معنى أخرويا ( إسخاتولوجيا ) وإنما قصد أنه " بعد ذلك " ، أو عندما تعبر هذه الأيام ويحل التأديب .
مرة أخرى يوضح النبوة الصادقة التى تقوم على إرساله الله نفسه ، وحديثه معه ، مع تمتع النبى بالحضرة الإلهية والوقوف أمامه . بمعنى آخر هناك حاجة إلى لقاء صادق مع الله ، وقبول إرسالية صادقة ، والنطق بكلمات الرب بصدق .
يقول الرب : " لم أرسل الأنبياء بل هم جروا " ع 21 .
ماذا يعنى بكلمة " جروا " ؟ كانوا مسرعين ، شغوفين نحو إعلان رسائلهم الخاصة ، وذلك كإلحاحهم " حلمت حلمت " ع 25 . إنهم يعملون بقوة وبسرعة وبلجاجة لكن عملهم باطل ، لأنه مملوء كذبا ، لا يدفع إلى التوبة بل إلى التهاون والأستهتار .
النبوة الرابعة : [ ع 23 – 32 ] : يتكلون على أحلامهم
بدأ الحديث بتوبيخ الأنبياء الكذبة الذين يدعون أن الله يتحدث معهم بالأحلام ، معلنا أن الله الساكن فى الأعالى يتطلع إليهم ويدرك كذبهم .
" ألعلي اله من قريب يقول الرب ولست الها من بعيد ؟ !
اذا اختبأ انسان في اماكن مستترة أفما اراه انا يقول الرب ؟!
أما املأ انا السموات والارض يقول الرب ؟! ع 23 – 24 .
لعله بهذا يوبخهم لأنهم يحسبون الله كالبعل ، محدود فى حجمه وفى موضع سكناه غير قادر على إدراك ما يحل بالأماكن المستترة .
يسكن الله فى السماء فى الأعالى ، وكأن الأرض كلها صغيرة بالنسبة له ، يراها بكل خطاياها ، ولا يقدر أحد ما أن يختفى عنه . وفى نفس الوقت يملأ السماء والأرض ، أينما هرب إنسان يجد الله حاضرا ... فهو بعيد ومنزه عن كل الخليقة وقريب جدا وملاصق لها .
بمعنى آخر يقول : الله منزه عن كل التصرفات التى يمارسها الكذبة ، هو فى الأعالى يعرف ويرى كل شىء ، وهو قريب يود أن يلتقى الكل به !
يكمل حديثه كاشفا كذب هؤلاء الأنبياء :
" قد سمعت ما قالته الانبياء الذين تنبأوا باسمي بالكذب قائلين :
حلمت حلمت.
حتى متى يوجد في قلب الانبياء المتنبئين بالكذب بل هم انبياء خداع قلبهم
الذين يفكرون ان ينسّوا شعبي اسمي باحلامهم التي يقصونها الرجل على صاحبه ،
كما نسي اباؤهم اسمي لاجل البعل " ع 25 – 27 .
يهاجم هنا ما يدعيه الأنبياء من رؤيتهم أحلاما يفسرونها على أنها رسائل سماوية للأسباب :
أولا : كذبهم ، إذ يقول كل منهم : " حلمت . حلمت "، ويتنبأون خلالها كذبا .
ثانيا : ينسبون ما يتنبأون به للرب ، وهذا أخطر ، لأنهم ليس فقط يكذبون ، لكنهم يتسترون تحت اسم الله وهم يكذبون .
ثالثا : شغل موضوع الأحلام أفكار الشعب حتى نسوا الله ووصاياه . نسى آباؤهم الله خلال عبادتهم البعل ، أما هؤلاء فنسوا الله خلال انشغالهم بالأحلام ، لا هم لكل شخص إلا أن يروى أحلاما أو يشتهى أن يسمع عن أحلام إخوته .
بماذا يقيم إرميا النبى هذه الأحلام ؟ يقارن الأحلام بكلمة الله ، كالتبن بجانب الحنطة ، يلزم فرز هذه عن تلك .
" النبي الذي معه حلم فليقص حلما ،
والذي معه كلمتي فليتكلم بكلمتي بالحق.
ما للتبن مع الحنطة يقول الرب.
أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب ؟!
وكمطرقة تحطم الصخر.
لذلك هانذا على الانبياء يقول الرب :
الذين يسرقون كلمتي بعضهم من بعض " ع 28 – 30 .
أحلام الأنبياء الكذبة كالقش يجب فرزها من كلام الرب ، أى من الحنطة .
ماذا يعنى بسرقة كلمة الرب ؟! إننا ننطق بكلمة الرب كأننا قد اختبرناها دون أن نسمع لها أو نمارسها فى حياتنا ، إنما نسرقها من أفواه الآخرين أو كتاباتهم . لهذا يليق بنا لكى لا نحسب لصوص الكلمة أن نمارس ما ننطق به ، أو نجاهد بإخلاص فى ممارستنا إياها .
يختم حديثه عن الأنبياء المدعين أنهم أصحاب أحلام إلهية أو عن سارقى الكلمة ، قائلا :
" هانذا على الانبياء يقول الرب ،
الذين ياخذون لسانهم ويقولون قال.
هانذا على الذين يتنبأون باحلام كاذبة يقول الرب الذين يقصونها ويضلون شعبي باكاذيبهم ومفاخراتهم ،
وانا لم ارسلهم ولا أمرتهم.
فلم يفيدوا هذا الشعب فائدة يقول الرب " ع 31 ، 32 .
بقوله : " يأخذون ( أو يستعملون ) لسانهم ويقولون : قال " ع 31 يعنى أنهم يستخدمون كلماتهم الشخصية فى شكل حديث إلهى ويقولون : " قال الرب .... " .
للمرة الثالثة يؤكد الرب : " هأنذا على ( ضد ) الأنبياء " الذين يبشرون بالأحلام الباطلة ( ع 30 ، 31 ، 32 ) . إنهم مخادعون ولا منفعة منهم ( ع 32 ) .
النبوة الخامسة ( ع 33 – 40 ) : يطلبون وحى الرب بأفواههم ، لا بقلوبهم
أخيرا يتظاهر هؤلاء الأنبياء أحيانا بالرغبة فى التعرف على وحى الرب بينما بقلوبهم يطلبون وحى أنفسهم . تسلل هذا الداء إلى الكهنة فى غير مبالاة ، فسقطوا فى خطية أخطر وهى الرياء والخداع حتى فى معاملاتهم مع الله ورجاله .
" واذا سألك هذا الشعب او نبي او كاهن قائلا ما وحي الرب ؟
فقل لهم اي وحي ؟
اني ارفضكم هو قول الرب.
فالنبي او الكاهن او الشعب الذي يقول وحي الرب اعاقب ذلك الرجل وبيته.
هكذا تقولون الرجل لصاحبه والرجل لاخيه :
بماذا اجاب الرب ؟
وماذا تكلم به الرب ؟
اما وحي الرب فلا تذكروه بعد ،
لان كلمة كل انسان تكون وحيه ،
اذ قد حرّفتم كلام الاله الحي رب الجنود الهنا.
هكذا تقول للنبي بماذا اجابك الرب وماذا تكلم به الرب.
واذا كنتم تقولون وحي الرب فلذلك هكذا قال الرب من اجل قولكم هذه الكلمة وحي الرب وقد ارسلت اليكم قائلا لا تقولوا وحي الرب .
لذلك هانذا انساكم نسيانا وارفضكم من امام وجهي انتم والمدينة التي اعطيتكم وآباءكم اياها.
واجعل عليكم عارا ابديا وخزيا ابديا لا ينسى " ع 33 – 40 .
جاء الحديث هنا يدور حول كلمة " وحى " التى تستخدم بمعان كثيرة ، وهى مقتبسة من فعل nasa ، معناها " يرفع أو يحمل " ، فيكون الإسم معناه " حمل " أو " ثقل " .
هنا يعنى الألتزام بثقل المسئولية القيادية أو الدينية ، أو السقوط تحت ثقل حكم الله ، لكن أحيانا تستخدم كتعاليم نبوية أو وحى نبوى . هنا يقصد بها الوحى .
الله يؤكد أن كلمته ليست ثقلا ، إنما كلمات الإنسان هى التى تحطمه كثقل على نفسه !
لقد نسوا صوت الرب حتى إن طلبوه بأفواههم ، لذلك يقول :
" هأنذا أنساكم نسيانا " ع 39 .
لم يطيقوا سماع صوت الرب ، لهذا جاءت الثمرة : " أرفضكم من أمام وجهى " ع 39
أهانوا الكلمة الإلهية واحتقروها ، لهذا يرفض الله المدينة التى حسبها قبلا مدينته المقدسة ، والتى وهبها لهم ولآبائهم ، ويسكب عارا وخزيا عليهم ( 40 ) .
+ + + إرميا – الإصحاح الرابع والعشرون
سلتا التين
يقدم الرب لإرميا رؤيا تشرح موقف الفريقين من السبى : فريق الذين خضعوا للسبى وحسبوه تأديبا إلهيا ، وفريق للمقاومين للسبى .
تعتبر هذه الرؤيا ختاما لكل ما قد جمع عن النبوات ضد الملوك والأنبياء الكذبة ، ومقدمة لوعود الله الصادقة المسيانية . فإن كان التين الردىء جدا يشير إلى صدقيا الملك والذين بقوا فى أورشليم ، فإن الله يقيم عهده مع المسبيين ويجعلهم تينا جيدا جدا ... يهبهم قلبا جديدا ليدركوا أنه هو الله ( ع 7 ) .
( 1 ) رؤيا سلتى التين " اراني الرب واذا سلّتا تين موضوعتان امام هيكل الرب بعدما سبى نبوخذراصر ملك بابل يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا ورؤساء يهوذا والنجارين والحدادين من اورشليم وأتى بهم الى بابل " ع 1
أمام الحدث الواحد انقسم الكل إلى فريقين لا ثالث لهما ، أحد الفريقين تمثله سلة التين الجيد جدا ، والفريق الآخر تمثله سلة التين الردىء جدا ، وليس من حال وسط .
أولا : حدث واحد أمامه تجاوب كل إنسان ليكون نصيبه فى السلة الأولى أو الثانية . ليس من أنصاف للحلول : إما الإنتماء لمملكة الله أو مملكة إبليس . وكما كتب القديس جيروم فى رسالة شكر لأستوخيوم التى أرسلت له هدية تحوى كريزا :
[ ليتك تحتوين فواكه كتلك التى تنمو أمام هيكل الرب ،
هذه التى قيل عنها " ( التين ) الجيد جيد جدا " .
الله لا يحب شيئا نصف نصف ،
بينما يرحب بالحار ويتجنب البارد يقول فى سفر الرؤيا إنه يتقيأ الفاتر من فمه ( 3 : 15 ، 16 ) ] .
ثانيا : كانت سلتا التين موضوعتين أمام هيكل الرب ، حيث يقدم البشر إلى حضرة الرب ، وهو وحده فاحص القلوب قادر أن يفرز التين الصالح من الردىء . الذين قبلوه بإخلاص وخضعوا لإرادته يحسبون تينا صالحا ، أما الذين يحتقرون وصيته ويهينونه فيحسبون تينا رديا ليس فيه مسرة ولا يصلح قط للطعام .
ثالثا : لماذا اختار التين من بين الفواكه ؟
التين يشير إلى عذوبة الوحدة ( الكنيسة المجتمعة حول عريسها المسيح ) ، فالآف البذور الرفيعة جدا يحتضنها غلاف الوحدة والحب العذب ، ويعطيها قيمة . كل بذرة فى ذاتها لا تستحق إلا التخلص منها ، لكن مع زميلاتها تقدم عذوبة لآكليها وشبعا وصحة !
رابعا : ماذا يعنى بالتين الباكورى ؟
" في السلة الواحدة تين جيد جدا مثل التين الباكوري " ع 2 .
دعى التين الجيد " باكورة " ، وبحسب الشريعة تقدم البكور إلى هيكل الرب .
شجر التين فى فلسطين ينتج ثلاثة محايل فى السنة : المحصول الأول ويدعى الباكورة ، وهذا ما يشار إليه بالتين جيد جدا .
( 2 ) التين الجيد " ثم صار كلام الرب اليّ قائلا :
هكذا قال الرب اله اسرائيل .
كهذا التين الجيد هكذا انظر الى سبي يهوذا الذي ارسلته من هذا الموضع الى ارض الكلدانيين للخير.
واجعل عيني عليهم للخير وارجعهم الى هذه الارض وابنيهم ولا اهدمهم واغرسهم ولا اقلعهم.
واعطيهم قلبا ليعرفوني اني انا الرب فيكونوا لي شعبا وانا اكون لهم الها لانهم يرجعون اليّ بكل قلبهم " ع 4 – 7 .
اقتيد إلى السبى يكنيا وهو إناء مكسور ومرذول ، ولكن معه الآلاف من العمال المهرة حملوا إلى بابل لخدمة الملك ولحرمان أورشليم من عملهم أثناء الحصار ( 2 مل 24 : 16 ) ، وكان أيضا أشراف يهوذا ، ولعله دعاهم بالتين الجيد لأنه وجد بينهم من كان صالحا مثل النبيين حزقيال ودانيال .
ما دامت السلتان قد وضعتا أمام هيكل الرب كان يليق أن يكون كل التين جيدا ، لأنه لا يقدم للرب إلا ما هو جيد ، فالسلة التى بها التين الجيد تشير إلى النفوس المقدسة التى تقدم للرب كبكور له ، أما السلة الثانية فتشير إلى النفوس التى تدنست وبقيت فى دنسها وهى تمارس العبادة لله ! أى تمزج عبادتها لله الحى بالفساد الذى تتمسك به .
( 3 ) التين الردىء " وكالتين الرديء الذي لا يؤكل من رداءته.هكذا قال الرب.هكذا اجعل صدقيا ملك يهوذا ورؤساءه وبقية اورشليم الباقية في هذه الارض والساكنة في ارض مصر. واسلمهم للقلق والشر في جميع ممالك الارض عارا ومثلا وهزاة ولعنة في جميع المواضع التي اطردهم اليها.
وارسل عليهم السيف والجوع والوبأ حتى يفنوا عن وجه الارض التي اعطيتهم وآباءهم اياها " ع 8 – 10 .
السلة التى تحمل تينا جيدا تمثل أولاد الله الذين يقدمهم أبوهم للتأديب خلال الحب لأجل إصلاحهم ، أما السلة الثانية فتشير إلى الأبناء العصاة الذين يتركون لإرادتهم الذاتية فى عنادهم المهلك .
تعبر هذه الرؤيا عن مفهوم روحى عميق وهو أن صلاح الإنسان لا يقوم على موقع جغرافى معين وإنما على عطية الله ( القلب الجديد والفهم الجديد ع 7 ) ، التى توهب للمسبيين المشتاقين إلى حرية مجد أولاد الله .
الذين ارتبطت قلوبهم بأورشليم فى شكليات خارجية مع عصيان وإصرار على الفساد حسبوا تينا رديئا جدا ، أما الذين حرموا من أورشليم وفقدوا الهيكل بالجسد ، لكن أعماقهم مرتبطة به بالروح ، صاروا هم أنفسهم أورشليم الروحية وهيكل الرب المقدس ! .
+ + +
إرميا – الإصحاح الخامس والعشرون
كأس خمر السخط
يرى البعض أن هذا الإصحاح يمثل ختاما للدرج الذى أملاه إرميا على كاتبه باروخ عام 604 ق. م. وأن وضعه الأصلى بعد الإصحاحات العشرين الأولى .
ففى ذلك الحين أقام نبوخذنصر نفسه سيدا على منطقة الشرق الأوسط من مصر إلى مابين النهرين . وأدرك إرميا أنه قد هبت الريح القادمة من الشمال على يهوذا وأورشليم فعلا ، وهى تحرك الجيش البابلى .
فى هذا الإصحاح يقدم لنا النبى ملخصا لخدمته خلال الثلاث وعشرين عاما السابقة كنبيا للشعوب ، هذه الخدمة التى رفضها الجميع ، كما سبقوا فرفضوا خدمة الأنبياء السابقين له .
( 1 ) تاريخ النبوة كل الأحاديث النبوية التى سبق فألقاها إرميا إما أنها لا تحمل تاريخا بالمرة أو تحمله بطريقة عامة كالقول : " فى أيام يوشيا " ( 3 : 6 ) ، أو " فى بدء حكم يهوياقيم " ( 26 : 1 ) .
" الكلام الذي صار الى ارميا عن كل شعب يهوذا في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا.
هي السنة الاولى لنبوخذراصر ملك بابل .
الذي تكلم به ارميا النبي على كل شعب يهوذا ،
وعلى كل سكان اورشليم قائلا : " ع 1 ، 2
يرجع تاريخ الفقرة إلى عام 605 ق.م. فى السنة الرابعة لملك يهوياقيم التى دارت فيها معركة كركميش الفاصلة ، ونتيجة هذه المعركة تم طرد المصريين ، واستولت بابل على يهوذا لتصبح جزءا من إمبراطوريتها ( ملوك الثانى 24 : 1 ) .
وتعتبر هذه السنة نقطة تحول خطيرة فى تاريخ يهوذا بعد هزيمة فرعون نخو بواسطة البابليين .
" من السنة الثالثة عشر ليوشيا بن آمون ملك يهوذا الى هذا اليوم هذه الثلاث والعشرين سنة صارت كلمة الرب اليّ فكلمتكم مبكرا ومكلما فلم تسمعوا " ع 3
إذ يعتبر إرميا النبى أن خدمته بدأت فى السنة الثالثة عشرة من حكم يوشيا سنة 627 ق.م. يتساءل البعض إن كان هذا التاريخ هو بداية أول رسالة تسلمها من الله لإعلانها على الشعب ، أم أنه تاريخ ميلاده حيث دعى للخدمة وهو بعد فى بطن أمه . على أى الأحوال بدأ إرميا خدمته مبكرا جدا .
الفترة من السنة الثالثة عشرة ليوشيا حتى السنة الرابعة من يهوياقيم تضم 23 عاما ، منها 19 عاما فى أيام يوشيا و 4 أعوام فى أيام يهوياقيم ، بالإضافة إلى 3 شهور ملك يهوآحاز .
( 2 ) تأكيد الدمار " وقد ارسل الرب اليكم كل عبيده الانبياء مبكرا ومرسلا فلم تسمعوا ولم تميلوا اذنكم للسمع.
قائلين ارجعوا كل واحد عن طريقه الرديء وعن شر اعمالكم واسكنوا في الارض التي اعطاكم الرب اياها وآباءكم من الازل والى الابد.
ولا تسلكوا وراء آلهة اخرى لتعبدوها وتسجدوا لها ولا تغيظوني بعمل ايديكم فلا اسيء اليكم.
فلم تسمعوا لي يقول الرب لتغيظوني بعمل ايديكم شرا لكم .
لذلك هكذا قال رب الجنود :
من اجل انكم لم تسمعوا لكلامي ،
هانذا ارسل فآخذ كل عشائر الشمال يقول الرب والى نبوخذراصر عبدي ملك بابل وآتي بهم على هذه الارض وعلى كل سكانها وعلى كل هذه الشعوب حواليها فاحرمهم واجعلهم دهشا وصفيرا وخربا ابدية.
وابيد منهم صوت الطرب وصوت الفرح صوت العريس وصوت العروس صوت الارحية ونور السراج " ع 4 – 10 .
يلاحظ فى العبارات السابقة الآتى :
أولا : هنا يوجه إرميا التماسه إلى عامة الشعب وليس للطبقة الحاكمة قط .
ثانيا : يؤكد إرميا النبى أن ما نادى به خلال الثلاث وعشرين سنة لم يكن بالأمر الجديد . فقد سبق وأرسل لهم الله أنبياء منذ وقت مبكر ينذرهم بذات الرسالة .
لقد سبقه إشعياء النبى وغيره ، فما هو عذرهم ؟ وعوض التوبة استهانوا بطول أناة الله ولطفه ، ظانين أن الله يهدد ولا يؤدب !
ثالثا : بقولـه : " عمل أيديكم " ع 6 . ربما يشير إلى صنع التماثيل أو الأوثان التى يصنعونها ثم يتعبدون لها ، وقد تشير إلى الشر الذى يرتكبوه ، وكأن شرهم قد تمثل فى عبادتهم للأوثان كما فى تصرفاتهم الشريرة وسلوكهم الردىء .
رابعا : يقدم الحكم على يهوذا باسم " رب الجنود " ع 8 الذى يستدعى كل عشائر الشمال وسكانها ضد يهوذا . هنا يقوم الرب كقائد جنود لا للدفاع عن شعبه بل لتأديبهم ، مستخدما نبوخذنصر عبدا له يتمم إرادته . إنه ليس عبدا له لأنه متعبد له ، وإنما بكونه أداة فى يد الرب ... يقيم به حربا مقدسة ضد شعبه !
خامسا : الإشارة لعشائر الشمال ( ع 9 ) هى إشارة للطبيعة المعقدة للأمبراطورية الأشورية وخليفتها الإمبراطورية البابلية .
سادسا : يؤدب يهوذا وكل الشعوب التى حواليها ، ربما لأنها اتكلت عليها وأخذت بمشورتها عوض الأتكال على الرب واستشارته . يجعلهم فى حالة رعب ( دهشا ) وخراب تام ، وينزع عنهم كل علامات الحياة ، من أفراح وزيجات وصوت طحن الغلة ( الأرحية ) والنور ، كأنهم يصيرون فى حالة موت .
يرى البابا أثناسيوس الرسولى أن النبوة هنا قد تحققت بالأكثر لا فى السبى البابلى بل فى سبيهم بجحد الإيمان بالسيد المسيح المحيى .
سابعا : يقول : " آتى بهم على هذه الأرض " .... ماذا يعنى هذا ؟
حين يرفض الشعب الألتصاق بالسماوى يتركهم ليلتصقوا بالأرض فيصيرون أرضا ، لا سماء . لهذا عندما جاء مسيحنا السماوى ليردنا من سبينا ، فتح بدم ذبيحته طريق السماء الملوكى ، لهذا يتحدث القديس يوحنا الذهبى الفم عن الأفخارستيا كرحلة إلى السماء قائلا :
[ + كأن الإنسان قد أخذ إلى السماء عينها ، يقف بجوار عرش المجد ، ويطير مع السيرافيم ويتغنى بالتسبحة المقدسة .
+ أهرق هذا الدم فاتحا طريق السماء !
+ ما دمنا قد صرنا سمائيين ، وحصلنا على ذبيحة كهذه ، فلنخف ! يليق بنا ألا نستمر فى زحفنا على الأرض ، ومن يريد منا ألا يكون بعد على الأرض ، فإنه يستطيع الآن ... إذ نقترب من الله نصير فى السماء ، بل ماذا أريد من السماء إن كنت أرى رب السماء وصرت أنا نفسى سماء ؟! ... أقصد لنتمثل ببولس الذى وهو على الأرض يقضى حياته فى السماء . ] .
( 3 ) مدة الدمار " وتصير كل هذه الارض خرابا ودهشا وتخدم هذه الشعوب ملك بابل سبعين سنة ويكون عند تمام السبعين سنة اني اعاقب ملك بابل وتلك الامة يقول الرب على اثمهم وارض الكلدانيين واجعلها خربا ابدية.
واجلب على تلك الارض كل كلامي الذي تكلمت به عليها كل ما كتب في هذا السفر الذي تنبأ به ارميا على كل الشعوب.
لانه قد استعبدهم ايضا امم كثيرة وملوك عظام فاجازيهم حسب اعمالهم وحسب عمل اياديهم " ع 11 – 14 .
هذه هى المرة الأولى التى يشار فيها إلى مدة السبى البابلى بكونها سبعين عاما ، يحسبها البعض إما منذ بدأ النبى حديثه عن السبى سنة 604 ق . م . أو عندما تم ترحيل أول دفعة إلى السبى سنة 597 ق. م . ، أو عند ترحيل عدد ضخم سنة 587 ق . م .
مع دقة الرقم بحسب حسابات مفسرى الكتاب والمؤرخين ، يحمل رقم 70 معنى رمزيا وهو كمال العمل الإلهى فى حياتنا الزمنية . رقم 7 يشير إلى الكمال ، ورقم 10 يشير إلى الحياة الزمنية التى يجب أن تحكمها الوصايا العشرة ، لذلك فإننا وإن كنا كمن فى السبى ننتظر كمال المجد الأبدى لنصير بالحق الملكة السماوية شريكة المجد ... فإننا خلال أعوامنا السبعين ننعم بعمل الله الدائم ، حيث يهيئنا بروحه القدوس لنحمل صورته فنصير العروس الملكة الحرة .
أعوامنا على الأرض يرمز لها برقم 70 حيث نتلمس كمال عمل الله الخلاصى لأجلنا حتى ننطلق إلى سمواته .
( 4 ) ملخص النبوات ضد الأمم الله ليس إله إسرائيل وحده ، بل إله كل الشعوب ، يهتم بالجميع ، وها هو يرسل إرميا نبيه " نبيا للشعوب " .. يبدأ هنا بتأديب شعبه بسبب إصرارهم على عدم التوبة ، بهذا تكون البداية لتسقط أمة وراء أمة تحت ذات التأديب ، مادام ليس هناك رجوع إلى الله بالتوبة .. وأخيرا يسقط العالم كله تحت التأديب حتى بابل اليد المستخدمة للتأديب ! هنا إعلان صارخ عن فساد الطبيعة البشرية والحاجة إلى تدخل إلهى لإقامة طبيعة جديدة تتجاوب مع خالقها !
" لانه هكذا قال لي الرب اله اسرائيل :
خذ كاس خمر هذا السخط من يدي واسق جميع الشعوب الذين ارسلك انا اليهم اياها. فيشربوا ويترنحوا ويتجننوا من اجل السيف الذي ارسله انا بينهم ،
فأخذت الكاس من يد الرب وسقيت كل الشعوب الذين ارسلني الرب اليهم.
اورشليم ومدن يهوذا وملوكها ورؤساءها لجعلها خرابا ودهشا وصفيرا ولعنة كهذا اليوم.
وفرعون ملك مصر وعبيده ورؤساءه وكل شعبه.
وكل اللفيف وكل ملوك ارض عوص وكل ملوك ارض فلسطين واشقلون وغزة وعقرون وبقية اشدود وادوم وموآب وبني عمون ،
وكل ملوك صور وكل ملوك صيدون وملوك الجزائر التي في عبر البحر ،
وددان وتيماء وبوز وكل مقصوصي الشعر مستديرا .
وكل ملوك العرب وكل ملوك اللفيف الساكنين في البرية ،
وكل ملوك زمري وكل ملوك عيلام وكل ملوك مادي ،
وكل ملوك الشمال القريبين والبعيدين كل واحد مع اخيه وكل ممالك الارض التي على وجه الارض.
وملك شيشك يشرب بعدهم.
وتقول لهم : هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل.اشربوا واسكروا وتقيأوا واسقطوا ولا تقوموا من اجل السيف الذي ارسله انا بينكم.
ويكون اذا أبوا ان يأخذوا الكاس من يدك ليشربوا انك تقول لهم :
هكذا قال رب الجنود تشربون شربا.
لاني هانذا ابتدئ اسيء الى المدينة التي دعي اسمي عليها فهل تتبرأون انتم ؟!
لا تتبرأون لاني انا ادعو السيف على كل سكان الارض ،
يقول رب الجنود " ع 15 – 29
الكأس التى يقدمها هنا إرميا النبى للشعوب هو السيف الذى تضرب به هذه الشعوب فتترنح كالسكارى بلا وعى من هول الحدث ، يفقدون عقولهم ويصيرون كالمجانين . يتساءل البعض : كيف قدم إرميا للملوك كأس غضب الله ؟ هل قام برحلة لملوك وشعوب مختلفة ؟ أم قدم الكأس لسفرائهم فى أورشليم ؟
إنه كأس غير مادى يحمل غضبا لا تشربه الأجساد . العمل الذى قام به إرميا هو رسالة تؤكد حقيقة السخط الإلهى على الشر والأشرار المصرين على شرهم ، يعلنها النبى فى أورشليم أمام الملك والشعب ، وتبلغ إلى الملوك والشعوب المحيطة .
ددان : شعب كوشى فى جنوب العربية ..
" تيماء " قبيلة عربية تسكن فى المناطق الصحراوية وراء حاران ..
" بوز " قبيلة عربية من نسل ناحور أخو إبراهيم ( تك 22 : 21 ) تقطن على الطريق السياحى من دمشق إلى مكة ، ما بين تبوق ووادى القرى .
إن كان الله يستخدم بابل للتأديب ، فيعطيها أن تسيطر على العالم كله فى ذلك الحين فإنه يعود فيحاكمها على شرها بعد ذكره كل ممالك الأرض ، وقد دعيت هنا " شيشك " ع 26 وهو اسمها الشفرى ( 51 : 41 ) . ربما لكى لا يثير السلطات البابلية ضده .
( 5 ) قضاء الرب للمسكونة " وانت فتنبأ عليهم بكل هذا الكلام وقل لهم :
الرب من العلاء يزمجر ومن مسكن قدسه يطلق صوته ، يزئر زئيرا على مسكنه بهتاف كالدائسين يصرخ ضد كل سكان الارض.
بلغ الضجيج الى اطراف الارض لان للرب خصومة مع الشعوب هو يحاكم كل ذي جسد.يدفع الاشرار للسيف يقول الرب.
هكذا قال رب الجنود :
هوذا الشر يخرج من امة الى امة وينهض نوء عظيم من اطراف الارض.
وتكون قتلى الرب في ذلك اليوم من اقصاء الارض الى اقصاء الارض.لا يندبون ولا يضمون ولا يدفنون.
يكونون دمنة على وجه الارض .
ولولوا ايها الرعاة واصرخوا وتمرغوا يا رؤساء الغنم لان ايامكم قد كملت للذبح وابددكم فتسقطون كاناء شهي.
ويبيد المناص عن الرعاة والنجاة عن رؤساء الغنم .
صوت صراخ الرعاة وولولة رؤساء الغنم.
لان الرب قد اهلك مرعاهم .
وبادت مراعي السلام من اجل حمو غضب الرب.
ترك كشبل عيصه ( عرينه ) لان ارضهم صارت خرابا من اجل الظالم ومن اجل حمو غضبه " ع 30 – 38 .
1 - فى اسلوب شعرى تتغير الصورة إلى منظر أسد مزمجر ( عا 1 : 2 ، هو 11 : 10 ) . هنا يختلف التشبيه عن النصوص الأخرى ، فإن صوت الزئير لا يخرج من صهيون ولا من أورشليم بل من الأعالى من مسكنه المقدس فى السموات ، لأن التأديب لا يصدر ضد الأمم الوثنية فحسب ، بل ضد شعبه أيضا ومدينته .
2 – يزأر الله ليؤدب البشرية المصرة على العصيان ، زئيره يشبه صياح المحاربين .
3 – يسمع زئيره وسط الرعود ( خروج 19 : 16 ) ، وفى العاصف ( 23 : 19 ، عا 1 : 2 ، يوئيل 4 : 16 ) .
يحذرهم الرب من التباطوء فالكارثة تنتشر بسرعة من أمة إلى أمة ، دون تحديد لأسماء الأمم ، كعاصفة قوية تهب من أقاصى الأرض إلى أقاصيها ( ع 32 ) .
4 – يصرخ كالدائسين العنب .
5 – أما الرعاة أو سادة القطيع فيطلب منهم أن يولولوا ويصرخوا ويتمرغوا فى التراب ( ع 34 ) ، فقد صاروا ككباش مشتهاة للذبح خلال التأديب والمرارة .
6 – يدخل الرب فى خصومة قانونية ليحاكم كل البشرية ( ع 31 ) . كأنه وهو الديان لا يحكم على الشعوب ، بل يسلمهم إلى القضاء ، لكى يعطيهم فرصة للدفاع أو التوبة .
7 – يحذرهم أيضا من السلام الكاذب ، إذ يظنون أنهم فى وسط مراعى السلام يمارسون سلطانهم كرعاة ورؤساء ، ولم يدركوا أن الأسد قادم ، ومراعيهم تتحول إلى خراب ، ويسقطون تحت السيف بسبب الغضب الإلهى .
+ + + إرميا – الإصحاح السادس والعشرون
عظة الهيكل ونتائجها
تحوى الإصحاحات الأربعة ( 26 – 29 ) صورة حية عن حوار إرميا النبى مع الأنبياء الكذبة ، موجها إلى كل المستويات :
1 – على مستوى القيادات مع الشعب : عظة الهيكل ونتائجها ( إر 26 ) .
2 – على مستوى الملوك : نير بابل ( إر 27 ) .
3 – على مستوى الأنبياء الكذبة : إرميا يقف ضد حنانيا ( إر 28 ) .
4 – على مستوى القيادات والشعب فى السبى : رسالة إلى المسبيين ( إر 29 ) .
بناء على الأمر الإلهى وقف إرميا فى دار الهيكل يحذر الكل من خراب الهيكل والمدينة مالم يسمعوا لصوت الأنبياء ، مقدما لهم باب الرجاء خلال التوبة . اتفق الكهنة والأنبياء والشعب على قتل إرميا ، كما جاء الرؤساء من بيت الملك يتحالفون معهم إلى حين .
لم يخفهم إرميا بل حذرهم من سفك دمه البرىء ، فوقف الرؤساء مع الشعب ضد الكهنة والأنبياء قائلين إنه إنما يتكلم باسم الرب .
( 1 ) إرميا فى دار بيت الرب يحوى هذا الإصحاح ملخصا لعظة إرميا النبى فى دار بيت الرب .
قدم إرميا للمحاكمة ، وقد ظهرت المجموعات التالية :
أ – إرميا كنبى يحذر الشعب ، وكمتهم ، وأيضا كمدافع عن نفسه .
ب – الكهنة والأنبياء الكذبة يتهمون إرميا .
جـ - القضاة .
د – الرؤساء : السلطات المدنية .
هـ - الشيوخ .
و – متهمون آخرون غير إرميا .
" في ابتداء ملك يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا صار هذا الكلام من قبل الرب قائلا:
هكذا قال الرب :
قف في دار بيت الرب وتكلم على كل مدن يهوذا القادمة للسجود في بيت الرب بكل الكلام الذي اوصيتك ان تتكلم به اليهم.
لا تنقص كلمة.
لعلهم يسمعون ويرجعون كل واحد عن طريقه الشرير ،
فأندم عن الشر الذي قصدت ان اصنعه بهم من اجل شر اعمالهم.
وتقول لهم هكذا قال الرب :
ان لم تسمعوا لي لتسلكوا في شريعتي التي جعلتها امامكم ،
لتسمعوا لكلام عبيدي الانبياء الذين ارسلتهم انا اليكم مبكرا ومرسلا اياهم فلم تسمعوا. اجعل هذا البيت كشيلوه وهذه المدينة اجعلها لعنة لكل شعوب الارض.
وسمع الكهنة والانبياء وكل الشعب ارميا يتكلم بهذا الكلام في بيت الرب " ع 1 – 7 .
كان إرميا النبى فى نزاع مستمر مع الملك الشرير يهوياقيم ( 2 مل 23 : 36 ، 37 ) ، الذى وصفه يوسيفوس أنه لم يكن يخاف الله ولا يهاب إنسانا ، وكان لزوجته نحوشتا أثرها عليه ، هذه التى اشترك أبوها ألناثان فى جريمة قتل أوريا .
وقف إرميا فى دار بيت الرب يعلن محاكمة الله لشعبه مقدما لهم الرجاء الحى فى العفو إن أعلنوا توبتهم وذلك عوض النظرة التفاؤلية التى قدمها الأنبياء الكذبة فى رجاء باطل وخداع .
تعبير الله لإرميا " لا تنقض كلمة " ع 2 تعبير حى .
كأن الله يحذر إرميا ألا يهادن الشعب بل ينطق بكل كلمات الرب لهم مهما بدت قاسية ، وفى نفس الوقت فإن الله فى محبته يشتاق أن يوقف الحكم الصادر ضدهم بالتأديب ، إن قدموا توبة .
هنا يؤكد الله أنه يعلن عن إرادته لأنبيائه الحقيقيين وحدهم ، ويميز بين أنبيائه الحقيقيين والأنبياء الكذبة ، فينسب الأولين له ويدعوهم : " عبيدى " ع 5 ، لأنهم يسمعون له ويتممون إرادته .
ما أصعب أن يسمع الكل عن الهيكل ومدينة الله أن يصيروا كشيلوه هذه التى حطمها الفلسطينيون حوالى سنة 1050 ق . م . ( 1 صم 4 ) .
ما أصعب على آذان الكل أن يسمعوا كلمة " لعنة " ع 6 عن مدينة الله التى يرى الكل أنها سبب بركة للعالم كله !
( 2 ) القبض على إرميا ومحاكمته " وكان لما فرغ ارميا من التكلم بكل ما اوصاه الرب ان يكلم كل الشعب به ان الكهنة والانبياء وكل الشعب امسكوه قائلين تموت موتا.
لماذا تنبأت باسم الرب قائلا مثل شيلوه يكون هذا البيت وهذه المدينة تكون خربة بلا ساكن ؟ !
واجتمع كل الشعب على ارميا في بيت الرب " ع 8 ، 9 .
لم يقف الأمر عند غضب الملك ، وإنما رأى الشعب فى مجاهرة إرميا بأن الله سيجعل مقدسه – الهيكل الذى يفتخرون به – خرابا ، كما فعل لشيلوه منذ حوالى 500 سنة ، إهانة لله كأنه عاجز عن حمايتهم ...
ألقى القبض على إرميا بالتهم التالية ، وهى ذات الإتهامات التى وجهت إلى السيد المسيح نفسه ( مت 26 : 60 ) ، فكان إرميا رمزا وظلا لمخلصه :
أ – النطق بكلمات ضد الهيكل والمدينة المقدسة فى داخل الهيكل .
ب – النطق بإسم يهوه باطلا ، معلنا أن الهيكل يصير كشيلوه ، وأورشليم تصير خرابا بلا ساكن .
جـ - كان إرميا فى نظر متهميه نبيا كاذبا ، إذ كانوا يظنون أن ما نطق به أمر مستحيل ، لن يصدر عن رجل الله !
د – أنه مجدف ، ينطق بإسم الله بما لا يليق بالله !
لا تزال الإتهامات موجهة ضد المسيح فى تلاميذه ومؤمنيه ، الذين يحسبون إلى اليوم مجدفين .
كلمة " اجتمع " تشير إلى تجمع دينى كما إلى تجمع للحرب ( 2 صم 20 : 14 ) ، وكأن الهيكل قد تحول من اجتماع دينى إلى معركة أو ثورة غضب شعبية ضد إرميا .
( 3 ) صعود الرؤساء إلى بيت الرب " فلما سمع رؤساء يهوذا بهذه الأمور صعدوا من بيت الملك الى بيت الرب وجلسوا في مدخل باب الرب الجديد.
فتكلم الكهنة والانبياء مع الرؤساء وكل الشعب قائلين :
حق الموت على هذا الرجل ،
لانه قد تنبأ على هذه المدينة كما سمعتم بآذانكم " ع 10 ، 11 .
سمع رؤساء القضاة الرسميين ( رؤساء يهوذا ) بالأمر ، فاقاموا محاكمة حيث جلسوا فى مدخل " الباب الجديد " . هذه هى العادة أن تقام المحاكمة عند الأبواب ( تك 23 : 10 – 20 ، را 4 : 1 ، أم 31 : 23 ) .
لماذا تمت محاكمة إرميا النبى فى مدخل باب الرب الجديد ؟ يبدو أن الله قد سمح بمحاكمته فى مدخل باب لرب الجديد " خارج أورشليم " ليدرك أنه ليس طرفا فى هذه المحاكمة ، إنما كلمة الرب نفسه ! كان ظلا للسيد المسيح الذى ارتجت الأمم وقامت الملوك ضده ، وصدر الحكم عليه : موتا تموت ! وصلب على جبل الجلجثة خارج المحلة .
( 4 ) إرميا يحذرهم من سفك دمه " فكلم ارميا كل الرؤساء وكل الشعب قائلا.
الرب ارسلني لاتنبأ على هذا البيت وعلى هذه المدينة بكل الكلام الذي سمعتموه.
فالآن اصلحوا طرقكم واعمالكم واسمعوا لصوت الرب الهكم فيندم الرب عن الشر الذي تكلم عليكم.
اما انا فهانذا بيدكم.
اصنعوا بي كما هو حسن ومستقيم في اعينكم.
لكن اعلموا علما انكم ان قتلتموني تجعلون دما زكيا على انفسكم وعلى هذه المدينة وعلى سكانها ،
لانه حقا ارسلني الرب اليكم لاتكلم في آذانكم بكل هذا الكلام " ع 12 – 15 .
جاء دفاع إرميا أن ما نطق به ليس من عنده بل من قبل الله ، وأنه نبى حقيقى ( ع 21 ) ، وأن قتله يعنى سفك دم برىء ، ينتقم له الرب نفسه . كما دعى الكل إلى التوبة لخلاصهم . إنه لا يبالى بقتله لكنه يخشى هلاكهم وضياع الشعب كله والمقدسات الإلهية .
لم يكن دفاع إرميا عن ضعف ولا عن خوف من الموت ، وإنما لأجل خلاص سامعيه . فإن محاكماتهم لن تفقده سلامه أو سعادته ، وكما يقول القديس يوحنا الذهبى الفم :
[ الإنسان الفاضل ، وإن كان عبدا أو سجينا ، فهو أكثر الناس سعادة .. ضعيفة هى الرذيلة وقوية هى الفضيلة ! ] .
( 5 ) الرؤساء والشعب ضد الكهنة والأنبياء " فقالت الرؤساء وكل الشعب للكهنة والانبياء :
ليس على هذا الرجل حق الموت لانه انما كلمنا باسم الرب الهنا.
فقام اناس من شيوخ الارض وكلموا كل جماعة الشعب قائلين :
ان ميخا المورشتي تنبأ في ايام حزقيا ملك يهوذا وكلم كل شعب يهوذا قائلا :
هكذا قال رب الجنود ان صهيون تفلح كحقل وتصير اورشليم خربا وجبل البيت شوامخ وعر.
هل قتلا قتله حزقيا ملك يهوذا وكل يهوذا ؟!
ألم يخف الرب وطلب وجه الرب فندم الرب عن الشر الذي تكلم به عليهم ، فنحن عاملون شرا عظيما ضد انفسنا ؟!
وقد كان رجل ايضا يتنبأ باسم الرب اوريا بن شمعيا من قرية يعاريم فتنبأ على هذه المدينة وعلى هذه الارض بكل كلام ارميا.
ولما سمع الملك يهوياقيم وكل ابطاله وكل الرؤساء كلامه طلب الملك ان يقتله.
فلما سمع اوريا خاف وهرب واتى الى مصر.
فارسل الملك يهوياقيم اناسا الى م | |
|