Admin Admin
عدد المساهمات : 183 تاريخ الميلاد : 30/06/1997 تاريخ التسجيل : 21/12/2009 العمر : 27
| موضوع: إرميا – الإصحاح السابع والعشرون الخميس فبراير 04, 2010 6:20 pm | |
| إرميا – الإصحاح السابع والعشرون
نير بابل
رأينا فى الإصحاح السبق إرميا النبى المجروح فى بيت أحبائه .. الآن نرى فى هذا الإصحاح الصورة تتكامل بكون إرميا ظلا للسيد المسيح المتألم . بينما كان الكهنة واللاويون يرتدون الثياب الفخمة ، والقيادات تتبختر فى مجدها الزمنى إذا بإرميا بأمر إلهى يحمل نيرا أو أنيارا وأربطة ...يحمل ما تئن منه الثيران !
كرمز للسيد المسيح كان يحمل النير ( الصليب ) ، فيقال عنه :
" لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ، ولا منظر فنشتهيه ، محتقر ومخذول من الناس ، رجل أوجاع مختبر الحزن .. " إش 53 : 2 ، 3 .
كثيرون بلا شك كانوا يسخرون من منظره ، فقد جاءوا إلى بيت الرب بثياب فاخرة أما ثوبه فهو : نير الحب الباذل !
إرميا كنبى للشعوب ( إر 1 ) حذر الأمم الغريبة مع يهوذا مطالبا إياهم بالخضوع لنير بابل حتى يحيوا ... فلا تتعرض بلادهم للحرق بالنار وشعبهم للقتل بالسيف ، مع انتشار الجوع والوباء .
( 1 ) تحذير لرسل الملوك الغرباء " في ابتداء ملك يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا صار هذا الكلام الى ارميا من قبل الرب قائلا :
هكذا قال الرب لي :
اصنع لنفسك ربطا وانيارا واجعلها على عنقك.
وارسلها الى ملك ادوم والى ملك موآب والى ملك بني عمون والى ملك صور والى ملك صيدون بيد الرسل القادمين الى اورشليم الى صدقيا ملك يهوذا .
واوصهم الى سادتهم قائلا :
هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل :
هكذا تقولون لسادتكم.
اني انا صنعت الارض والانسان والحيوان الذي على وجه الارض بقوتي العظيمة وبذراعي الممدودة واعطيتها لمن حسن في عينيّ.
والآن قد دفعت كل هذه الاراضي ليد نبوخذناصّر ملك بابل عبدي واعطيته ايضا حيوان الحقل ليخدمه.
فتخدمه كل الشعوب وابنه وابن ابنه حتى يأتي وقت ارضه ايضا فتستخدمه شعوب كثيرة وملوك عظام.
ويكون ان الامة او المملكة التي لا تخدم نبوخذناصّر ملك بابل والتي لا تجعل عنقها تحت نير ملك بابل اني اعاقب تلك الامة بالسيف والجوع والوبإ يقول الرب حتى افنيها بيده.
فلا تسمعوا انتم لانبيائكم وعرافيكم وحالميكم وعائفيكم وسحرتكم الذين يكلموكم قائلين لا تخدموا ملك بابل.
لانهم انما يتنبأون لكم بالكذب لكي يبعدوكم من ارضكم ولأطردكم فتهلكوا.
والامة التي تدخل عنقها تحت نير ملك بابل وتخدمه اجعلها تستقر في ارضها يقول الرب وتعملها وتسكن بها " ع 1 – 11 .
يرى البعض أن إرميا قد بدأ فى صنع الأنيار والأربطة فى عهد يهوياقيم ، وبعد ذلك أرسلها إلى الملوك المجاورين فى عهد صدقيا الملك .
بدأ حديث إرميا باعلان سلطان يهوه إله إسرائيل على الأرض كلها وشعوبها وكل الخليقة ، ليس بكونه الخالق فقط ، وإنما هو إله التاريخ وصانعه ، وأنه هو الذى أقام نبوخذنصر عبده لغرض إلهى .
تحدث إرميا بيقين ليس معتمدا على تكهنات سياسية ، وإنما باقتناع قوى أن الله رب الجنود هو قائد كل شئون العالم ، له خطته نحو البشر . حقا كان نبوخذنصر شريرا ، ومع ذلك أعطاه الله نصيبا وافرا من خيرات هذا العالم ، ولكن إلى حين .
هذا ما نلمسه كل يوم حين نجد أشرارا ناجحين ، فنصرخ مع المرتل ، قائلين : " لماذا تنجح طريق الأشرار ؟! " ... يستخدم الله أحيانا نجاحهم لتأديب أولاده مع نزع كل عذر للأشرار عن شرهم .
( 2 ) نصيحة لصدقيا الملك " وكلمت صدقيا ملك يهوذا بكل هذا الكلام قائلا :
ادخلوا اعناقكم تحت نير ملك بابل واخدموه وشعبه واحيوا.
لماذا تموتون انت وشعبك بالسيف بالجوع والوبإ كما تكلم الرب عن الامة التي لا تخدم ملك بابل ؟!
فلا تسمعوا لكلام الانبياء الذين يكلمونكم قائلين لا تخدموا ملك بابل لانهم انما يتنبأون لكم بالكذب.
لاني لم ارسلهم يقول الرب بل هم يتنبأون باسمي بالكذب لكي اطردكم فتهلكوا انتم والانبياء الذين يتنبأون لكم " ع 12 – 15 .
يكرر إرميا ما قاله لرسل الملوك لصدقيا الملك ، حتى يبدو كمن هو عميل لبابل وخائن لبلده .
كان من الصعب على أى يهودى خاصة الملك أن يسمع تلك الكلمات : " ادخلوا أعناقكم تحت نير ملك بابل " ، فقد عرفوا أن الله إلههم هو المحرر من نير العبودية ( لا 26 : 13 ) ، فكيف يطلب منهم أن ينحنوا ليدخلوا أعناقهم تحت نير ملك وثنى ؟! إنها علامة غضب الله ؟!
كانت إحدى اللعنات التى يسقط تحتها الشعب فى عصيانه للوصية هى :
" تستعبد لأعدائك الذين يرسلهم الرب عليك .. فيجعل نير حديد على عنقك حتى يهلكك ، يجلب الرب عليك أمة من بعيد من أقصاء الأرض كما يطير النسر ، أمة لا تفهم لسانها ... " ( تث 28 : 48 الخ ) .
لم يسمع صدقيا له ، فكان مصيره السبى ( 587 ق . م . ) بعد قتل أولاده أمام عينيه ، وفقأت عيناه ( 2 مل 25 : 1 – 7 ) .
لماذا أمرهم الله بالخضوع لنير بابل ؟ أدرك إرميا بالاعلان الإلهى أن هذه هى إرادة الله وحكمته ولا يقدر الإنسان أن يقف أمامها .
لعل الله أمرهم بذلك لكى يكتشفوا خلال المذلة لنير بابل النير الداخلى الذى سقطوا تحته ، وهو نير الخطية .
( 3 ) حديث مع الكهنة والشعب " وكلمت الكهنة وكل هذا الشعب قائلا :
هكذا قال الرب.
لا تسمعوا لكلام انبيائكم الذين يتنبأون لكم قائلين ها آنية بيت الرب سترد سريعا من بابل.لانهم انما يتنبأون لكم بالكذب.
لا تسمعوا لهم.
اخدموا ملك بابل واحيوا.
لماذا تصير هذه المدينة خربة ؟!
فان كانوا انبياء وان كانت كلمة الرب معهم فليتوسلوا الى رب الجنود لكي لا تذهب الى بابل الآنية الباقية في بيت الرب وبيت ملك يهوذا وفي اورشليم .
لانه هكذا قال رب الجنود عن الاعمدة وعن البحر وعن القواعد وعن سائر الآنية الباقية في هذه المدينة التي لم يأخذها نبوخذناصّر ملك بابل عند سبيه يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا من اورشليم الى بابل وكل اشراف يهوذا واورشليم.
انه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل عن الآنية الباقية في بيت الرب وبيت ملك يهوذا وفي اورشليم .
يؤتى بها الى بابل وتكون هناك الى يوم افتقادي اياها يقول الرب فاصعدها واردها الى هذا الموضع " ع 16 – 22 .
يقصد بالأعمدة العمودين النحاسيين اللذين وضعهما سليمان فى رواق الهيكل فى المدخل ، طول العمود الواحد ثمانية عشر ذراعا ( 1 مل 7 : 15 – 22 ) . أما البحر فكان من النحاس دائرى الشكل قطره عشر أذرع ، يحوى ماء يستخدم فى غسلات مختلفة أثناء العبادة ، وكان قائما على أثنى عشر ثورا ، ربما هذه الثيران هى التى تدعى هنا بالقواعد ( 1 مل 7 : 22 – 25 ) .
إن كان الله يؤكد السبى البابلى والأستيلاء على بقية آنية الرب وآنية بيت الملك لكنه يفتح باب الرجاء أمامهم ، قائلا : " إلى يوم افتقادى إياها " ع 22 . وقد تحقق ذلك فى أيام كورش حيث حث الله قلبه أن يحقق هذه النبوة ( عز 1 : 7 ، 7 : 19 ) .
لم يكن إرميا النبى متشائما كما يظن البعض ، فإنه فى أحلك لحظات الظلمة لم يفقد ثقته فى وعود الله بالخلاص . هكذا يليق بالمؤمن أن تستنير نفسه بالمواعيد الإلهية ، فتتهلل أعماقه ، متأكدا أن خطة الله الخلاصية ستتم حتما ، بغض النظر عن الظروف القائمة أو ما سيحل فى المستقبل القريب .... لنتتظر الرب ، فإنه حتما سيخلص فى الوقت المعين !
هكذا عاشت الكنيسة الأولى وسط الأضطهاد المر مملوءة رجاء فى عمل الله معها عبر الأجيال وثقتها فى نعمة الله الغنية التى تتحدى الزمن !
+ + +
+ دفعت بشعبك تحت نير بابل القاسى ،
لعلهم يدركون بالحق نير الخطية الداخلى ،
يدركون مرارة عبوديتها ،
ويشعرون بقساوة عنفها ،
فيصرخون إليك أيها المخلص محرر النفوس !
+ نير تأديبك الإلهى يكشف عن نير الخطية المر .
لكنك وأنت القدوس بالحب حملته عنى !
أراك على الصليب حاملا نيرى !
يا لك من مخلص عجيب !
+ حملت نيرى ،
هب لى شرف حمل نيرك ،
نيرى نير الخطية القاتل ،
نيرك نير الحب الباذل واهب الحياة !
نيرى عار وخزى ،
ونيرك مجد وبهاء !
+ لأحمل نيرك فيحملنى هو !
لقبل آلام صليبك ، فيرفعنى صليبك إليك ،
ويدخل بى إلى حضن أبيك !
+ حقا نيرك هين وعذب !
به ألتقى بك أيها المصلوب !
به اتمتع ببهجة قيامتك ،
به أتعرف على أسرارك ،
به أنعم بالأحضان الأبوية ،
وشركة الأمجاد الإلهية .
+ + + إرميا – الإصحاح الثامن والعشرون
إرميا يقف ضد حننيا
فى عام 594 ق . م . كان لإرميا النبى مقابلة مع حننيا بن عزوز أحد الأنبياء الكذبة ، هذا الذى نسب للــه كلاما باطلا حيث نادى بأن نير ملك بابل ينكسر فى خلال سنتين ، وسترد آنية بيت الرب ويرجع يكنيا الملك وكل المسبيين من يهوذا . كان يظن أنه بهذا يواسى الشعب ويرفع من روحه المعنوية ، كما يكسب شعبية على حساب الحق الإلهى .
( 1 ) كلمات حننيا الكاذبة " وحدث في تلك السنة في ابتداء ملك صدقيا ملك يهوذا في السنة الرابعة في الشهر الخامس ان حننيا بن عزور النبي الذي من جبعون كلمني في بيت الرب امام الكهنة وكل الشعب قائلا :
هكذا تكلم رب الجنود اله اسرائيل قائلا :
قد كسرت نير ملك بابل .
في سنتين من الزمان ارد الى هذا الموضع كل آنية بيت الرب التي اخذها نبوخذناصّر ملك بابل من هذا الموضع وذهب بها الى بابل.
وارد الى هذا الموضع يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا وكل سبي يهوذا الذين ذهبوا الى بابل يقول الرب لاني اكسر نير ملك بابل " ع 1 – 4 .
تم هذا الحدث حوالى عام 594 ق . م . بعد حوار إرميا مع رسل الملوك بمدة قصيرة . وكان إرميا لا يزال يضع النير على عنقه بأربطته حتى يذكر الكل بما تنبأ عنه ، الأمر الذى لم يحتمله الأنبياء الكذبة .
كلمة " حننيا " تعنى " يهوه حنان " أو " واهب نعمة " ، لكن حننيا أعلن حنان الله بطريقة خاطئة ، حيث قاوم نبوات إرميا الصادقة .
إذ حل السبى لم يعد ممكنا للأنبياء الكذبة إنكاره كما فعلوا قبلا فى مقاومتهم الأنبياء الحقيقيين ومن بينهم إرميا ، لذلك نادى حننيا بأنه وإن كان قد تم السبى لكنه لن يستمر أكثر من عامين فقط . بتحديده الرقم حاول الإيحاء بتأكيد نبواته ، إذ يتكلم كما بأرقام ثابتة ودقيقة كمن هو واثق من صدق رسالته . هذا بجانب استخدامه نفس تعبيرات إرميا النبى بقوله : " هكذا تكلم رب الجنود إله إسرائيل " ع 2 . بينما يتكلم بروح الكذب ، إذا به يتستر باسم الرب وروح الحق .
يلاحظ فى حديث حننيا أنه يعطى لآنية بيت الرب أولوية عن الملك وكل الشعب !
وكأن ما يشغله بالأكثر هى الآنية الثمينة ، حقا لهذه الآنية قدسيتها حتى فى عينى الله ، لكنه يقدسها من أجل شعبه ، فإن استهان الشعب بأن يكون مقدسا كهيكل حى للرب ، هل يهتم الله بالأوانى ؟! إنه يطلبنا نحن أولا بكوننا الآنية الفخارية التى تحمله فى داخلها ، كنزنا السماوى !
( 2 ) إرميا يعلق على كلماته " فكلم ارميا النبي حننيا النبي امام الكهنة وامام كل الشعب الواقفين في بيت الرب .
وقال ارميا النبي : آمين.هكذا ليصنع الرب.ليقم الرب كلامك الذي تنبأت به فيرد آنية بيت الرب وكل السبي من بابل الى هذا الموضع.
ولكن اسمع هذه الكلمة التي اتكلم انا بها في اذنيك وفي آذان كل الشعب.
ان الانبياء الذين كانوا قبلي وقبلك منذ القديم وتنبأوا على اراض كثيرة وعلى ممالك عظيمة بالحرب والشر والوبإ .
النبي الذي تنبأ بالسلام فعند حصول كلمة النبي عرف ذلك النبي ،
ان الرب قد ارسله حقا " ع 5 – 9 .
أغلب الظن أن جواب إرميا تهكمى فيه استخفاف بما ينطق به النبى الكاذب .
مع أنه كان له بحق أن يضيف " آمين " إلى كلام حننيا ، لأنه كان يحب شعبه والهيكل ويتمنى لهما الخير ، إرميا النبى كمحب لشعبه ورجل وطنى كان يشتهى أن ما قاله حننيا يكون صادقا ، فعندما كان يقول : " آمين " يقصدها من كل قلبه ، لكنه كان يدرك أنها نبوة كاذبة تناقض الحق الإلهى ! لقد سبق فأعلن عن حبه لشعبه أمام الرب ، قائلا : " أما أنا فلم اعتزل عن أن أكون راعيا وراءك ولا اشتهيت يوم البلية . أنت عرفت ! ما خرج من شفتى كان مقابل وجهك " ( 17 : 16 ) .
لم يكن ممكنا للشعب أن يميز بين النبيين أيهما صادق وأيهما كاذب ، فقد تنبأ الإثنان باسم الرب .
قدم إرميا برهانين على صدق نبوته :
أولا : اعتمد على كلمات الأنبياء السابقين له ، موضحا أن ما قاله حننيا مناقض لنبواتهم . هؤلاء الأنبياء هم يوئيل وعاموس وهوشع وميخا وصفنيا وناحوم وحبقوق وغيرهم . هؤلاء جميعا أعلنوا أن شرا سيحل بالشعب الذى سلك فى الفساد ولم يتب .
ثانيا : أعلن أن الزمن وحده يكشف الحق من الباطل .
يرى إرميا النبى أن إسرائيل كشعب خاص منسب لله يلزمه الطاعة والحياة المقدسة مع الشعور بالمسئولية والإلتزام .
( 3 ) حننيا يكسر النير الخشبى " ثم اخذ حننيا النبي النير عن عنق ارميا النبي وكسره.
وتكلم حننيا امام كل الشعب قائلا :
هكذا قال الرب :
هكذا اكسر نير نبوخذناصّر ملك بابل في سنتين من الزمان عن عنق كل الشعوب.
وانطلق ارميا النبي في سبيله " ع 10 – 11 .
كان حننيا واثقا فى نفسه لكنه كان غاضبا من كلمات إرميا ، وقد عبر عن رأيه بكسر النير الخشبى الذى وضعه إرميا على عنقه ( 27 : 2 ) .
لقد ظن حننيا أنه بحماسه الشخصى يغلب إرميا .
( 4 ) الله يقيم نيرا حديديا " ثم صار كلام الرب إلى أرميا النبى بعد ما كسر حننيا النبى النير عن عنق إرميا النبى قائلا :
اذهب وكلم حننيا قائلا :
هكذا قال الرب :
قد كسرت انيار الخشب وعملت عوضا عنها انيارا من حديد.
لانه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل.
قد جعلت نيرا من حديد على عنق كل هؤلاء الشعوب ليخدموا نبوخذناصّر ملك بابل فيخدمونه وقد اعطيته ايضا حيوان الحقل " ع 12 – 14 .
لم يجب إرميا النبى على تصرفات حننيا بسرعة .
لم يكن النبى الحقيقى حالما ولا رجل سياسة لكنه استلم الإجابة من يهوه مباشرة ، وهى ذات الكلمة التى سبق فاستلمها . إن كان حننيا قد كسر النير الخشبى هوذا الله يقدم نيرا حديديا لا ينكسر ، يضعه على عنق جميع الأمم .
إن كانوا بالتمرد قد ألقوا عنهم النير الخشبى وكسروه لكنهم عوض التمتع بالراحة والحرية انحنوا لنير حديدى لا ينكسر !
يؤكد إرميا النبى أن الله يقيم نيرا حديديا ليس فقط على عنق يهوذا والأمم المحيطة بل وأيضا على عنق حيوانات الحقل ( ع 14 ) أو الوحوش .
بينما يتنبأ حننيا كذبا أنه خلال عامين ترد أوانى بيت الرب ويرجع الملك والشعب المسبى ، إذا بإرميا يؤكد أنه فى خلال سنة يعود نبوخذنصر ليستولى على بقية أوانى بيت الرب ويسبى البقية ، ولن يتم أى إصلاح إلا بعد سيعين عاما من السبى . هذا ولم يعش حننيا عامين ليرى النصرة كما ظن إنما مات بعد شهرين وانحدر بكذبه إلى الهلاك
( 5 ) إرميا يقف ضد حننيا " فقال ارميا النبي لحننيا النبي اسمع يا حننيا.
ان الرب لم يرسلك وانت قد جعلت هذا الشعب يتكل على الكذب.
لذلك هكذا قال الرب :
هانذا طاردك عن وجه الارض.
هذه السنة تموت لانك تكلمت بعصيان على الرب.
فمات حننيا النبي في تلك السنة في الشهر السابع " ع 15 – 17 .
أكد إرميا عمليا أن الله لم يرسل حننيا ليتنبأ وسط شعبه إنما ها هو يرسله سريعا إلى الموت مطرودا حتى من وجه الأرض . إنه غير مشتحق لخدمة الكهنوت ، ولا حتى لممارسة الحياة اليومية كإنسان ، لأنه يقاوم الحق الإلهى باسم الله نفسه وبإدعاءات كاذبة . وقد مات فعلا بعد حوالى شهرين من الحوار ، فثبت صدق نبوة إرميا ، ولم يعد هناك عذر لمن سمع لحننيا .
لماذا صدر الحكم : " هأنذا طاردك عن وجه الأرض ؟ " قال أحد آباء البرية :
" من لا يصلح لموضع فالموضع نفسه يطرده " .
+ + +
إرميا – الإصحاح التاسع والعشرون
رسالة إلى المسبيين
لم يقف عمل إرميا النبى عند حدود يهوذا ، إذ كان يمثل الصوت الإلهى الموجه إلى الملك ورجاله وكل القيادات الدينية والمدنية وأيضا إلى الشعب المسبى ، أغنيائه وفقرائه . لم يذهب إليهم بشخصه ويعمل بينهم فى أرض عبوديتهم فقد أقام الله حزقيال النبى لهذه الخدمة ( حز 1 : 1 ) أما إرميا فكان يبعث إليهم رسائله .
حملت رسائل إرميا كلمة توبيخ للأنبياء الكذبة والسالكين وراءهم ، كما قدمت كلمة تشجيع لتعزية من لهم إيمان بمواعيد الله .
( 1 ) رسالة إلى المسبيين .
" هذا كلام الرسالة التي ارسلها ارميا النبي من اورشليم الى بقية شيوخ السبي والى الكهنة والانبياء والى كل الشعب الذين سباهم نبوخذناصّر من اورشليم الى بابل ،
بعد خروج يكنيا الملك والملكة والخصيان ورؤساء يهوذا واورشليم والنجارين والحدادين من اورشليم .
بيد العاسة بن شافان وجمريا بن حلقيا اللذين ارسلهما صدقيا ملك يهوذا الى نبوخذناصّر ملك بابل الى بابل قائلا ..... " ع 1 – 3 .
واضح أن البابليين لم يمنعوا أية اتصالات بين المسبيين والذين بقوا فى يهوذا وإسرائيل ، ويرى بعض الدارسين أن البابليون لم يمارسوا أية وحشية ضد المسبيين .
هذه الرسالة موجهة إلى " بقية الشيوخ " مما يشير أن بعض الشيوخ قد ماتوا فى السبى أو قتلوا أو سجنوا ربما بسبب بعض الأضطرابات المشار إليها فى ع 21 ، 22 . وإن البعض يستبعدون حدوث قتل للشيوخ ، ربما يقصد بالشيوخ هنا البارزين أو الرؤساء .
أرسلت الرسالة بيد إثنين كانا صديقين لإرميا النبى ، أرسلا إلى بابل لتأكيد ولاء صدقيا لنبوخذنصر بعد أن ظهرت حركة تمرد بين الأمم التى فى الغرب ( ص 27 ) ، كان هذان الرسولان مبعوثين من صدقيا المتمرد للتفاوض مع الحاكم البابلى ، إلا أنهما حملا رسالة من ملك أعظم جدا من هذا وذاك ، من رب الجنود ، هذا الذى يتنازل للأتصال بشعبه المسبى على هذا النحو .
حملت الرسالة كلمات تشجيع لتثبيت إيمان المسبيين ، وفى نفس الوقت حملت توبيخا للأنبياء الكذبة الذين دأبوا على تقديم آمال زائفة .
فمن جهة التشجيع كتب إرميا النبى :
" هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل لكل السبي الذي سبيته من اورشليم الى بابل.
ابنوا بيوتا واسكنوا واغرسوا جنات وكلوا ثمرها.
خذوا نساء ولدوا بنين وبنات وخذوا لبنيكم نساء واعطوا بناتكم لرجال فيلدن بنين وبنات واكثروا هناك ولا تقلوا.
واطلبوا سلام المدينة التي سبيتكم اليها ،
وصلّوا لاجلها الى الرب لانه بسلامها يكون لكم سلام " ع 4 – 7 .
أ – جاءت الرسالة تناشدهم بقبول الضيقة بكونها من يد الرب ، وأن يمارسوا حياتهم بطريقة طبيعية فى استقرار ، وأن ينتظروا فى خضوع لله لكى ينقذهم فى الوقت المناسب ، لأن السبى مستمر ولن ينتهى فى عامين كما أدعى الأنبياء الكذبة .
كانت غاية الرسالة ألا ينشغلوا بالعودة بل بالتوبة والعبادة ..
يبدو أن الكآبة قد حلت بالمسبيين لشعورهم بأنهم خطاة أكثر من كل الذين بقوا فى أورشليم ، لذا كانت هذه الرسالة للتعزية ، وحث الشبان على الزواج ، لكنه لا يعنى الزواج من البابليات .
ب – يؤكد إرميا النبى أن هذه الرسالة مقدمة من " رب الجنود إله إسرائيل " ع 4 . فلم يكن إرميا إلا مجرد كاتب أو ناسخ لها .
جـ - إن كان يؤكد :
" كل السبى الذى سبيته " ع4 ، " المدينة التى سبيتكم إليها " ع 7 ، فإنه هو الذى سمح بالسبى ليس لضررهم ولا حدث اعتباطا بل لخيرهم وبخطة إلهية .
د – سمع صدقيا بإرسال هذه الرسالة إلى المسبيين دون أن يقاومها ، ربما إذ مات حننيا ( إر 28 : 17 ) شعر الملك بخطورة مقاومة النبى .
هـ - يليق بهم أن يصلوا لأجل خير مملكة بابل وثباتها ع 7 . فقد صاروا كجزء منها .
يمكننا القول أن ما ورد هنا يعتبر تذوق سابق للفكر الإنجيلى الخاصة بمحبة الأعداء والخضوع للرئاسات أيا كانت كما جاء فى رسالة القديس بطرس الأولى 1 بط 2 : 13 ، 16 .
يبدو أن بعض المسبيين التجأوا إلى بعض العرافين لتحقيق الأحلام ، لكن الله حذرهم من ذلك .
" لانه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل :
لا تغشكم انبياؤكم الذين في وسطكم وعرافوكم ،
ولا تسمعوا لاحلامكم التي تتحلمونها.
لانهم انما يتنبأون لكم باسمي بالكذب.
انا لم ارسلهم يقول الرب " ع 8 ، 9 .
أكدت الرسالة العودة بعد سبعين عاما .
" لانه هكذا قال الرب :
اني عند تمام سبعين سنة لبابل اتعهدكم واقيم لكم كلامي الصالح بردكم الى هذا الموضع. لاني عرفت الافكار التي انا مفتكر بها عنكم يقول الرب ،
افكار سلام لا شر لاعطيكم آخرة ورجاء " ع 11 – 14 .
إن كان تمام السبعين عاما حيث ينتهى السبى يشير إلى ملء الأزمنة حيث جاء مسيحنا يعلن : " إن حرركم الإبن فبالحقيقة تكونون أحرارا " ، فبمجيئه نطلب الآب فنجده فينا ، حيث تمت مصالحتنا واتحادنا معه فى إبنه الوحيد خلال الصليب . لقد غير مسيحنا قلبنا ، وها هو يجدده بروحه القدوس ، فنطلب الله بكل قلوبنا بكونه شهوة نفوسنا . بهذا يتحقق الوعد الإلهى :
" فتدعونني وتذهبون وتصلّون اليّ فاسمع لكم.
وتطلبونني فتجدونني اذ تطلبونني بكل قلبكم.
فأوجد لكم يقول الرب وارد سبيكم واجمعكم من كل الامم ومن كل المواضع التي طردتكم اليها يقول الرب واردكم الى الموضع الذي سبيتكم منه " ع 12 ، 13 .
ربما ظن بعض اليهود أن الله لا يسمع لهم لأنهم مستبعدون من مدينة الله ، أورشليم ، ومن هيكله . هنا يؤكد إرميا النبى أن الله يطلب القلب لا المكان .
يؤكد الله لشعبه أنه هو غاية طلبهم ، قائلا :
" وتطلبونني فتجدونني اذ تطلبونني بكل قلبكم ،
فأوجد لكم يقول الرب "
يأتى الحديث عن الباقين بأورشليم .
" لانكم قلتم قد اقام لنا الرب نبيين في بابل .
فهكذا قال الرب للملك الجالس على كرسي داود ولكل الشعب الجالس في هذه المدينة اخوتكم الذين لم يخرجوا معكم في السبي .
هكذا قال رب الجنود :
هانذا ارسل عليهم السيف والجوع والوبأ واجعلهم كتين رديء لا يؤكل من الرداءة. والحقهم بالسيف والجوع والوبإ واجعلهم قلقا لكل ممالك الارض حلفا ودهشا وصفيرا وعارا في جميع الامم الذين طردتهم اليهم " ع 15 – 18 .
إذ تحدث عن الباقين فى يهوذا أشار إلى الملك بقوله : " الملك الجالس على كرسى داود " ع 16 . ليؤكد لهم أن بقاء الملك على كرسى داود لا يعنى رضاء الرب عنه . فقد قيل عن نسل داود : " إن ترك بنوه شريعتى ولم يسلكوا بأحكامى ... افتقد بعصا معصيتهم وبضربات إثمهم ، أما رحمتى فلا أنزعها عنه ولا أكذب من جهة أمانتى ، لا أنقض عهدى ولا أغير ما خرج من شفتى " مز 89 : 30 – 34 .
بمعنى آخر ، يقول لهم إنى أرسل السيف والوباء والجوع على الملك والشعب الباقى معه ، ثم أطردهم إلى كل الأمم . سيكون حالهم أشر مما أنتم عليه !
إن فترة السبى الطويلة ذات فائدة روحية فقد أنجبت رجالا لله شهودا أمناء أمام الأباطرة والشعب الغريب الجنس ، مثل دانيال النبى والثلاثة فتية القديسين ومردخاى واستير ونحميا وعزرا والأعداد الراجعة إلى أورشليم فى غيرة ونقاوة قلب .
" من اجل انهم لم يسمعوا لكلامي يقول الرب اذ ارسلت اليهم عبيدي الانبياء مبكرا ومرسلا ولم تسمعوا يقول الرب " ع 18 – 19 .
لم يتوقف الله عن إرسال عبيده الأنبياء لتحذيرهم ، إنه يكرر الرسالة طالبا توبتهم .
" وانتم فاسمعوا كلمة الرب يا جميع السبي الذين ارسلتهم من اورشليم الى بابل.
هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل عن اخآب بن قولايا وعن صدقيا بن معسيا اللذين يتنبآن لكم باسمي بالكذب.
هانذا ادفعهما ليد نبوخذراصر ملك بابل فيقتلهما امام عيونكم.
وتؤخذ منهما لعنة لكل سبي يهوذا الذين في بابل فيقال يجعلك الرب مثل صدقيا ومثل اخآب اللذين قلاهما ملك بابل بالنار.
من اجل انهما عملا قبيحا في اسرائيل وزنيا بنساء اصحابهما وتكلما باسمي كلاما كاذبا لم اوصهما به وانا العارف والشاهد يقول الرب " ع 20 – 23 .
إن كان الله يرد المسبيين بعد توبتهم ورجوعهم إليه بكل قلوبهم فهو أيضا يؤدب الذين بقوا فى يهوذا ، الذين لم يسمعوا لصوته خلال أنبيائه . إنهم التين الردىء جدا الذى لا يؤكل بسبب ردائته . ( ص 24 ) .
عاد ليتحدث عن الأنبياء الكذبة الذين سبوا ، محددا بالإسم أخاب بن قولايا وصدقيا بن معسيا ، هذان اللذان تكلما بالكذب فسبيا فى عام 597 ق . م . ، وعوض التوبة ارتكبا الزنا مع نساء أصحابهما ، فارتبط فساد كلامهما بفساد سيرتهما ، فاستحقا أن يقليهما نبوخذراصر بالنار ليصيرا عبرة ومثلا للعنة !
استخدمت عقوبة " القلى " أو الإلقاء فى النار " أحيانا خلال تقديس الوثنيين للنار ، كأنهم يقدمون ذبائح بشرية فيها .
( 2 ) رسالة إلى شمعيا تحدث إرميا إلى ثلاث مجموعات :
الذين أخذوا إلى السبى ( 10 – 14 ) ،
والذين لحقوا بهم بعد ذلك ( 15 – 19 ) ،
ثم الأنبياء الكذبة فى بابل ( 20 – 23 ) ،
وأخيرا رسالة خاصة إلى نبى كاذب يدعى شمعيا .
بعث إرميا رسالة إلى نبى كاذب سبى عام 597 ق . م . يدعى شمعيا النحلامى الذى أرسل رسائل إلى الشعب وإلى صفنيا بن معسيا الكاهن وكل الكهنة يثيرهم ضد إرميا النبى ، ويحتج لدى السلطات فى أورشليم على رسالة إرميا بالقبض عليه ومحاكمته . لا نعرف شيئا عنه ، ربما كان موطنه نحلام وهى غير معروفة أم لا . ربما دعى النحلامى لأنه كان من الحالمين إذ كان يدعى أن الله يتحدث إليه خلال الأحلام ، أو لأنه لقب خاص بأسرته .
لم يرسل شمعيا إلى أرميا النبى ليبرر موقفه أو يعلن توبته إنما كتب ليثير الكل ضده ... كتب كصاحب سلطان بروح العجرفة والكبرياء .
( 3 ) رسالة من شمعيا إلى صفنيا " وكلم شمعيا النحلامي قائلا :
هكذا تكلم رب الجنود اله اسرائيل قائلا :
من اجل انك ارسلت رسائل باسمك الى كل الشعب الذي في اورشليم والى صفنيا بن معسيا الكاهن والى كل الكهنة قائلا :
قد جعلك الرب كاهنا عوضا عن يهوياداع الكاهن لتكونوا وكلاء في بيت الرب لكل رجل مجنون ومتنبئ فتدفعه الى المقطرة والقيود.
والآن لماذا لم تزجر ارميا العناثوثي المتنبّئ لكم ؟!
لانه لذلك ارسل الينا الى بابل قائلا انها مستطيلة.
ابنوا بيوتا واسكنوا واغرسوا جنات وكلوا ثمرها.
فقرأ صفنيا الكاهن هذه الرسالة في اذني ارميا النبي " ع 24 – 29 .
كان صفنيا فى ذلك الوقت رئيسا لحرس الهيكل . لم يرسل شمعيا باسم الله بل باسمه الشخصى متهما إرميا أنه قد بعث روح الأستكانة والخنوع وسط المسبيين ، إذ طالبهم أن يبنوا بيوتا ويغرسوا جنات كمن هم مستقرين فى بابل .
ليس عجيبا أن يتهم النبى الكاذب رجل الله الحقيقى بأنه قد عين نفسه بنفسه .
كتب شمعيا إلى صفنيا ليثيره حاسبا أن الله أقامه عوض يهوياداع لا لشىء إلا ليضطهد أنبياء الله الحقيقيين مثل إرميا الذى حسبه رجلا مجنونا . هكذا كان الأشرار يحسبون الأنبياء الحقيقيين مختلى العقل ( 2 مل 9 : 11 ، أع 26 : 24 ؛ 2 : 13 ، 15 ، 17 ، 18 ) . كان إرميا رمزا للسيد المسيح الذى أتهم هكذا من أقربائه أنه مختل العقل ( يو 10 : 20 ) .
( 4 ) رسالة إلى المسبيين " ثم صار كلام الرب الى ارميا قائلا :
ارسل الى كل السبي قائلا :
هكذا قال الرب لشمعيا النحلامي :
من اجل ان شمعيا قد تنبأ لكم وانا لم ارسله وجعلكم تتكلون على الكذب ، لذلك هكذا قال الرب :
هانذا اعاقب شمعيا النحلامي ونسله.
لا يكون له انسان يجلس في وسط هذا الشعب ولا يرى الخير الذي ساصنعه لشعبي يقول الرب لانه تكلم بعصيان على الرب " ع 28 – 32 .
كتب إرميا إلى المسبيين بخصوص النبى الكاذب شمعيا بعبارت تقارب ما كتبه عن حنانيا ( 28 : 15 ، 16 ) ، فقد حرم من الخير النهائى ، أى عودة البقية الأمينة إلى يهوذا والتى كان يمكن أن تشمله هو وبيته . لم يصدر هذا الحكم من إرميا كرغبة فى الأنتقام الشخصى ، إنما هو حكم إلهى صادر من أجل الشعب كله ، وما على النبى إلا إعلانه .
قد نستغرب من صرامة إرميا فى رده على مكتوب شمعيا ( ع 31 ) ، لكن ذلك كان بناء على أمر إلهى ، لكن لا يجوز لنا أن نرد هكذا على مقاومينا ، ولا أن نرجو لهم شرا أو موتا سريعا ( مت 5 : 44 ) .
+ + + إرميا – الإصحاح الثلاثون
عودة مجيدة
جاءت الإصحاحات ( 30 – 33 ) كسفر تعزية [ عن العودة وقيام مملكة يهوذا ] .. تقطع هذه الإصحاحات التسلسل التاريخى لسير الأحداث التى يذكرها باروخ الكاتب ، وهى تمثل مجموعة من أقوال النبى مأخوذة من مراحل مختلفة من خدمته .
تسمى هذه الإصحاحات الأربع " سفر تعزية " ، يمكن أن تدعى " تسبحة نصرة الخلاص والحرية " ، تعبر عن الرجاء المستقبلى أكثر منها الحكم والتأديب كما جاء فى الإصحاحات السابقة .
جاءت مقدمة هذه الإصحاحات ( 30 : 1 – 3 ) تحمل نغمة العزاء المملوء فرحا ، أما قمتها ففى 31 : 31 – 34 .
إن كانت العقوبات قد وجهت ضد يهوذا لكنه يوجه العزاء إلى إسرائيل ويهوذا معا ( 30 : 4 ) ، يقدمه فى شىء من التفصيل لكى ينشغل به المؤمن فى لحظات التأديب فلا يسقط فى حالة قنوط بل يمتلىء رجاء فى الرب .
يعلن الله لنبيه كما لكل نفس مقدسة عن مقاصده من جهة شعبه ، حتى تطمئن وتستريح فى الرب ، مدركة أنه دائما يعمل لبنيان كنيسته ومجدها الأبدى .
( 1 ) مقدمة لسفر التعزية " الكلام الذي صار الى ارميا من قبل الرب قائلا :
هكذا تكلم الرب اله اسرائيل قائلا.اكتب كل الكلام الذي تكلمت به اليك في سفر.
لانه ها ايام تأتي يقول الرب وأرد سبي شعبي اسرائيل ويهوذا يقول الرب وارجعهم الى الارض التي اعطيت آباءهم اياها فيمتلكونها " ع 1 – 3 .
مقدمة كتبها جامع هذه النبوات ، تحوى الموضوع الرئيسى للرجاء فى التجديد والإصلاح الواردين فى الإصحاحات 30 – 33 .
صدر الأمر الإلهى لإرميا أن يسجل ما يسمعه من الله فى كتاب ، لكى تقرأه الأجيال القادمة ، فمن جانب إذ يتحقق التحرر من السبى بعد السبعين عاما تدرك الأجيال أمانة الله فى وعوده التى ظنها البعض مستحيلة . ومن جانب آخر فإن هذا السبى يمس حياة البشرية عبر العصور .. الكل محتاج أن ينصت إلى وعود الله بالتحرر من سبى الخطية ، والأنطلاق من بابل الزانية إلى أورشليم الداخلية ، أى يتحول القلب من الفساد إلى بر المسيح .
يستخدم تعبير : " ها أيام تأتى " ع 2 فى النبوات عن الأحداث المقبلة سواء فى المستقبل القريب أو الأحداث الآخروية .
الوعد موجه للمملكتين الشمالية ( إسرائيل ) والجنوبية ( يهوذا ) ، إذ ذابا معا فى السبى وعادا كشعب واحد ، وصار الكل تينا جيدا جدا ( ص 24 ) . لعله من خطة الله فى السبى أنه إذ انقسم الشعب إلى مملكتين ، لم يكن هناك طريق للوحدة إلا من خلال نير السبى .
لم يقف الوعد عند عودة الشعب فى وحدة إلى أرض آبائهم ، وإنما صاروا " يمتلكونها " ع 3 . هم يمتلكونها ولكنها لا تمتلكهم !
فقد عاش اليهود خلال الفكر الحرفى تمتلكهم الأرض ، تشغلهم أرض الموعد ككل ومدينة الله أورشليم وهيكله ... لا ليتمتعوا بسكنى الله القدوس فى وسطهم فيتقدسون ، وإنما لممارسة العبادة بحرفية قاتلة . لذلك يؤكد الله لهم : " تمتلكونها " أى تكون هذه العطايا الإلهية بمقدساتها لخدمتكم ، أى لتقديس أعماقكم . يريدنا أن نكون ملوكا مقدسين نحمل سلطانا روحيا .
( 2 ) كارثة يعقوب وخلاصه
" فهذا هو الكلام الذي تكلم به الرب عن اسرائيل وعن يهوذا.
لانه هكذا قال الرب :
صوت ارتعاد سمعنا.خوف ولا سلام.
اسألوا وانظروا ان كان ذكر يضع.
لماذا ارى كل رجل ويداه على حقويه كماخض وتحول كل وجه الى صفرة.
آه ! لان ذلك اليوم عظيم وليس مثله.
وهو وقت ضيق على يعقوب ولكنه سيخلص منه " ع 4 – 7
يوجه حديثه إلى إسرائيل ويهوذا ، فيبدأ بإسرائيل لأنه سبى أولا ، وبالتالى تكون فترة سبيه أطول مما ليهوذا .
بينما ينادى الأنبياء الكذبة أنه سلام وامان ، إذا بالنبى يعلن أنه " صوت ارتعاد ... خوف ولا سلام " ع 5 .
يرى البعض أن " صوت الأرتعاد " ع 5 يشير إلى ما حدث من كورش على بابل ، فقد حدث ارتباك شديد ، ولم يدرك الشعب الأسير ماذا سيكون مصيره . هل هذه الحرب لصالحه أم ضده ؟! هل يفقد ما قد جمعه فى بابل أم يعطيه فرصة للعودة إلى أرض الموعد ؟! دخل يعقوب فى ضيق حين هاجمت جيوش مادى وفارس بكل طاقاتها البابليين ولم يدرك يعقوب أنه يوم خلاص له بواسطة كورش الفارسى .
من هول الكارثة مع العجز عن التصرف وضع كل رجل يديه على حقويه كإمرأة فى حالة مخاض ، وقد صارت وجوههم شاحبة .
يقدم لنا الخلاص فى هذا الإصحاح هكذا :
أ – تمتع بالحرية من نير الخطية ع 8
" ويكون في ذلك اليوم يقول رب الجنود اني اكسر نيره عن عنقك واقطع ربطك ولا يستعبده بعد الغرباء " ع 8
يقدم هذا الوعد الإلهى " رب الجنود " نفسه واهب الحرية ، فهو يكسر النير عن عنقنا ، ويقطع ربطنا ، ولا يعود يستعبدنا غرباء ! لقد أكد السيد المسيح : " إن حرركم الإبن فبالحقيقة تكونون أحرارا " يو 8 : 36 .
حمل نير الصليب ليكسر نير خطايانا ، وربط جسده على الصليب بالمسامير ، لكى يحل رباطاتنا ، ودفع حياته ودمه ثمنا كى لا نعود نستعبد بعد للغرباء .
ب – تمتع بداود الملك ع 9 :
" بل يخدمون الرب الههم وداود ملكهم الذي اقيمه لهم " ع 9
أين داود الملك ؟ إنه المسيا الملك ( إش 9 : 7 ، لو 1 : 32 ) . يتم الخلاص بمجىء ابن داود المسيا المخلص ، يملك على النفس ويقيم فيها مملكته بالخلاص .
جـ - تمتع بالسلام والرحمة ع 10 :
" اما انت يا عبدي يعقوب فلا تخف يقول الرب .
ولا ترتعب يا اسرائيل ،
لاني هانذا اخلصك من بعيد ونسلك من ارض سبيه فيرجع يعقوب ويطمئن ويستريح ولا مزعج " ع 10
إذ تخضع النفس لداود الملك ، يحملها بكل طاقاتها من بابل ويدخل بها إلى مملكته ، بل ويقيم منها مملكة سلام فائق ، لا يقدر عدو أن يقتحم أسوارها أو ينهب آنيتها المقدسة !
ترجع النفس إلى حضن الآب بيتها الحقيقى بعد زمان تعزيتها ، ويرجع الرب إلى أعماقها ، ويقيم مملكته التى تفيض سلاما بغير توقف .
يلاحظ هنا ( ع 10 ) أنه يؤكد أن الخلاص الممنوح لهم يقدم لهم خلال نسلهم ، لكى لا يظنوا أن العودة تتم فى أيامهم بل فى الأجيال القادمة ، بل بعد إتمام السبعين عاما .
آلام السيد المسيح مع كونها قاسية وعنيفة لكنها نافعة وضرورية لخلاص البشرية .
د – تحويل التأديب إلى خلاص ع 11 :
" لأنى أنا معك يقول الرب لأخلصك .
وان افنيت جميع الامم الذين بددتك اليهم ،
فانت لا افنيك بل اؤدبك بالحق ولا ابرئك تبرئة " ع 11
لماذا يسمح الله بالضيقات ؟ إنها إما لأختبار المؤمنين أو لإصلاحهم أو كعقوبة عن الخطايا ..
حينما يتحدث الله عن أولاده يقول : " لا أفنيك بل أؤدبك " ، أما بالنسبة للأمم فيقول " أفنيهم " . كأن الله فى تأديبه لنا يطلب خلاصنا ونمونا ، لكنه يحطم الأمم ( أى الخطايا ) أو مملكة إبليس التى حتما تنهار أمام مملكة الله !
( 3 ) شفاء جراحات صهيون غير القابلة للبرء " لانه هكذا قال الرب :
كسرك عديم الجبر وجرحك عضال.
ليس من يقضي حاجتك للعصر ليس لك عقاقير رفادة.
قد نسيك كل محبيك.
اياك لم يطلبوا لاني ضربتك ضربة عدو تأديب قاس ،
لان اثمك قد كثر وخطاياك تعاظمت.
ما بالك تصرخين بسبب كسرك ؟
جرحك عديم البرء لان اثمك قد كثر وخطاياك تعاظمت قد صنعت هذه بك.
لذلك يؤكل كل آكليك ويذهب كل اعدائك قاطبة الى السبي ويكون كل سالبيك سلبا وادفع كل ناهبيك للنهب.
لاني ارفدك واشفيك من جروحك يقول الرب :
لانهم قد دعوك منفية صهيون التي لا سائل عنها " ع 12 – 17 .
كانت هناك أسباب كثيرة تدعو إلى اليأس ، ... ولكن بقى طبيب واحد هو الله مخلص شعبه الصانع العجائب ، إله المستحيلات الذى يقدم نفسه بلسانا لهم فيشفيهم . والعجيب أنه يتقدم من تلقاء نفسه ( ع 7 ) كطبيب للنفس ومحرر لها .
إنه يفتش عن المجروحين والمسبيين والمطرودين والمرذولين ... حين تقف كل الأذرع البشرية عاجزة تظهر يد المسيا المخلصة والشافية .
لكى يؤكد الحاجة إلى تدخل إلهى للأصلاح أوضح خطورة الموقف . إنها فى حالة لا يرجى اصلاحها ، ولا يوجد من يهتم بها . جرحت بسبب خطاياها ، ووسط هذه الجراحات فقدت حتى محبيها الذين اشتركت معهم فى الخطايا ... فازدادت الآلام آلاما .
فجأة يتحول إرميا من الحديث عن العقوبة والتأديب إلى اعلان الخلاص ( ع 15 ، 16 ) الله يستخدم نبوخذنصر عبده ليتمم مقاصده بتأديب شعبه بعدئذ يأتى الوقت ليسلم بابل للدينونة .
بهذا تصير الجراحات التى بلا شفاء قابلة للشفاء ( ع 17 ) ، فإن الغير مستطاع عند الناس مستطاع لدى الله ( مر 10 : 27 ) .
لقد سمح الله بقيام بابل لتحطيم أشور ،
وقيام مادى وفارس لتحطيم بابل ،
وقيام اليونانيين ( اسكندر المقدونى ) لتحطيم فارس ومصر ( فرعون ) الخ ....
هكذا تنهار كل قوى العالم وتحطم بعضها البعض ، أما النفس التى تلتصق بالله مخلص العالم فتنال قوة فوق قوة ، ومجدا فوق مجد ! .
الشفاء الروحى أحد المكونات الأساسية لعمل الله الخلاصى فى المسيح ( يوئيل 2 : 25 )
إذ تشفى النفس من حراحاتها المستعصية وذلك بجراحات المصلوب لا تعود بعد تدعى " منفية صهيون التى لا سائل عنها " ع 17 .
( 4 ) اصلاح يعقوب " هكذا قال الرب :
هانذا ارد سبي خيام يعقوب وارحم مساكنه وتبنى المدينة على تلّها والقصر يسكن على عادته.
ويخرج منهم الحمد وصوت اللاعبين ،
واكثرهم ولا يقلون واعظمهم ولا يصغرون.
ويكون بنوهم كما في القديم وجماعتهم تثبت امامي واعاقب كل مضايقيهم.
ويكون حاكمهم منهم ويخرج واليهم من وسطهم واقربه فيدنو اليّ لانه من هو هذا الذي ارهن قلبه ليدنو اليّ يقول الرب.
وتكونون لي شعبا وانا اكون لكم الها " ع 18 – 22
يقدم لهم وعود إلهيـــة ثابتــة :
- يتمتع الشعب بالقلب الجديد الذى يطيع العهد .
- ينزع الله عنهم أغلال السبى والعبودية .
- يعاقب الله الذين سبوهم .
- يردهم إلى أرضهم فى سلام مع بركات وعطايا .
- يرد سبى خيام يعقوب .
- اعادة بناء المدينة والقصر الملكى ( ع 18 ) . عوض الخيام تقام مبان للأستقرار ، ويعاد بناء الهيكل والقصر الملكى ... هذا ما حدث بعد عودة الشعب من بابل .
- تتحول حياتهم إلى الفرح والتسبيح ( ع 19 ) . وكما قيل بزكريا النبى : " سيجلس بعد الشيوخ والشيخات فى أسواق أورشليم كل إنسان منهم عصاه بيده من كثرة الأيام . وتمتلىء أسواق المدينة من الصبيان والبنات لاعبين فى أسواقها " ( زك 8 : 4 ، 5 ) .
- يباركهم فينمون ويكثرون ( ع 19 ) .
- يعظمهم فلا يصغرون ( ع 19 ) .
- يثبت بنوهم أمام الرب ( ع 20 ) .
- يجعل منهم حكاما وولاة ( ع 21 ) ، ويقوم الله نفسه برعايتهم إذ يهتم بسلامة قطيعه ( إش 40 : 11 ) .
- يقتربون من الله ويصيرون له شعبا وهو إلها لهم ( ع 22 ) .
( 5 ) ادراك مقاصد الله " هوذا زوبعة الرب تخرج بغضب نوء جارف.
على راس الاشرار يثور.
لا يرتد حمو غضب الرب حتى يفعل وحتى يقيم مقاصد قلبه.
في آخر الايام تفهمونها " ع 23 – 24 .
ماذا يعنى بزوبعة الغضب الإلهى التى تحل برأس الأشرار إلا الأنهيار والدمار الذى يحل بملك بابل ؟! إذ يحل الغضب على الرأس ينهار الجسد كله !
لنسلم رؤوسنا فى يد الله الذى يقدسها ، فتحل عليها البركة لا اللعنة ، عندئذ يتقدس الجسد كله . أقصد بالرأس هنا " الفكر " ، حيث تمتص أفكارنا فى الرب ، وتنسحب إلى سمواته وتحمل حياتنا السمة السماوية .
+ + +
| |
|